مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 10/04/2015

خطبة د. توفيق البوطي: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم


وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله تعالى في وصف المنافقين:
)لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ # لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ(
وقال سبحانه:
)وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا(
وقال سبحانه:
)وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ( وقال سبحانه: ) وَالصُّلْحُ خَيْرٌ( روى البخاري عن حذيفة بن اليمان أنه قال: كان الناس يسألون رسول الله e عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: " نعم" قلت: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: " نعم، وفيه دخن " قلت: وما دخنه؟ قال: " قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر " ن قلت فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: " نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها "، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال :" هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا "، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال :" تلزم جماعة المسلمين وإمامهم "، قلت :فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: " فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " .
أيها المسلمون: سنوات الأخيرة من حياة أمتنا شهدت أحداث خطيرة متسارعة، وحملت اسماً يضع المرء تحته إشارات استفهام كثيرة، وتقلبات الأحداث تشير أن الأحداث نحن منفعلون بها ولسنا فاعلين، ومنفذين ولسنا مخططين، وأدوات ولسنا أدمغة تفكر ولا جهة تدبر، ولكن المشكلة أننا نستنطق فننطق، ونؤمر فننفذ ونكلف ونطبق، المشكلة نحن في دوامة ما يسمى بالربيع، وهو أشبه بإعصار وليس بربيع على ما كنا عليه من أمور قد لا نقرها إلا أني أذكر جيداً أن هذا المنبر قلت عليه يوماً يوما إنه لا ينبغي أن نغسل الدم بالبول، وأن الحمى لا تعالج بالطاعون، فطالت الألسنة على هذا الكلام واشتد النقد وها نحن نحصد الشوك من ذلك الربيع،
أيها المسلمون المبدأ العام الذي ينبغي على الأمة أن تحرص عليه في كل عصورها وفي كل أوضاعها هو أن تكون هذه الأمة متماسكة، وأن نوطد فيما بيننا مشاعر الأخوة ونؤدي بالتزاماتها، أن نزيد من التعاون، )الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(، )وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ(، المفترض فينا أن نتجنب كل ما من شأنه إفساد ذات البين، ونحن منهيون عن النزاع والشقاق، ومحرم علينا أن يظلم بعضنا بعضاً ن وأن يقتل بعضنا بعضاً ن بل محرم علينا قبل ذلك كله أن نتنازع فيما بيننا، بل المفترض فينا أن نبحث عن أسباب المودة والوئام، )وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ(.
أيها المسلمون، في هذه الفترة العصيبة الخطيرة من تاريخ أمتنا من المستفيد من النزاع فيما بيننا، أذكر أني أشرت في الخطبة الماضية عندما قام الخلاف بين سيدنا علي وسيدنا معاوية وتصحيحاً للخبر أنقله كما وثقته، أرسل هرقل قيصر الروم إلى معاوية: علمنا بما وقع بينكم وبين علي بن أربي طالب، وإنَّا لنرى أنكم أحق منه بالخلافة، فلو أمرتني أرسلت لك جيشاً يأتون إليك برأس علي - فماذا كتب له معاوية؟ قال له أرسل إلي طائراتك، أرسل إلي بإمداداتك، قال له تعال فشاركني في قتل أخي !! - كتب له: من معاوية لهرقل: أخّان وتشاجرا فما بالك تدخل فيما بينهما، إن لم تخرس أرسلت إليك بجيش أوله عندك وآخره عندي يأتونني برأسك أقدمه لعلي !!
أذكر في هذا المقام أن خلافاً جرى بين مصر والسودان، رئيس أحد البلدين قال لخصمه، يا أخي خذ .. وعشرة مثلها ودعنا من الخلاف والقتال، قال أميركة لا توافق، أجل هذا جرى وهذا الكلام موثق ن لأن أميركة أن اقتل أخاك فننفذ ن واصطرع مع ابن عمك فنقول له أبشر، أيها المسلمون ن ربنا تبارك وتعالى يقول: )وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ( أما من يقتل شعباً بكامله فما جزاؤه؟ عندما تثور الفتنة وتنتشر الدماء والأشلاء هنا وهناك من المستفيد ؟؟ وما هو جوابنا إذا وقفنا بين يدي الله عزَّ وجل؟ أقول شيوخ الفتنة ما موقفهم بين يدي الله سبحانه وتعالى إذا مثلوا بين يدي الله وقال لهم: ما بالكم تحرضون على سفك الدماء؟ ما بالكم تدعون الأمة إلى قتل بعضها بعضاً بدلاً من أن تقفوا سداً فيما بين أطراف النزاع، تدعونهم إلى الحوار تدعونهم إلى الصلح، ألم يقل الله سبحانه وتعالى )وَالصُّلْحُ خَيْرٌ(، ألم يقل الله سبحانه وتعالى )وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ(.
عملاء الكفرة وأجراؤهم وأحذيتهم يقولون لن نحاور، أرفض الحوار لأن الذي يرفض الحوار هو الذي ستكشف عورته ويعرف خطؤه وتعرف عمالته، أما الذي يكون صريحاً في المواقف والذي يقول تعالوا لنصطلح، وتعالوا لنضع خطة نحقن فيها الدماء ونحفظ الأوطان فهو الذي حتى وإن كان مخطئاً فقد وضع نفسه تحت أحكام الصلح، هل يتق المسلمون اليوم الله في دماء المسلمين؟ أم إنهم يسوغون ويحرضون وينفثون في نار الفتنة وباسم الإسلام يدمر الإسلام ،ذهبت وزرت بلاداً كثيرة ورأيت مذاهب شتى، صليت في مساجد هؤلاء وفي مساجد هؤلاء، ورأيت هؤلاء يصلون في مساجد الآخرين، والآخرين يصلون في مساجد هؤلاء، بل إن هناك من صلى بالكنيسة، حضرته الصلاة فذهب إلى كهان الكنيسة، الشيخ إبراهيم الغلايني في يوم شاتٍ شديد البر كان مع مريديه حضر وقت الصلاة، فاستأذن القساوسة للصلاة في كنيسة قطنا، فرحب بهم هذا القس وقال لهم تفضلوا، وصلوا في الكنيسة، وصلى نصارى نجران في مسجد رسول الله صلى، أضاقت بنا صدورنا عن أن يصلي المسلم من مذهب ما في مسجد مسلم من مذهب آخر، والله تعالى يقول:
)وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ(، بل لا، نرفض الصلاة في مساجدهم بل نشن حرباً ضروساً فيما بيننا في خلافات مفتعلة لأننا يجب أن نقول افترقوا وتنازعوا، ترى إذا عجزنا عن الإصلاح فماذا نفعل؟ إذا اختلطت علينا الأمور؟ إن وصية رسول الله e أن لا ننفخ بنار الفتنة بين الناس بل أن نعتزل ولا نكون طرفاً، إذا استطعت أن تقف بين الصفين فتصلح فيما بينهما فذاك لك، أما أن تكون طرفاً تحرض على الفتنة وتوقد نارها وتشجع هذا على ذاك، فأنت مجرم قبلهم، أنت شيطان الفتنة، نحن مؤتمنون على هذا الدين ن مؤتمنون على أبناء هذه الأمة مؤتمنون على هذه الأوطان وسنقف بين يدي الله عزَّ وجل وسيسألنا، وأول ما نسأل المرء يوم القيامة عن سفك الدماء، بأي وجه استبحتم سفك الدماء على مر السنوات التي مضت وكلما جاء يوم تفاقم أمرها واتسع نطاقها!! أقول أيها المسلمون، فلنعتزل تلك الفرق كلها، ولنقل كلمة الحق التي تجمع ولا تفرق وتؤلف ولا تفرق، وأقول للأحداث التي تجري اليوم ما بعدها هي بداية الفرج الذي سينبثق ونهاية الفتنة ونهاية أهلها بإذن الله تعالى
)وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ(، ستدور الدائرة على أهل الفتنة وسيكون من أوقدها وقودها وكل من أشعل نار الفتنة ستحترق يداه بها، وهذه الأمة لا تزال طائفة منها قائمة على الحق لا يضرها من خالفها حتى يأتي أمر الله وهي على ذلك، والشام مهبط أولئك الثابتين على القائمين على الحق الحراس للعقيدة الحراس للمبادئ الأمناء على وحدة هذه الأمة وسلامة هذا الدين، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن لا نكون خدماً لأولئك العلوج أعداء الله وأعداء الأمة الذين يستعملوننا وأصبحت دماءنا فداء لدمائهم، وبديلاً عن أن يقتلوا أبناءهم صرنا نحن نقتل بعضنا بيد بعضنا، لا لن يطول الفجر وسيأتي وعندئذٍ يفرح المسلمون بنصر الله .
خطبة الجمعة 10-04-2015


تشغيل

صوتي