مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 29/05/2015

خطبة د. توفيق البوطي: وأعدوا لهم ما استطعتم


وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ( فسر النبي r )وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ( فيما رواه مسلم قال: "ألا إن القوة الرمي" وفسر آخرون بمعنى أعم أخذاً من كلام النبي r وتعميماً لدلالته قالوا: (القوة السلاح ) وأما )وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ( فهم أولئك المندسون في صفوف الشعب والأمة وهم المنافقون الذين لا نعلمهم لأنهم بيننا، يقولون لا إله إلا الله، ولكن حقيقتهم أنهم مع العدو.
وقال سبحانه: )إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ( فسر مالك والشافعي وأصحاب الرأي – الإمام أبو حنيفة ومن معه - أن هذه الآية نزلت فيمن خرج يقطع السبيل، وهم قطاع الطريق الإرهابيون، الذين ينشرون الذعر ويخربون الوطن ويقتلون المواطنين، يسرقون وينهبون وينشرون الذعر في أنحاء الوطن وبين المسلمين، وفسر بعضهم النفي بالسجن كما فسره عمر t وفعله.
أيها المسلمون تعاني أمتنا وبلادنا من فتنة قذرة أوقد نارها مرتهَنون لبرامج خارجية معادية، لتكون مطية لعدوان واسع استخدمت فيه نفايات الشعوب، تلك التي تلبس رداء الإسلام لتحارب الإسلام باسم الإسلام، ولتشوه صورة الإسلام في العالم. ومن المعلوم أن دول الطغيان العالمي تسمي كفاح الشعوب لنيل حقوقها - كالشعب الفلسطيني – تسمي ذلك إرهاباً، وتسمي عدوان دولة على شعب ووطن يرزح تحت سلطانها وتسلطها، تسمي عدوان تلك الدولة شأناً داخلياً، فإذا ما ثار الشعب ضد هذا العدوان والتسلط صار إرهابياً، تماماً كما يجري أيضاً في فلسطين عندما يسمى كفاح شعبها إرهاباً، ويسمى تصرف دولة المسخ التي تمارس أبشع أنواع العدوان على شعب تلك الأرض وعلى أرضه تسمي ذلك شأناً داخلياً، إذا ما ثارت أمتنا ضد قوى البغي والعدوان في العالم عندما تعتدي على أمتنا وعلى شعبنا وعلى وطننا تسمي أعمالنا وتسمي دفاعنا عن أنفسنا إرهاباً.
الإرهاب صنعة أتقنتها دول الطغيان العالمي التي تعمل تحت راية أميركا، ولقد بلغت ذروة إرهابها في عدوانها على وطننا، هذا الوطن له سيادته وهو يسعى لبناء نفسه وتطوير ذاته وحماية حقوقه، وكان مضرب المثل في أمان أبنائه وعيشهم بسلام على تعدد أطيافهم، حتى ثار مرتهَنون لبرامج معادية خارجية حاقدة تريد أن تمزق وحدة وطننا وتعايش أبنائه وسعيه للتقدم والازدهار. وباسم الحرية مزقوا الحرية، وباسم الإصلاح عاثوا في الأرض فساداً، واستعانوا بالعدو على الوطن وأبنائه، وصاروا أداة قذرة لتمزيق وطن وتشتيت شعب طالما كان ملاذ الشعوب المستضعفة والمعتدى عليها. وهل أقذر من أن يستعينوا بإسرائيل وأميركا وفرنسا وغيرها على وطنهم علناً دون تحرج ودون حياء، وهل أسوأ من أن يستخدموا أسلحتهم ضد جيشنا وضد شعبنا بتدمير الجسور والمصانع والمساجد ومحطات توليد الكهرباء والمشافي، بل بقصف المدارس وقتل الأطفال والأبرياء في شوارعنا وما حادث مدرسة الثقفي منا ببعيد، وما قصف دمشق قبل مدة قريبة بمئات الصواريخ والقذائف بمجهول، وما تدمير المسجد الأموي وما حوله في حلب واستهداف المسجد الأموي بدمشق بسر خاف على أحد، وما استهداف العلماء في مساجدهم بمجهول، وكان هؤلاء الذين يدَّعون الحرية والإصلاح الجسرَ الذي دخلت منه عصابات الإرهاب المختلفة عبر الحدود التي فتحت لهم على طول امتداد أطراف وطننا لتعيث في الأرض فساداً، فتقتل وتدمر وتنشر الرعب وتنتهك الأعراض والحرمات لا تستثني طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً، في مخطط كان كبير شيوخ الفتنة قد أفتى لهم بارتكاب جرائمها يوم أفتى بقتل الشعب السوري مستجدياً بذلك أميركا وغيرها، لقد أرادوا أن يضربوا أبناء هذا الوطن ببعضهم ليقتل الأخ أخاه والجار جاره، وكاد الأمر يتم لهم كما أرادوا، ولكن الأمر قد تكشفت أبعاده واتضحت أهدافه ولذلك حشدوا لنا في حرب كونية شرسة حشداً لم يسبق في التاريخ حصوله.
أيها المسلمون، لقد طفَّ الصاع وبلغ السيل الزبى، ولم يعد لمعتذر بجهل أو ضعف عذر أبداً، فأنتم أيها المسلمون وأعراضكم ونساؤكم وأطفالكم وأموالكم ومساجدكم ومصانعكم وكل شيء من مقدرات وطنكم، كل ذلك صار مهدداً من قبل شذاذ الآفاق ونفايات الأرض، وما مجازر تدمر وما حولها وغيرها منكم ببعيد.
إن الذين خرجوا من وطنهم غدوا بلا وطن، ومن لا وطن له لا كرامة له ولا قيمة له ولا عرض له، أما من خان وطنه فإن أول من سيدوسهم من استعملهم، لقد غدا أمر الدفاع عن الحرمات واجباً منوطاً بكل فرد منا ليقف في وجه تلك الوحوش البشرية التي لن يوقفها ويحول دون تمادي عدوانها وتهديدها لحرماتكم ولأعراضكم ولمقدساتكم إلا وقوفنا جميعاً في وجههم وقفة واحدة جيشاً وشعباً وبكل فئاتنا لاستعادة أمن الوطن وكرامته وسلامة الشعب ومقدراته، لقد ذكر لنا ربنا تبارك وتعالى في سورة الأحزاب دور المنافقين الذين يشككون ويثبطون الهمة ويحاولون أن يفتّوا في عضد الأمة لصالح أعدائها عندما قال: )وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا # وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا # وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا # وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا # قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا( لم يعد ثمة عذر لمعتذر، أصبحنا جميعاً مسؤولين عن حماية أنفسنا، عن حماية أبنائنا، عن حماية أعراضنا، عن حماية وطننا، عن حماية مقدساتنا في وجه هجمة شرسة تغطيها أميركا وتمدها، وتغطيها إسرائيل وتمدها، وتساعدها في سبيل القضاء على هذا الوطن في سبيل القضاء على هذا الشعب، في سبيل انتهاك حرماته وتمزيق حضارته وتدمير وجوده، أصبحنا جميعاً مسؤولين عن النهوض بأمر الدفاع عن حقوقنا عن كرامتنا عن وجودنا عن وطننا وعن مقدساتنا.
وبعدُ أيها المسلمون
إن هذا الواقع الخطير ليتطلب منا أمرين لابد منهما، الأول منهما أن نكون جميعاً مستعدين لبذل كل ما في وسعنا للدفاع عن النفس والمال والعرض والحرمات ضد عدوان خطير يمتد على امتداد رقعة وطننا كما ترون وتسمعون. على أننا نقول إن هذا الوطن منتصر، ولن تستطيع قوى الأرض وإن تألبت عليه أن تهزمه، فسنوات أربع مضت وهو صامد في وجه حرب كونية. لن تستطيع قوى الأرض مهما بلغ عدوانها أن تفت من عضدنا أو أن تهزم شعبنا أو أن تنال من وطننا، سيبقى وطننا بعون الله تعالى مرفوع الهامة منتصراً على قوى البغي والعدوان بعون الله تعالى ومدده، والأمر الآخر الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا سبيلاً لوصولنا واقتطافنا ثمرة النصر هي أن نلتجئ إلى الله، هي أن نعود شعباً وجيشاً وقيادة ورعية إلى ربنا تبارك وتعالى، فنصلح ما بيننا وبين ربنا، لأن ربنا سبحانه وتعالى يقول : )وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ( ولذلك فإن سبيل الفرج والنصر واستعادة زمام القوة والحرية والسيادة لوطننا وأمتنا أن نعود إلى الله ونبسط أكف الرجاء والتضرع لله عزَّوجل سائلين إياه أن ينصرنا ويفرج عنا، ألم يقل ربنا تبارك و تعالى: )إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ( ألم يقل ربنا تبارك وتعالى: ) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ( ما ينبغي أن تقسو قلوبنا وقد رأينا النار قد اقتربت من بيوتنا ومن أعراضنا، ويقول ربنا تبارك وتعالى:)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ (
أقول هذا سلاحنا، وسلاحنا هذا هو الأمضى ) وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ( لابد أن ننتصر بإذن الله ستنتصر أمتنا بنا أو بغيرنا والذل والعار لمن خذل، والعزة والكرامة والأجر والمثوبة لمن صمد في وجه هذا العدوان وثبت في مواجهته.
خطبة الجمعة 29-05-2015
لمشاهدة الخطبة على اليوتيوب


تشغيل

صوتي