مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 04/12/2015

خطبة د. توفيق االبوطي: خطر واحد ذو وجهين


خطر واحد ذو وجهين
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون ، يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم : )وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى( ، ويقول سبحانه : )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً# فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً# أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً#وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً، وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ( روى الإمام مسلم عن أبي هريرة t قال : « لما نزلت على رسول الله r )لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(، لما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على أصحاب رسول الله r فأتوا رسول الله r ثم بركوا على الركب ثم قالوا : أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق ، الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها ، قال رسول الله r: "أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا ؛ بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" ، فقالوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير» ، إلى آخر الحديث
أيها المسلمون، إن من أبرز أسباب ما نعاني منه هذه الأيام الصعبة تطرفين متناقضين صورة متكاملين حقيقة، فريق يدعو إلى الإعراض عن هدي الله وشرعه، والفريق الآخر يمثل في تصرفاته الإعراض عن هدي الله وشرعه، ولكن تحت دعوى اتباعه، وهذا هو الأخطر؛ لأن هذا الفريق الذي يدعي اتباع هدي الله وشرعه قد غدا أداة تشويه لأحكام الإسلام ومسخ لها، استخدم هذا الفريق أعداؤنا فتسموا باسمنا، ولكنهم يسيئون بتصرفاتهم إلى الإسلام ويشوهون أحكامه وينفرون الناس منه. بينما أنزله الله عزَّ وجل ليكون رحمة للعالمين، نجدهم يعرضون الإسلام بصورة مفزعة منفرة بتصرفاتهم التي يتصرفونها، وفريق آخر هو على النقيض فيما يظهر، ولكنه يتكامل مع الفريق الأول، يدعي الإسلام، ولكنه ينادي بتعطيل أحكامه والإعراض عن شرعه، ويدَّعي أن أحكامه مجرد أعراف جرت عليها الناس، ويدعو إلى نبذ إلى أحكام ديننا كما نبذ الغرب سلطان كنيستهم.
الكنيسة في الغرب كانت ولا تزال لا تمثل تعاليم المسيح، كانت قبل عزلها عن الحياة مجرد أداة بيد الملوك والأثرياء الظلمة، وكانت عائقاً دون التقدم العلمي، ثم بعد أن نحيت غدت مجرد طقوس تتطور أحكامها مع أهواء الناس، وتؤطر وتقنون مفاسدهم، وها هي ذي تشرعن الفسق بأقذر صوره، وتبارك الفجور المتمثل بالشذوذ ومفاسد قوم لوط. أجل الكنيسة تبارك ذلك في الغرب، نجد اليوم دعوات تريد أن تقيس الإسلام الذي أنهض العلم و قوّم المجتمع وبنى الحضارة يريد أن يقيس الإسلام على وضع الكنيسة الغربية ويريد أن يبعد الإسلام عن الحياة وضبط سلوك الناس بأحكامه، يستخف بنظام الأسرة ويستهزئ به، ويطلب الإعراض عنه. وهل يريد أن ينتشر في مجتمعنا ما شاع في الغرب من انهيار للأسرة وتفسخ في المجتمع؟ هل يهدف بدعوته هذه المتطرفة إلى ذلك
الفريق الأول متطرف بعرض الإسلام بصورة وحشية منفرة، والفريق الثاني يعرض الإسلام على أنه صورة عن الكنيسة الغربية، ثم يطلب نبذ أحكامه. الفريقان متناقضان في دعوتهما، لكنهما متكاملان في أثر هذه الدعوة، كل منهما يخدم الآخر. إن أخذنا بدعوة الفريق الأول كانت ردة الفعل في دعوة الفريق الثاني، وإن أخذنا بدعوة الفريق الثاني كانت ردة الفعل في دعوة الفريق الأول، هما متناقضان ظاهراً متكاملان يؤديان دوراً واحداً في التنفير من الإسلام واستبعاد عنه وتنحيته عن حياتنا، إن ثوابت هذا الدين هي موضع تقديس وتعظيم واحترام من كل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وإن تعطيل أحكامه شرك بهذه الحقيقة وابتعاد عما أمر الله عزَّ وجل به، وتحكيم للأهواء والنزوات وإيصال بمجتمعنا إلى الوضع الذي تعاني منه المجتمعات الغربية، أجل حيث تباع الأنثى كما تباع الأمتعة، وحيث يشيع الزنى والفواحش، وتنتشر الإباحية ويتعطل نظام الأسرة، وها هو ذا العالم الغربي يعاني نتيجة بعده عن الفطرة الإنسانية قبل الشريعة الإلهية، هو اليوم يعاني من ضمور سكاني سببه تفشي الفواحش، سببه انهيار الأسرة. ويعاني من جرائم القتل المرعبة في ظل الأسرة فالزوج يقتل زوجته والزوجة تقتل أولادها. والاحصائيات مرعبة في ذلك، أيريد هذا الفريق من أشباه البشر أن ينقلوا تلك الآفات إلى مجتمعنا؟! يريدون أن يعطلوا نظام الأحوال الشخصية، ونظام الحياة في ظل الأسرة المسلمة لننتقل إلى تفلت اجتماعي تنتشر فيه الفواحش ويشيع فيه المنكر وتنهار فيه الأسرة ويضيع فيه أبناؤكم وبناتكم، نحن مسؤولون اليوم عنهم )قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ( وهذا لن يتحقق إلا من خلال تماسك الأسرة ، وتماسك الأسرة لن يتحقق إلا من خلال شريعة الله عزَّ وجل؛ شريعة الأسرة التي نظمها ربنا تبارك وتعالى أعظم تنظيم يريدون تعطيلها، يريدون أن يشيع الظلم والفساد والتحلل.
نحن نقول إن ثوابت ديننا تأبى أن نكون عرضة لردود فعل فريقين من المتطرفين، فريق يعرض الإسلام بصورة مرعبة منفرة، وفريق يريد منا نتيجة ذلك أن نتفلت من الإسلام كله، هذا الفريق يخدم ذلك الفريق في أهدافه، وذلك الفريق يخدم الفريق الأول في أهدافه، فهما متناقضان ظاهراً متآزران على تعطيل الإسلام وشله في حياتنا باطناً.
أيها المسلمون، علينا أن نتحقق من هويتنا الإسلامية، وأن نتمسك بثوابت ديننا وثوابت شريعتنا وأن نعلنها واضحة أن لا إله إلا الله وأن شرع الله هو الذي يجب أن يتحقق كما قال ربنا تبارك وتعالى، وهذا الفريق هو الذي أشار إليه ربنا سبحانه وتعالى بقوله: )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً# فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً# أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً( أجل هؤلاء هم معرّضون اليوم لمصيبة تنزل بهم من رب العزة جل شأنه تبين لهم وتوضح لهم أن الجهود المبذولة لتنحية شرع الله لن تحيق نتائجها إلا بأهلها وأنها ستصيبهم بما أنذر الله عزَّ وجل )وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ(.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 2015/12/04

تحميل



تشغيل

صوتي