مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 20/03/2015

خطبة د. توفيق البوطي: وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ


وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول ربنا تبارك وتعالى في شأن مؤمن آل فرعون )وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ # يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ # مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ # وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ # تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ # لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ # فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ(، مؤمن آل فرعون نصح قومه ودعاهم دعوة الخير بكلماته الرقيقة اللطيفة، ثم تساءل )وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ(، )لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ # فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ(، ما الذي جرى )وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ # النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ( لقد قص علينا ربنا تبارك وتعالى قصة المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، )وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ # اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ # وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ # أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ # إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ # إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ(، فماذا كان رد فعل قومه؟ نكلوا به وقتلوه بوحشية سطرها التاريخ عند علماء التفسير، قتلوه، فماذا قال؟ قال: )إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ - فلما قتلوه- قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ # بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ عطف على قومه حتى بعد أن قتلوه، ويتمنى لو أنه استطاع أن يريهم مصيره لكي يرتدعوا ويعودوا إلى رشدهم، لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ # بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ(، قال المفسرون: هذا الرجل اسمه حبيب النجار، وأنه عندما نصحهم باتباع الحق قتلوه بصورة وحشية فبشره الله بالجنة فأشفق على قومه، وعندما نصح صالح قومه وحذرهم فأبوا إلا أن يركبوا رؤوسهم ويصروا على جريمتهم )فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ(، نعم إنها قصة تتكرر يقف دعاة الخير وملئ قلبهم الشفقة والرحمة والحرص على الأمة يحذرونهم ينصحونهم يوضحون لهم، لأن رؤية العالم المخلص الشفوق أبعد من رؤيتنا، وقلبه أشفق علينا من شفقتنا نحن على أنفسنا ؛ لأنه يدرك ما لا ندرك، ولأن علمه أطلعه على كثير مما لم نطلع عليه؛ يومها لو عندا للذاكرة قال إنها مؤامرة فسخروا منه، واتهموه بأنه رجل سلطة وبأنه رجل نظام، ونالوا منه ما نالوا، ولطالما بكى شفقة على الأمة، ولطالما بكى وأبكى بقلب متحرق على مصير وطن وأمة، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أنه صار مع أولئك الذين قال الله تعالى فيهم: )وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ (، )وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ( قبل أسبوع من استشهاده قال على منبره، يرزقون أحياء حياة حقيقية بشر بما سيكون، فماذا كانت النتيجة، لقد ذكر لنا أموراً ينبغي أن نستذكرها مرة ثانية، أما الأمر الأول: هذه هي الشام التي تكفل الله عزَّ وجل بها وبأمرها، وبين أن الدخول إليها برحمة الله، فقد روى الحاكم في مستدركه عن النبي e أنه قال فيما رواه أبو أمامة الباهلي:"الشام صفوة الله من بلاده يسوق إليها صفوة عباده، من خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه، ومن دخل من غيرها فبرحمته" قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وقد قال النبي e في حديث بلغ درجة التواتر بروايات كثيرة:"إن الله تكفل لي بالشام وأهله"، أما الشام فقد تكفل الله عزَّ وجل بها، أما الشهداء الذين قضوا حرصاً على الشام وعلى أهل الشام، وعلى سلامة أهلها، وأشفقوا على أولئك الذين شردتهم الفتنة أو يتمتهم، أو أولئك النسوة اللواتي ترملن بنار هذه الفتنة، لطالما أشفق عليهم، ولطالما رفع يديه إلى الله عزَّ وجل ضارعاً أن ينقذ هذه البلاد، قال لهم: الأمر أشد من أن يكون مولاة لجهة أو معارضة لجهة، المسالة أن الله حذرنا من الفتن وأمرنا باجتنابها، وما نحن مقبلون عليه نفق مظلم، وهاوية من سقط فيها لم يخرج منها، هذا ما كان يقوله، نعم، أما من أجرم بحق هذه الأمة، فلن يفلت من قبضة الله عزَّ وجل، أما من ضل الطريق وأخطأ، واجتهد وأخطأ فنرجو الله عزَّ وجل أن يغفر له ويرحمه، أما من تآمر وخان وهو يعلم أنه قد خان ورهن نفسه للبرنامج الأجنبي فإنه سينال - إن لم ينل اليوم- سينال قريباً ذلاً في الدنيا وهلاكاً في الآخرة، نقول: ما حذر كتاب الله من أمر كما حذر من القتل )وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا(، هذا ما توعد الله به من قتل مؤمناً متعمداً، وبشر المؤمن الذي صبر وصابر إما أن ينتصر وإما أن يفوز بالشهادة، وأمة تكفل الله تعالى بها لابد أن ترى كفالة الله عزَّ وجل لهذه الأمة، وسنرى ما يحيق بأصحاب المكر السيئ )وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ(
أيها المسلمون، قد مضت أربع سنوات على فتنة أحرقت الأخضر واليابس، ومزقت المجتمع أيما تمزيق، أعتقد أنه قد آن الأوان لمن لم يستيقظ ولم يدرك أن ما جرى إنما كان بتخطيط خارجي أن يدرك ذلك، أما الأدوات الرخيصة التي رهنت نفسها لذلك البرنامج فإنهم سوف يلقون جزاءهم لاشك في ذلك ولا ريب، فلن يفلت من قبضة الله سبحانه وتعالى ظالم ولا طاغية، ولا مفسد في الأرض، طال الزمن أم قصر، وهناك دنيا وهناك آخرة، وذل في الدنيا وهلاك في الآخرة، أما الذين صبروا واحتسبوا واكتووا بنار هذا الذي نراه ؛ فإننا نحتسب ذلك كله أجراً عند الله عزَّ وجل ونأمل أن يعقب صبرنا نصراً وفرجاً قريباً.
أيها المسلمون، إذا ما أصاب الأمة أمر وادلهم بهم خطب فإن المرجع ليس إلى أميركا ولا إلى إسرائيل ولا إلى فرنسا ولا إلى غيرهم، المرجع كتاب الله، المرجع سنة رسوله، المرجع نهج الحق الذي أمرنا أن لا نتولى الذين كفروا، وأن لا نبسط إليهم يد المودة والرحمة، وأن لا نرهن أنفسنا لبرامجهم، فنحن مؤتمنون على كرامتنا وعلى ديننا وعلى أوطاننا وعلى أمتنا، فهم رهن نفسه لأولئك فقد خان الأمانة التي أؤتمن عليها) وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ(
خطبة الجمعة 2015-03-20


تشغيل

صوتي