مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 27/02/2015

خطبة د. توفيق البوطي: شروط النصر


شروط النصر
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم:)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ( ويقول جلَّ شأنه:)وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ( وقال في شأن غزوة بدر: )وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( روى البخاري عن البراء بن عازب t يحدث قال: "جعل النبي e على الرجالة يوم أحد وكانوا خمسين رجلاً –أي الرماة– عبدالله بن جبير .." الحديث سأذكره في سياق الكلام إن شاء الله تعالى
أيها المسلمون مشهدان من مشاهد السيرة النبوية أريد أن نتأملهما، المشهد الأول غزوة بدر، والمشهد الثاني غزوة أحد، في غزوة بدر خرج ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً لملاقاة قافلة فيها أموال للمسلمين اغتصبها المشركون يوم اضطروا إلى الهجرة إلى المدينة المنورة تحت ضغط القهر والاضطهاد الذي لاقوه، إذاً هم خرجوا لملاقاة قافلة، ونجت القافلة وخرج أبو جهل مستكبراً طاغياً متحدياً يريد أن يلقن المسلمين درساً مريراً، وتذكره العرب في أفاق جزيرة العرب، فلا تزال تهابه وتخشى بأسه وبأس جيشه، نجت القافلة والمسلمون إنما كانوا مستعدين لملاقاة قافلة، لا لملاقاة جيش يبلغ ألف رجل مسلح تسليحاً عسكرياً قوياً، واجتمع الطرفان عند ماء بدر والتحم الجيشان فانكشف المشركون مخلفين وراءهم سبعين جيفة وسبعين أسيراً، قلة قليلة من المسلمين ضعيفة العدد وضعيفة العدة لاقت جيشاً يبلغ ثلاثة أضعافها أو يزيد، ولكن كان تأييد الله تعالى مع القلة القليلة فانتصروا، بعد فترة وجيزة جهز المشركون للانتقام جيشاً قوامه ثلاثة آلاف من المقاتلين جهزوه أقوى تجهيز، وسمع المسلمون بذلك وبعد نقاش خرج النبي e لملاقاة جيش المشركين عند أحد، فكلف خمسين من الرماة بأن يلزموا جبلاً سمي فيما بعد جبل الرماة هو تل صغير في مقابل جبل أحد، وأمرهم أن يلزموا أماكنهم فلا يغادروها سواء انتصر المسلمون أو هزموا؛ لأن موقعهم يحمي ظهور المسلمين، والتحم الجيشان واستشهد مصعب بن عُمير وحمل الراية علي بن أبي طالب t، وما هي إلا جولة بسيطة حتى انكشف جيش المشركين مخلفين وراءهم الكثير من الغنائم التي رآها الرماة، فلما رأوا انكشاف المشركين وانهزامهم سال لعاب بعض هؤلاء الرماة على الغنائم، وأرادوا النزول فنهاهم قائدهم، ولم يبق مع القائد عبد الله بن جبير سوى عشرة رجال، رأى بعض قادة المشركين انكشاف ظهور المسلمين فقاموا بعملية التفاف وانكفؤوا على المسلمين بهجوم مباغت لقي فيه المسلمون أموراً جسيمة ومصيبة كبيرة، إذ سقط فيها سبعون شهيداً من المسلمين وشج رأس النبي e ووجهه وكسرت رباعيته حتى إنه قال وهو يمسح الدم وابنته فاطمة تعالج نزف دمه:" كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم " إنهما مشهدان مشهد انتصر فيه المسلمون مع قلة العدد والعدة، ومشهد آخر بدأ بنصر ولكنه بعد ذلك أودى بهم إلى ما أودى نتيجة ما كان قد حصل، ولقد صور سبحانه وتعالى هذا المشهد بقوله: )وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ( إذاً ما أصاب المسلمين في تلك المرحلة كان نتيجة عوامل عدة، من أخطرها )مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ( الجهاد في سبيل الله هو جهاد في سبيل الله، لا ينبغي أن يكون هناك خلط في النية، ولا يجوز أن تكون هناك مقاصد أخرى، فهو جهادٌ تخلص فيه النية لله عزَّ وجلّ دفاعاً عما أمر الله عزَّ وجلّ بالدفاع عنه، وحماية للحرمات التي أمر الله بحمايتها، وليس من أجل من أجل لعاعة من المال ولا من أجل مكاسب؛ بل إرضاء لله تبارك وتعالى، وحرصاً على سلامة ما أمرنا الله سبحانه وتعالى بالمحافظة عليه، من دين وأرض وعرض ومال وحرمات لأمتنا ولمجتمعنا، أربعون من بين سبعمائة مقاتلٍ مسلم هم الذين عصوا، ولقد كانت هناك مواقف مشرفة لكثير من الصحابة عندما انكفأ المشركون على المسلمين وباغتوهم واستهدفوا النبي e وشاع في المسلمين أن النبي e قد قتل فانهارت عزائم كثير من الصحابة، وكانت الحالة صعبة ومريرة جدا على المسلمين يومئذ، أجل من أجل خطيئة ارتكبها أربعون فقط، ذاق عواقبها ونتائجها جيش برمته، وفي مقدمتهم النبي المصطفى e حبيب الله عزَّ وجلّ، هذان المشهدان يقتضيان منا أن نبحث عن شروط النصر على عدونا الذي قد أحدق بنا وتعددت الجبهات وتحالف الأعداء وتألبوا علينا يريدون أن ينالوا من وطننا، ومن ديننا، ومن حرماتنا ما أنتم ترون فظائعهم وأفعالهم، أجل تحالفت قوى الشر ضد أمتنا وضد وطننا، ونحن نرى المصاعب التي تعترض امتنا في مواجهة ما نراه من أهوال وأخطار، أجل لابد أن نقول: إن صمود وبقاء وطننا في مواجهة العدو أربع سنوات على النحو الذي نرى وقد تحالفت قوى الشر وزجت بكل إمكاناتها ضد هذه القطعة الصغيرة من المساحة الجغرافية، وضد هذا الشعب القليل في عدده القليل في عدته، ومع ذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى قد حفظ بلادنا من أن تصبح لقمة سائغة بيد العدو مع ما في ذلك من خسائر لا يستهان بها، أقول: إلا أننا حتى الآن لم نستطع أن نحقق الأمل الذي نصبو إليه، فلا تزال الجراح تنزف، ولا تزال الآلام تمض هذه الأمة وتؤلمها، إذاً فلنبحث عن شروط النصر.
أولاً: أن يكون الجهاد لوجه الله وابتغاء مرضاته، ندافع عن الأرض، وندافع عن الحرمات، وندافع عن العرض وندافع عما أمرنا الله تعالى بالدفاع عنه، ولكن لا ابتغاء سمعة ولا بقصد تحقيق مكاسب دنيوية، ولكن بقصد نيل رضا الله عزَّ وجلّ والمثوبة منه، الأمر الثاني: الالتزام بالأخلاق الجهادية وبآداب القتال التي شرعها لنا ديننا من طاعة القائد في أوامره، قال تعالى: )حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ( وطاعة الله فيما أوجب علينا، الأمر الثالث: أن لا نسمح للخلاف والنزاع أن يجري بيننا لأي سبب، يقول الله تعالى: )وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ


تشغيل

صوتي