مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 31/07/2015

خطبة الجمعة د. توفيق البوطي: أهمية الصبر في حياة المسلم


أهمية الصبر في حياة المسلم
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شانه في كتابه الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وقال جلَّ شأنه: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ وقال سبحانه: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ # الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ # أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾
روى الشيخان عن النبي r أنه قال:" ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزَن ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " وروى مسلم أن النبي r قال:" عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء فشكر فكان خيراً له، وإن أصابه ضراء فصبر كان خيراً له ".
أيها المسلمون، هذه الحياة التي نعيشها لا أحد يجهل أنها ليست دائمة، وأن الدنيا ليست إلا معبراً وممراً إلى الدار الآخرة، إنما وجدت هذه الحياة وأنعم الله بها علينا لننفق أيامها ولياليَها في مبرات وأعمال طيبة صالحة تقربنا إلى الله زلفى، لنشتري بذلك سعادة الخلود ودخول الجنة ومرضاة الله سبحانه وتعالى، والله تعالى يقول: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ # الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ أجل فالحياة كلها امتحان، زود الله تعالى فيها الإنسان بأسباب السعادة، وأوجد له أيضا أسباب التعاسة، وأرانا مسالك الخير وحذرنا من مسالك الشر، وبيَّن لنا معالم الحق كما بيَّن لنا معالم الباطل، ثم كلفنا أن نلتزم طريق الحق وإن صعبت مسالكه، وأن ننتهج مناهج الخير وإن كانت تنتقص من بعض مشتهياتنا، وأوضح لنا أن هذه الدنيا ليست مستقراً؛ ولكنها دار امتحان. فلا مرغوباتها مستمرة ولا مصاعبها ومكروهاتها دائمة، وقد رزقنا الله عقلاً نميز به بين الحق والباطل، وإدراكاً وفهماً يحبب إلينا الخير ويرغبنا فيه، ويكره إلينا الشر ويبغضنا فيه، وقد اتضح لنا جميعاً أن الدنيا زائلة وأننا في كل يوم نودع أحباء لنا، ولعله في اليوم التالي نُودَّع نحن أيضاً، فلا ينبغي لعاقل أن يطمئن لنعيم هذه الدنيا، كما لا ينبغي له أن ييأس لشدائدها ومرائرها.
الصبر أيها المسلمون على ابتلاءات هذه الحياة وواجباتنا فيها، وعلى المصائب التي قد نتعرض لها، الصبر على ذلك وعن مشتهياتنا مفتاح سعادتنا الآخرة وسبب لفوزنا، ومن لم يتسلح بالصبر سقط في الامتحان وهوى في طريق التعاسة في الدنيا قبل الآخرة، فالقلق سوف يستبد به في الحياة الدنيا، ثم إن ذلك يقوده أيضاً إلى شقاء خالد في الآخرة .
أيها المسلمون، فعل الطاعات بأن تقوم لصلاة الفجر وأنت مستريح نائم والليل قصير، أو لا زلت بحاجة إلى مزيد من النوم، ويحبب إلى الإنسان ذلك في ساعة الفجر، تسول له النفس والشيطان أنْ عليك ليل طويل فنم، فيتجافى جنبه عن مضجعه وينهض متجهاً إلى مناجاة ربه، يحتاج هذا الأمر إلى صبر، يحتاج الأمر إلى عزيمة، يحتاج الأمر إلى قصد قوي في نفسه إلى أن يتجه إلى ربه بما يرضي الله عزَّ وجل. وقد أكرمه الله بسوابق نعمه وقد وردت إليه فكيف لا يستقبل تلك النعم بالشكر، أجل الصبر على فعل الطاعات، مر بنا شهر رمضان والنهار طويل والفصل صيف وحار ولكن قوله تعالى ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾، وقول ربنا تبارك وتعالى في الحديث القدسي:"الصوم لي وأنا أجزي به" جعله ينسى مصاعب الصوم، ويصبر على الظمأ ويصبر على طول النهار وشدة الجوع مقابل أن ينال ذلك الأجر الذي لا حدود له ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أجل مصاعب هذه الحياة تبلغ بصاحبها أسباب الفوز والسعادة، وبذلك لا تبقى مصاعب إنما تصبح أقساطاً يشتري بها السعادة، وشهواته التي تودي به إلى هلاكه وسخط الله عليه ليست بمقبولة، أرأيت إلى طالب يطمح إلى النجاح فاقتضى الأمر منه أن يدع شيئاً من نومه وراحته ورغباته ويتجه إلى دراسته؛ أتكون دراسته مصدر شقاء أم سبب نجاح، هل يا ترى يدع الدراسة إيثاراً للراحة والدعة وتحقيقاً لرغبات آنية يطمح إليها، أم إنه يعرض عن ذلك كله ويجد ويجتهد ويطيل السهر في دراسته من أجل أن يتجاوز مرحلة دراسية؟ نحن هنا في مرحلة دراسية امتحانها في كل يوم، والأجل ينتظرنا، هو ساعة انتهاء فترة الامتحان لتبدأ فترة النتائج التي نتطلع إليها.
أيها المسلمون، المصائب نوعان، مصائب أتت نتيجة سوءٍ صدر منا، وهذه تقابل بعودة راشدة إلى الله، وندم والتجاء إليه، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ وما الذي يحيط بنا اليوم من شدائد وضنك وصعوبات وعسر وخوف وقتل وغير ذلك إلا نتيجة لواقع نحن قد وقعنا فيه وذنوب قد ارتكبناها، فلنعد إلى أنفسنا ولنسأل ما الذي فعلنا؟ لو أن كلا منا عاد إلى بيته فنظر إلى مدى تحمله مسؤوليات تربية أبنائه وبناته، وحماية أهله وأسرته تطبيقاً لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ لو أن كلاً منا عاد إلى نفسه وتساءل ووضع نفسه في موقف الامتحان والسؤال، سنجد أن النتيجة واضحة، وإذ تساءلنا عن واقعنا الاجتماعي بالصفة العامة التي تلهث فيها جموع مجتمعنا وراء معاصٍ حرمها ربنا تبارك وتعالى، ونجد أن نفوسنا تهبط إلى المغريات التي قد زُجّت أمام أعيننا ووضعت في طريقنا وفي حياتنا لكي تصدنا عن سبيل الله، نحن بحاجة اليوم إلى صبر عن تلك المغريات، صبر عن تلك الموبقات لكي نتخلص من عواقبها ومن نتائجها، ولو أنا عدنا إلى ربنا تبارك وتعالى لأكرمنا بفرج عظيم إن شاء الله تعالى، فهل من عودة ؟
أما المصائب الأخرى فلعل الإنسان أحياناً يصاب بالمرض ولعل لإنسان يفقد عزيزاً، الصبر هنا يكون على المصيبة بالرضى بقضاء الله عزَّ وجل والتسليم له والاستسلام لقضائه وقدره، ثم يحتسب المصيبة التي أصيب بها بين يدي الله عزَّ وجل، هو عبد هو راضٍ بالذي قدر الله عزَّ وجل له أو عليه، ربنا تبارك وتعالى قال في هذا الصدد: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ - ثم ماذا قال ؟ قال - وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ # الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ﴾ نحن في قبضة الله نحن مستسلمون ومآلنا إليه، وكل ما نتعرض له مقدمات لكي نعد العدة للمثول بين يده، فإما أن نجزع فنسقط، وإما أن نصبر و نتجلد ونرضى بقضاء الله وقدره وعندئذ ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ # الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ # أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
أيها المسلمون عصرنا هذا القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، أجر القابض فيه على دينه في هذا العصر كما وصف النبي rكأجر خمسين شهيداً من أصحاب رسول الله، فيا شباب الأمة ويا أيها المسلمون أبشروا بأن ينزلكم الله تعالى بصبركم وثباتكم وقوة إرادتكم والتجائكم إلى الله واعتصامكم بهديه وتمسككم بأوامره واجتنابكم لنواهيه وسط أعاصير المغريات والتهديدات وغيرها، أبشروا بمنزلة رفيعة هي تنافس منازل أصحاب رسول الله r، طبعاً عندما أعلم ما سوف يترتب على صبري وأكون على يقين منه يهون في سبيل ذلك ما قد أتعرض له أو ما قد أمسك عنه من مغريات تتطلع إليه النفس ولكن يأبى علي ديني وخشية الله عزَّ وجل أن أقع فيها.
أسأل الله أن يرزقنا الرضى، وأن يربط على قلوبنا بصبر يمكننا من مواجهة ما قد نتعرض له، ويعيننا على الثبات على النهج حتى نلقى الله وهو عنا راض.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 31-07-2015


تشغيل

صوتي