مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 21/08/2015

خطبة د. توفيق البوطي: مؤامرة الهجرة من سوريا


مؤامرة الهجرة من سوريا
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ وقال سبحانه: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ # وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ # وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾، قال العلماء: (الأرض التي باركها الله عزَّ وجل هنا وفي سورة الإسراء هي الشام )، وبركتها الدينية أو الأخروية هي ما اختصها الله عزَّ وجل من أنبياء وما أولاها من عناية في دينها ورعايته لها في أمر آخرتها، وأما من الجهة الدنيوية فهي من أطيب بلاد الله أرضاً، وأعذبها ماءً وأكثرها ثمرة، وفيها ينزل سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام وبها يهلك الدجال، روى البخاري ورفع في الترمذي إلى النبي r عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال r :"اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا، قال: وفي نجدنا، قال: اللهم بارك لنا في شمنا وفي يمننا، قالوا: وفي نجدنا، قال: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان"، وروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله r: "ستجندون أجناداً، جنداً في الشام وجنداً بالعراق وجنداً باليمن، قلت يارسول الله اختر لي، قال عليكم بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه وليسقي من غدره فإن الله عزَّ وجل تكفل لي بالشام وأهله"، وعن الحاكم في المستدرك عن أبي أمامة الباهلي أن النبي r قال: "الشام صفوة الله من بلاده يسوق إليها صفوة عباده من خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه، ومن دخل من غيرها فبرحمته" صحيح على شرط مسلم، وروى ابن حجر في المطالب الثمانية عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله r: "إني رأيت عمود الإيمان انتزع من تحت وسادتي فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام ألا وإن الإيمان حيث تقع الفتن في الشام"
أيها المسلمون بركة بلاد الشام عظيمة لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل، وقد ترسخت في هذه المرحلة التاريخية الخطيرة دلائل بركة الشام، فقد غدت هذه البلاد المورد العذب الموثوق به للعلم الشرعي بمساجدها ومعاهدها، حتى غدت عدد طلاب العلم في مدينة دمشق من الأجانب يزيد على خمسة وثلاثين ألف طالب، وبفضل هذه المؤامرة القذرة لم يبق منهم إلا مائة ونيف، هذه الحرب الكونية الشرسة التي تضافرت وتكالب فيها قوى الشر والاستكبار في العالم كله، هذه الحرب شُنت على بلاد الشام، ولكن لقيت في بلاد الشام صخرة لا تلين وإرادة لا تنهزم وعزيمة لا تضعف في الصمود في الثبات في التضحية، نعم لا تزال حتى الآن وستبقى وبعون الله صامدة صابرة تبذل التضحيات، وستنهزم المؤامرات وجحافل المعتدين وستبقى سوريا وبلاد الشام في ظل عناية الله عزَّ وجل منارة الإسلام ومورد العلم والهدى بإذن الله، النبي r بين أن منافقي الشام لن يمتوا إلا غيظاً وكمداً وذلاً ولن يغلبوا مؤمنيها، وهذا ما سنراه، لقد تميزت في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ الإسلام والبشرية هذان الصفان منافقوا الشام والمؤمنون في الشام، من باعوا أبناءها وساوموا على وحدة أرضها وتعايش أبنائها وتحالفوا مع أعداء الله واستجدوا دول البغي والعدوان دول الاستكبار في الأرض أن تقصف سوريا وأن تحاربها بجنودها وسفنها وطائراتها، أجل استجدوهم ورجوهم وتوسلوا إليهم وركعوا عند أقدامهم لكي تقصف بلد الشام لكي تدمر بلاد الشام، بقيت بلاد الشام وخرجوا هم نفايات في الأرض هنا وهناك، ستبقى هذه البلاد في ظل عناية الله تعالى وسيكون كيد من يكيدها ممتد إلى نحره بإذن الله، أجل هذا فريق وفريق آخر رفضوا أن يضحوا ببلاد الشام سواء لإغراءات أو لتهديدات، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، وهاهي ذا علائم النصر قد بدت، والفرج قد تجلت سماته، ومعالم الهزيمة لأعدائها وأعداء هذا الدين أيضاً تجلت بإذن الله، هذا التميز أعلنه النبي r عندما قال: "من خرج منها فبسخطه، سخط اله عزَّ وجل، ومن دخل من غيرها فبرحمة الله عزَّ وجل" ، ولكم وفد إليها من أمم هاجروا إليها لأنها وصية رسول الله r عندما قال :"عليكم بالشام"، من كان يظن أن الشام يمكن أن تسلب عنها صفة الإسلام فقد خسئ، هذه الشام هي قلعة الإسلام، هي مربط الإسلام هي منطلق الإسلام وليمت أعداء الإسلام غيظاً وكمداً، لكن عندما انهزمت المرحلة الأولى أو الشكل الأول من التآمر على هذه البلاد بدأ الشكل الأخطر، هذا العمل الممنهج في تهجير أبناء سوريا هنا وهناك الذين يهجرون أبناء سوريا هم متآمرون على دينها وعلى أبنائها، لم يستطيعوا أن يهزموا سوريا عسكرياً فأرادوا أن يفرغوها من أبنائها وللأسف تعامل كثير من أبنائها مع هذه لمؤامرة بغباء يثر الدهشة يبذلون المال، والأموال الطائلة ليبيعوا ولدهم ووطنهم ويتخلوا، يبذلون الملايين لكي يركبوا متن البحر في رحلة مخاطرة أيام طويلة مهددين بين أمواج البحر بالموت غرقاً في سبيل ماذا؟ في سبيل الضياع، في سبيل فقد الهوية، في سبيل فقد العرض، في سبيل فقد الدين، في سبيل التخلي عن الكرامة في سبيل التخلي عن الإنسانية في سبيل التخلي عن الهوية في سبيل التخلي عن الدين، يبذلون الأموال ليخسروا وطنهم وليخسروا أعراضهم، ولقد قرأت الكثير سمعت الكثير من أنين من سافروا وبكاء من سافروا، ولكن ألم يستمع إلى حديث رسول الله: "ومن خرج منها فبسخطه"، ألم يسمع نصيحة رسول الله: "عليكم بالشام"، ألم يسمع كلام رسول الله: "سل عمود الإيمان من تحت وسادتي فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حيث تقع الفتن بالشام" والكفر في دياره، الكفر هناك والضياع هناك وفقد الكرامة هناك وفقد الهوية هناك وخسارة العرض هناك، مئات الرسائل وصلتني تتحدث عن الآلام الممضة، لكن وصلت للناس رسائل مضللة ظنوا أن أوربا جنة عدن، سولت لهم نفوسهم الرخيصة وللأسف أن يعيشوا حياة البهيمية التي يعيشها الغرب، أجل أقول حياة البهيمية فمن رضي فليرضى ومن أبى فليأبى، لأن من فُسد بينه وبين أولاده ثم تولت الجهات الخارجية تربية أولاده تربية التخلف والضياع فهو إنسان تخلى عن كرامته وتخلى عن هويته، وهل سيناله ربحاً؟؟ سينال خسارة كله، لن يكون موضع احترام لأن من تخلى عن وطنه لا وطن له ولن يحترم في أي أرض حوته، لأن من لم يكن له وفاء لوطنه لمرابع صباه لمنبت حيات لمنبت وجوده حيث تعلم وحيث نشأ وحيث تغذى وحيث تربى، من لم يكن له وفاء لهذا الوطن لن يكون موضع ثقة لأن يكون موضع وفاء لأي جهة في الأرض، أجل إنها عملية ممنهجة، التضيق على الناس هنا بالاعتداء على محطات توليد الكهرباء وبقطع الماء وبقصف المعامل وبقصف المساجد وبسرقة الممتلكات وبالاعتداء على الآثار وباستهداف المشافي، هذا التضيق لا يواجه بالهزيمة يواجه بالصمود، هذا التضيق سنواجهه بالثبات هنا، ورحم الله من قال (أنا هنا لن أخرج أنا هنا كصخرة في جبل قاسيون لا يمكن أن أخرج سأبقى هنا ما بقي قاسيون هنا) إنه صاحب ومؤسس هذا المسجد ملا رمضان رحمه الله تعالى، الذي أبى عندما فر الناس من سورية أيام محنى سابقة قالوا له: (ألا تريد أن تفر إلى المدينة ؟ قال أنا هنا لن أخرج ولن أخرج، أنا هنا كصخرة في جبل قاسيون فإن خرج قاسيون خرجت معه )، نحن هنا ثابتون فمن تخلى عن وطنه فقد تخلى عن نفسه عن كرامته، وأنا أعجب لهذا الغباء الذي أراه في أناس ما كنت أتصور أن تنال من عزيمتهم الأمور إلى هذه الدرجة، لو أن الخيار كان أفضل قلنا إنهم معذورون، أما أن يبذل المال لكي يضيع ويضيع عرضه وأولاده ! وكلكم يسمع في كل يوم أن سفينة غرقت أو أغرقت ممن تحمل هؤلاء الأغبياء
أيها المسلمون نحن أمام منعطف، سوريا باقية والشام باقية، فمن هزم نفسه انهزم هو أما البلاد فستنتصر وقد زرَّ قرن لنصر وشعت أشعته ولن يكون إلا فاصل زمني قليل لنرى الأمن والأمان حيث الإيمان حيث الشام
خطبة الجمعة 21/08/2015


تشغيل

صوتي