مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 18/09/2015

خطبة د. توفيق البوطي: الجرأة على المقدسات


الجرأة على المقدسات
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جل شأنه في كتابه الكريم )وَالْفَجْرِ# وَلَيَالٍ عَشْرٍ# وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ# وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ#هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ( ويقول جل شأنه: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ( روى ابن خزيمة في صحيحه ورواه الإمام النووي في الرياض عن البخاري أن النبي r قال:" ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله من هذه الأيام، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء "
أيها المسلمون، أظلتنا أيام عشر ذي الحجة، في الوقت الذي تزدحم فيه وفود الرحمن حول بيته، وتشد الرحال إلى المسجد الحرام، وتزدحم مناكب الطائفين والساعين المستعدين للتوجه في يوم عرفة إلى عرفة باذلين جهدهم متحملين المشقة والتعب إرضاءً لله عزَّ وجل. في ذلك الوقت بالذات رحمة الله تبارك وتعالى وإحسانه لن يحدها مكان، وهذه الأيام هي أيام مباركة لمن كان ضيفاً على بيت الله، وأيام مباركة لمن قعدت بهم الأسباب والوسائل عن الوصول إلى بيت الله، فالذين حيل بينهم وبين الكعبة المشرفة لسبب أو لآخر لن يحرموا من فضائل هذا العشر، فالعبادة فيه والتقرب فيه إلى الله سبحانه وتعالى أفضل حتى من الجهاد في سبيل الله، لذلك جدير بنا أن ننتهز هذه الفرصة في هذه الأيام المباركة التي أقسم الله عزَّ وجل بها تنويهاً بقدرها فننفقها في طاعة الله والتوبة إلى الله بالصيام والصدقة وصلة الرحم وسائر أنواع القربات ليجعلنا ربنا تبارك وتعالى في جملة من أكرمهم الله عزَّ وجل ببركة هذا العشر العظيم.
في الوقت الذي تظلنا فيه هذه المناسبة العظيمة – عشر ذي الحجة - وتشد الرحال إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج وزيارة المصطفى عليه الصلاة والسلام في هذا الوقت الذي يستعد فيه المضحون في الآفاق لذبح أضاحيهم تقرباً إلى الله ويشتري فيها الحجيج هديهم ليتقربوا إلى الله بذبح الهدي هناك في الحرم المبارك، في هذا الوقت نجد أن العصابات الصهيونية المجرمة تسعى جاهدة لتهديد وجود المسجد الأقصى مسرى رسول الله r وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، تهدد وجود المسجد الأقصى الأسير بحفر الأنفاق تحته وانتهاك حرماته وتدنيس قدسيته، وهذه هي الجدران قد تصدعت والوهن قد أصاب أرض المسجد الأقصى بسبب تلك الحفريات العدوانية والأنفاق التي تستهدف وجوده وتريد إزالته لصالح خرافة المبكى والهيكل الأسطوري الذي يريدون أن يشيدوه على أنقاض المسجد الأقصى.
هذا شأن اليهود وليس هذا مستغرباً عنهم ، فهم الذين عرفوا في التاريخ بجرائمهم، قتلة الأنبياء، والذين عرفوا بأنهم دائماً يسعون لإثارة الفتن، وهذا كلامهم، فهم مثيروا الفتن في العالم كله، وهم الذين يؤججون الحروب إثر الحروب ليبنوا على تلك الحروب أمجادهم، ولاشك أنهم يسعون لنشر الفساد بعد الفساد والانحلال بعد الانحلال سعياً وراء ظهور ملكهم الدجال كما صرحوا هم بأنفسهم. أجل لا يستغرب هذا الأمر من العصابات الصهيونية شذاذ الآفاق نفايات الشعوب التي تجمعت حول المسجد الأقصى الذي باركه الله عزَّ وجل؛ ليس مستغرباً ذلك أبداً، فهذا شأنهم وهذا ديدنهم، لكن المؤلم والعجيب أن العرب غير آبهين بكل الذي يجري، العرب استطاعوا أن يتحالفوا في حلف قذر ضد سوريا فأرسلوا آلاف المقاتلين ليدمروا وطنكم هذا، استطاعوا أن يبذلوا المليارات لكي يدمروا هذه البلد. واستطاعوا أن يتحالفوا مع إسرائيل وأمريكا والغرب لتقويض بلد صغير فقير هو والشام لهما مكانة عظيمة في تاريخنا وفي ديننا إذ قال النبي r:" اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا" تحالفوا لتدمير هذا البلد أجل لتدمير اليمن، بدلاً من أن يسعوا لإجراء مصالحات بين أبنائه تخمد نار الفتنة مما بينهم، وتجمع شملهم للنهوض بوطنهم قصفوا تلك البلاد بالغارات إثر الغارات وهم يسعون لتدميره وتقتيل أبنائه، استطاعوا أن يتحالفوا واستطاعوا أن يوجهوا طائراتهم وجيوشهم الجرارة لتقويض بلاد مسلمة إحداها تقف على ثغرة الجهاد هنا سوريا، والتي دعمت الفلسطينيين مذ حصلت النكبة إلى هذا اليوم، وإن تنكر بعضهم لأنهم آثروا التحالفات الحزبية على المصلحة الإسلامية، عجيب أنهم استطاعوا أن يتحالفوا من أجل خدمة الأهداف الصهيونية ويقوضوا وطنين ويدعموا تدمير أوطان أخرى. ها هي ذا ليبيا تحالفوا على تدميرها وتقويض بنائها الاجتماعي واقتصادها، عجيبٌ أنهم استطاعوا أن تحالفوا لتدمير ليبيا، لكنهم لم يستطيعوا أن يصرحوا ببيان له قيمته للدفاع عن المسجد الأقصى باستثناء بيانات جوفاء صدرت من أحلاف اسرائيل تطلب من اسرائيل ضبط النفس وتطلب منها المحافظة على قدسية المسجد الأقصى وكأن اسرائيل بحاجة إلى مواعظهم، وقفوا مكتوفي الأيدي إزاء ما يجري حول المسجد الأقصى وتحت بنائه من تصديع له وتوهين لجدرانه وتدنيس لقدسيته بما يمارسونه من جرائم أمام أعين الناس كلهم، دعونا من اليونيسكو ودعمونا من المنظمات الدولية التي تريد أن تحافظ على الآثار هم أعداء الحضارة، ومجلس الأمن يتحمل المسؤولية قبل أي جهة أخرى، وهيئة الأمم المتآمرة تتحمل المسؤولية قبل أي جهة أخرى حول التراث الحضاري لوطنكم هذا ولأمتكم هذه، هم أعداء الحضارة عندما دمروا آثار الحضارة في بغداد وأعداء الحضارة عندما دمروا آثار سوريا ومساجدها وكنائسها، وهم أعداء الحضارة وأعداء الإنسانية وأعداء الآثار التاريخية عندما يرون بأم أعينهم كيف تنتهك حرمة المسجد الأقصى وكيف يدمر وهم صامتون أمام أعينهم لأنهم أعداء الإنسان أعداء الحق أعداء الحضارة، هم يؤمنون بثقافة !! هم يراعون ثقافة ! هم يتآمرون على تاريخكم يتآمرون على أوطانكم يتآمرون على دينكم يتآمرون على وجودكم.
ما الذي جرأ اليهود ليرتكبوا كل هذه الجرائم وجعلهم لا يبالون ويقومون بكل ذلك؟ الذي جرأهم أن العرب أقوياء على بعضهم ضعفاء أمام عدوهم، أنهم ارتضوا أن يكونوا مزقاً وأشلاءً أمام عدوهم، وإذا ما دعوا لنصرة أخ لهم تجدهم كما وصف الشاعر: فتخاء تهرب من صفير الصافر، أسود على بعضهم وقطة أمام عدوهم، أجل ارتضوا أن يكونوا مزقاً وأشلاءً، فإن لم يكونوا كذلك سعوا في تفريق المتحد وتمزيق الواحد، سعوا في تشتيت الكلمة إذا ما رأوا تحالفاً أو علاقة ودية بين أخوين أثاروا فيما بينهم الفتنة لتقع الوقيعة فيما بينمها. ونحن للأسف لدينا استعداد للخصومات ولدينا استعداد للنزاعات، ولكننا إذا سعينا من أجل مصالحة احتجنا إلى روسيا وإلى الصين وإلى الأمم المتحدة وإلى جنيف من أجل إصلاح ذات بيننا، لأن المسألة ليست مسألتنا، لأننا نعمل بتوجيه خارجي لأننا لسنا أحرارا في قراراتنا، لأننا لا نريد أن نكون أسياداً على أرضنا، لأننا نريد أن نكون عبيداً نلهث وراء أوروبا، والذين هرولوا لاجئين إلى أوروبا تاركين وطنهم هم أعظم دليل على ذلك، ارتضوا ذل الوقوف متسولين هناك، ورفضوا أن يعيشوا أحراراً هنا، أنا لا أعذرهم مهما اشتد الأمر، فالوطن وطننا والأرض أرضنا والبيت بيتنا وليس من حق أحد أن تمتد يده أو أن ينال من قدسية بلادنا، المتساهلون في حماية أرضهم والذين هانت عليهم كرامتهم فأثاروا النزاع فيما بينهم ليبرروا بذلك الخروج من وطنهم وليصبحوا مادة بشرية في خدمة الكيانات الأوربية.
أسال الله أن يجمع كلمتنا على الحق والتقوى وأن يردنا إلى دينه رداً جميلاً.
أقول على الرغم من كل الذي يجري ستنتصر أمتنا وسينتصر ديننا شاء من شاء وأبى من أبى، ستنتصر أمتنا وسينتصر ديننا، وكفالة الله عزَّ وجل لهذه الأمة ولهذه البلاد ستظهر عاجلا غير آجل وبإذن الله ولكن هل من عودة إلى الله لتسارع إلينا النجدة الإلهية ؟
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 18/9/2015


تشغيل

صوتي