مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 11/12/2015

خطبة د. توفيق البوطي: ذلك يوم ولدت فيه


ذلك يوم ولدت فيه
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله تعالى في كتابه الكريم عن نبيه المصطفى r: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( ويقول جلَّ شأنه: )مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً( ويقول الله تعالى في حق نبيه r:)فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ( وروى البخاري عن أنس t أنه قال: قال النبي r : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» وروى مسلم عن أبي قتادة ض أن النبي r سئل عن يوم الاثنين فقال: «ذلك يوم ولدت فيه، ويوم أنزل علي فيه »
أيها المسلمون، نحن على مشارف شهر ربيع الأنور الذي ولد فيه سيد الكائنات r، فأشرقت بولادته الدنيا هداية ورحمة وضياء وخيراً. وشمس النبوة نعم أشرقت، ولكنها لن تغيب؛ ستبقى ساطعة إلى يوم القيامة ويبقى نوره r منتشراً يتألق في آفاق الأرض إلى أن تقوم الساعة، وستظل قلوب الناس تستقبل أنوار رسالته ما بقيت شمس الكون تشرق وتغيب، ولقد بشر النبي r فقال: «سيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار» أجل وقد بلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، والحديث عن ذكراه r طويل قد يمتد لأسابيع، ولكنني سأقف في هذه المرة عند بعض النقاط، أولها هذا الجدل العقيم الذي يثار حول مشروعية الاحتفال بذكرى مولد المصطفى r؛ أناس خلا وقتهم من المسؤوليات وخلا ذهنهم عن الاهتمامات وانشغلوا بالطامة الكبرى - بالنسبة لهم طبعاً – وهي قصة احتفالنا نحن بمولده r، طبعاً نقول لهؤلاء: سنحتفل وسنحتفل لا عناداً وإنما إيماناً بأن احتفالنا بمولده r أمر مشروع ومطلوب، فإن ضاقت صدوركم فذلك شأنكم، لأن موقفكم من النبي r قد تجلى لنا في كثير من تصرفاتكم، لكننا لن ننطلق من ردود الفعل، سنبحث الموضوع بطريقة علمية. النبي r سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: ذلك يوم فيه ولدت، النبي r لم يحتفل بمولده سنوياً بل احتفل بمولده أسبوعياً، ربط بين نعمة إكرام الله البشرية بمولده في يوم الاثنين وبين صيامه فيه، ثم إن مسألة ربط الأحداث التاريخية بمدلولاته والوقوف عند المحطات التاريخية أمر موجود في شرعنا، ألم يصم النبي r يوم عاشوراء؟ وأوضح سبب ذلك عندما بيّن أنه أولى بموسى من بني اسرائيل، لأن يوم عاشوراء هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى وقومه من فرعون، فصامه وأمر بصيامه، إذاً المحطات الزمانية والمحطات المكانية لها في ديننا أهمية ينبغي أن نقف عندها. وعجيب أن هؤلاء الذين ينكرون علينا احتفالنا بمولده r يحددون يوماً لهم يسمونه اليوم الوطني، ثم ينكرون علينا نحن أن نجعل لذكرى إشراق الدنيا بميلاده r مناسبة نجدد فيها العهد مع رسول الله r على اتباعه والتزام هديه والتمسك بسنته، ولو سألنا هؤلاء الغوغاء ترى ماذا نفعل بمولد النبي عليه الصلاة والسلام ؟! وما وجه الخطأ فيه؟ أبيات ينشدها منشد تحضنا على محبته واتباع سنته، وتتضمن ذكر شمائله، كلمة يرشدنا فيها المتحدث إلى كثير من مآثره وسيرته العطرة r ويحضنا على التزام هديه، أفي هذا منكر؟ وفي تلك القنوات التي يطلقونها من بلادهم والتي تثير النزوات والفساد الأخلاقي هذا مشروع ليس فيه منكر – روتانا وام بي سي – وغير ذلك، هذه كلها مشروعة تبارك من الأسرة المالكة عندهم، أمر عجيب أن ينكروا علينا أن نحتفل بذكرى محمد r ثم يسكتون عن منكراتهم ونشرهم الموبقات في الدنيا عبر فضائياتهم، كثير من الأمور تثير فينا الاستنكار لما هم يفعلونه. أحيوا ذكرى لشيخهم محمد بن عبد الوهاب رحمه الله - أقاموا المؤتمرات بمناسبة ميلاده أو وفاته وفعلوا و فعلوا، اعتذر يومها أحد كبار علمائنا عن المشاركة بهذا الاحتفال فقال: أنا أعمل بما تقولونه من أن هذا بدعة، فإنني لن أحضره؛ لأنكم تعتبرون احتفالنا بمولد النبي r بدعة، فمن باب أولى أن نعتبر احتفالكم بميلاد أو وفاة شيخكم بدعة، هذا من باب أولى. هذه مسألة لا ينبغي أن نخوض فيها كثيراً فنحن لابد أن نعبر عن محبتنا للمصطفى r بالاحتفال بمولده، والاحتفال بمولده لا يكون بالتمايل على أصوات المنشدين فقط مع أننا نؤيد جلسات الإنشاد ونُسَرّ بها؛ لا سيما إذا كانت تحمل تلك المعاني الرقيقة التي تثير في مشاعرنا محبة النبي r والشوق إلى مثواه وزيارته عليه الصلاة والسلام فكل ذلك أمر مشروع، لكننا نريد أن نؤكد أن الاحتفال بمولده r إنما يتمثل بأمور أرجو من الجميع أن نلتزم بها، وأن نجعل هذه المناسبة منطلقاً لها.
الأمر الأول: تجديد الصلة بسيرته r وشمائله وسنته، بأن نعاود دراسة سيرة النبي r لأنفسنا ولأهلينا فنجلس في البيت ونقرأ سيرة النبي r من كتب مختصرة مبسطة لكي يعرف أبناؤنا وأهلنا في البيت من هو رسول الله r لأنهم عندما يعرفونه سوف يحبونه، وأن ندرس وإياهم، ولو كتاباً مختصراً، في شمائله: في أمانته في صدقه في رحمته في شفقته في كرمه في شجاعته في رجولته في توكله على الله، في جميل صفاته الخَلقية والخُلقية. هذا كله أمر مهم، لأن علينا أن نعرف من هو حبيبنا المصطفى r الذي هو مفتاح سعادتنا وجسر وصولنا إلى الفوز برضوان الله عزَّ وجل، الأمر الآخر: كثرة الصلاة عليه r، هذه المدينة مدينة مباركة إنها مدينة دمشق، ومن مظاهر البركة فيها مجالس الصلاة على النبي r فلنحي مجالس الصلاة على النبي r، ....


تشغيل

صوتي