مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 02/10/2015

خطبة د. توفيق البوطي: هل لنا من بداية جديدة مع بداية عام هجريٍ جديد


هل لنا من بداية جديدة مع بداية عامٍ هجريٍ جديد
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: )تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ # الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ( وقال سبحانه: ) وَالضُّحَى# وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى# مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ( وقال سبحانه: ) وَالْعَصْرِ# إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ# إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ( وقال جل شأنه: ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى# وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ( وقال : ) وَالْفَجْرِ# وَلَيَالٍ عَشْرٍ ( يقول النبي r فيما رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين:" اعتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك " وروي عن أبي الدرداء y أنه قال:" ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قريب تكون قبرك، يا ابن آدم إنما أنت أيام ، كلما ذهب يوم ذهب بعضك "
أيها المسلمون، نودع قريباً عاماً مضى من حياتنا ونستقبل عاماً جديداً، ولكننا لا ندري كم قدر الله لنا من العمر من بعد. ماذا يعني انتهاء عام من حياة الإنسان المسلم وابتداء عام، ولقد فرأت آيات وجدنا أنها كلها وغيرها آيات كثيرة نوهت بأهمية الوقت وخطورة شأنه، فالوقت هو أنت، وإضاعة الوقت تعني إضاعة وجودك، تعني قتلك لنفسك، لأنك أنت مجموعة أيام، ويومك الذي تعيش فيه، هو وقتك الذي ينبغي أن تغتنمه، مضي عام وإقبال عام آخر في شأن أهل الدنيا والعقلاء منهم يقتضي العودة إلى العام المنصرم، ودراسة الربح والخسارة، والصادر والوارد، مدى النجاح أو مدى الفشل خلال العام الذي مضى. هذا شأن أهل التجارة والصناعة، والدول أيضاً لها خطط سنوية وخطط خمسية وغير ذلك، فالتعامل مع الوقت أمر له أهميته لدى العقلاء، والوقت بالنسبة للإنسان المسلم هي الفرصة التي يشتري بها سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، أو يودي بنفسه إلى شقاء في الدنيا وشقاء في الآخرة، فهل يا ترى يدفعنا هذا المعنى إلى أن نعود إلى العام الذي انصرم، ونستعرض حياتنا خلال العام المنصرم في سلبياتها و إيجابياتها، في خيرها وشرها، في ربحها وخسارتها، أخطائها وصوابها، إنه واجب علينا أن نعود إلى أنفسنا ونراجع حساباتنا، فنحن ندرك جيداً كم مضى من عمرنا، ولكن من منا يعلم كم بقي من عمره، من منا يعلم كم بقي له من فرصة يستدرك فيها خسارته وما كان قد ضيعه من أيام حياته، نحن نتعامل مع رب كريم رحيم، ولكنه في الوقت ذاته وصف نفسه بأنه قوي عزيز، ووصف نفسه بأنه جبار، ووصف عذابه بأن عذاب أليم، ففي الوقت الذي بشر فيه فقال: ) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( حذر وقال: ) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ ( والمسألة بالنسبة للتجار لا شك أن العقل يقتضي منه العودة إلى حساباته وتقدير الأرباح والخسائر والأخطاء والخطط الناجحة، هذا بالنسبة لحياة التاجر التي هي هذه الفرصة التي يعيشها من حياته الدنيا، ولكن التاجر والصانع وأنت وكل إنسان هذه الحياة إما أن يشتري بها السعادة الخالدة أو يشتري بها الشقاء الخالد، فالأمر أخطر من صفقة تجارية أو من ربح اكتسبه خلال عام انصرم، أو خسارة وقع فيها خلال عام انصرم، الأمر أخطر من ذلك بكثير، التعامل هنا مع من خلقك، التعامل مع من أوجد حياتك من أجل ممارسة هذه المهمات والوظائف والواجبات التي أناطها الله عزَّ وجل بك. ترى لو عدنا إلى أنفسنا وراجعنا العام الذي انصرم، بلا شك من حقنا أن ننظر إلى أوضاعنا المادية والاقتصادية، وإلى سمعتنا ومدى تحسنها أو تقهقرها، ولكن الأخطر من ذلك أن تعاملك في شأن الحياة ليس تعاملاً مع سوق تجارية أو رصيد اجتماعي أو مكانة مرموقة أو غير ذلك، تعاملك هنا تعامل مع من خلقك سبحانه وتعالى، والذي يعلم منك السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، مهما كنت تتكتم على شيء فسرك وعلانيتك بالنسبة إليه سواء، هل فكرت في أن الحياة التي تعيشها هي حياة أنت مسؤول عن كل لحظة فيها بين يدي قيوم السموات والأرض، بين يدي من لا تخفى عليه خافية، بين يدي من أمسك بلجام هذا الكون فلا تفلت ذرة ولا مجرة من قبضته ومن سلطانه، وأنت هباءة في هذا الكون، هل فكرت في ذلك؟ هل فكرت في أنك مسؤول وقد بلغك ما أنت مسؤول عنه فضمّن ذلك كتابه وسنة نبيه، وأوضح ذلك لك من خلال العبر والعظات التي تمر عليك في الحياة، وما الذين نحملهم على كواهلنا كل يوم لنودعهم إلى المقبرة إلا عظات وعبر لنا نحن، تقول لنا وأنت أيها الحامل اليوم محمول غداً.
أجل لقد منحنا ربنا تبارك وتعالى هذه الفرصة، هي نعمة نشتري بها الخلود في جنات الله، نشتري بها رضوانه نشتري بها السعادة، نشتري بها رضاه نشتري بها حالة الطمأنينة القلبية التي نفتقدها اليوم، نشتري بها رضوان الله سبحانه وتعالى، كما نجني بها سعادة الدنيا، فسعادة الدنيا لا تكون بكثرة الأموال فكم من جامع للمال أرقه ماله وأتعبته ثروته، وكم من إنسان قوي البنية لا تفيده قوة بنيته في موقفه وفي تحمل مسؤولياته، الموضوع: مسؤولية بين يدي الله ) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ #وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ( نقول لأنفسنا ونحن نودع عاماً لنستقبل عاماً آخر ونقول لكل إنسان ضيع الفرصة وأنفق من العمر وراء الأوهام ووراء سراب الأخيلة الخادعة نقول ما يقوله لنا ربنا ) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ( بهذا خاطبنا الله عزَّ وجل.
خمس سنوات ونحن نعاني من أهوال جرّت علينا ما أنتم أعلم به، فصارت بلادنا مدار اهتمام الكرة الأرضية كلها في قضيتها، وموضع اهتمام جميع العالم، وها نحن نرى التداعيات التي وصلت لها أحوالنا اليوم في بلادنا، ونأمل أن تكون عاقبتها خيراً، ترى أكانت تلك العبثية التي رأيناها في طرقنا وشوارعنا أكانت مجرد عبث، أم إنها جرَّت على بيوتنا ونفوسنا وقرانا ومدننا وأبناء هذا البلد المبارك كل هذه الآلام؛ من دماء نزفت، ومن كثيرين شردوا، ومن تقطع أوصال بلدنا، ومن حالة من القلق والاضطراب استبدت بالأطفال والرجال والنساء والشيوخ نتيجة تلك الصيحات العابثة التي طالما حذرنا منها وقلنا إن وراءها مخططاً خطيراً نتيجة تلك الصيحات العالية، التي طالما حذرنا منها، وقلنا إن النبي r قد حذر من مثل هذه التصرفات، ولكن قلّ من استجاب، وها نحن نرى في الدنيا نتائج تلك الصيحات العابثة ونتائج الاندفاع الذي يسعى وراء الأوهام من خلال نوع من الفوضى المخطط لها، هم كانوا يسيرون ولا يدرون إلى أين، بينما كانت أقدامهم تقودهم إلى حتوفهم، نتيجة عدم تدبرهم في العواقب، هي ع


تشغيل

صوتي