مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 30/01/2015

خطبة د. توفيق البوطي: ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً


ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا # وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ( وقال سبحانه: )وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا( ويقول جلَّ شأنه: )ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا( ويقول: )وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ( ويقول جلَّ شأنه: )إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ( ويقول سبحانه: )إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ( ويقول:)وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ( روى الترمذي عن أبي ذر ومعاذ بن جبل y أن النبي r قال: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن".
ثلاثة أمور أريد أن نتبينها في هذه الجمعة إن شاء الله تعالى، أما الأمر الأول فهو التقوى، إذا كنا اليوم نعاني من شدة ومن ضيق ومن كرب ومن عسر في المعيشة فما أصابنا من مصيبة إنما هو بما كسبت أيدينا ويعفو ربنا عن كثير، ولقد أوضح لنا ربنا سبحانه في الآيات التي سبق أن تلوتها عليكم أن المخرج من ذلك كله إنما هي التقوى، فما هي التقوى؟ التقوى أن ألتزم طاعة الله وأجتنب معصيته، أن ألتزم طاعة الله فيما أمرني به؛ فيما يتعلق بصلتي به سبحانه وتعالى فأؤدي العبادات على الوجه الذي أمرني به، وفي صلتي مع نفسي؛ فأكون أميناً على نفسي من أُعرِضَها لأذى أو شر أو سوء أو فساد ، فنفسي أمانة ائتمنت عليها، أنا هذا الجسم وهذا العقل، وهذا الوعي، وهذه العواطف ينبغي أن أرعاها خير رعاية وأنا مؤتمن عليها، وأن ألتزم طاعة الله عزَّ وجل في علاقتي مع الآخرين، في علاقتي مع أسرتي فأؤدي الذي علي، وأحسن معاملتها على النحو الذي أمر الله عزَّ وجل به؛ ليتحقق بذلك معنى الرحمة والإحسان والإصلاح واللطف، وأن أؤدي لكل ذي حق حقه في هذه الأسرة، فحق الأولاد أن أربيهم التربية الصالحة وأن أنفق عليهم من حل المال. وحق الزوجة أن أعاشرها بمعروف وأعطيها حسن الخلق وحسن المعاشرة كما أمر الله عزَّ وجل، وحق الرحم أن أصلهم وأتفقد حالهم، التقوى أن أقف عند الحدود التي أمرني الله عزَّ وجل بها وأن أمارس الواجبات التي أمرني الله عزَّ وجل بالتزامها، التقوى إزاء المجتمع، والمجتمع هنا هو الكل، كل المرافق العامة، الشارع والحديقة والمسجد والجار، فلا أعتدي على حقوق الآخرين، التعدي على حقوق الآخرين اليوم أصبح مرعى خصباً لكل مشتهٍ؛ فالتعدي على خطوط الماء والتعدي على خطوط الكهرباء والتعدي على وسائل النقل ورمي النفايات في الأزقة والطرق، كل هذا من الأمور لا التي ينبغي أن نمارسها ويجب أن نتجنبها، فنحن ينبغي أن نكون أمناء على هذا المجتمع لأن أنانيتك وسلبك لحقوق الآخرين بهذه الأساليب التي شاعت في مجتمعنا لابد أن نحصد نتائجها، ولابد أن تعود على أصحابها بالوبال والشقاء، التقوى إذا مارسناها وإذا التزمنا بحدودها وإذا كنا وقافين عند حدودها بسلوكنا وتصرفاتنا يقول سبحانه وتعالى: )يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ( من هذا الضيق الذي نعاني منه من هذا الكرب الذي نقاسيه من هذه الفتنة التي تأججت نيرانها في حياتنا، نعم هناك مجرمون؛ ولكن لماذا تسلط علينا المجرمون؟ هناك دول متآمرة؛ ولكن لماذا تآمرت علينا؟ ولماذا استطاعت أن تتمكن من تنفيذ مؤامراتها فينا؟ لأننا لم نتق الله ومن يتق الله ويلتزم حدود وينفذ أوامره ويجتنب أوامره فيما يتعلق بعلاقته مع ربه وفيما يتعلق بعلاقته مع مجتمعه وفيما يتعلق بعلاقته مع أسرته في الشؤون المالية وفي الشؤون الاجتماعية وفي سائر الشؤون جعل له فيما نعاني منه من هذا الضيق فرجاً ومخرجاً )وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ( هذه الضائقة في المعيشة والتي لم نعهدها سوف تنتهي بإذن الله سبحانه وتعالى؛ ولكن إذا اتقينا الله عزَّ وجل، ألم يقل الله عزَّ وجل )وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا # وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ( ؟ أرانا الله كيف رزقنا قطر السماء بدون معايير وبدون حساب تدفقت الأمطار بكل سخاء، وكأنه يقول لنا أبواب رحمتي مفتحة ألا فلجوا فيها واقتربوا إليها، وتعاطوا أسباب الوصول إليها، إذا كنا نعاني من عسر في شؤوننا وحياتنا فإن التقوى هي سبيل اليسر ) وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ( وإذا كنتم تريدون أن تبلغوا منزلة القرب إلى الله فالتقوى وسيلة التقرب إلى الله، وسبب الأجر العظيم من عند الله عزَّ وجل ) يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا( وعندما نكون متقين يكون الله معنا. أما إن تخلى عن التقوى فإننا سنخسر، سنخسر عناية المولى ورعاية الله عزَّ وجل ومعيته لنا بالتأييد والنصر والفتح والتوفيق، هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية التي أريد أن أقف عندها هي الإصلاح، والإصلاح والإفساد كلمتان متقابلتان، نحن نريد الإصلاح؛ ولكن لا تطالب الآخرين بإصلاح لا تمارسه أنت، أصلح أنت في الدائرة التي أنت فيها، وأنا أصلح في الدائرة التي أنا فيها، والآخر يصلح في الدائرة التي هو فيها، تصلح أمور الأمة كلها؛ وعندئذ يكون ولي الأمر أيضاً صالحاً، كيف تطالب ولي الأمر بإصلاح عامٍ على مستوى الأمة برمتها، والأمة إذا كان كل فرد منها لا يلتزم بالإصلاح في الحدود التي هو فيها، لا سبيل إلى أن تصلح أمورها. والفرد فينا لم يصلح في الدائرة التي هو فيها، ونحن على مستوى الخلية الأولى والأوسع لا نسعى إلى الإصلاح بل نسعى إلى الفساد، نسعى إلى إفساد ذات البين ، نسعى إلى إفساد المرافق، نسعى إلى الإفساد بكل وجوهه، على أننا نقول: قد تكون هذه أخطاء وزلات ونسال الله أن يغفر ويرحم، ولكن الذين طرحوا شعار الإصلاح لكي يؤججوا نار فتنة في بلادنا هذه باسم الإصلاح، أقول لهم: الإصلاح ليس طريقه قذائف تستهدف بيوت الناس والآمنين، الإصلاح ليس بتدمير جدران المسجد الأموي في حلب ولا باستهداف سكان دمشق، الإصلاح ليس بتقتيل الأبرياء ولا بتدمير المنشآت ولا بتفجير الجسور، ولا بتخريب الوطن. الذين يزعمون أنهم يريدون الإصلاح، هذا الوطن للجميع، وهذه الشوارع الجميلة وهذه المنشآت للجميع إذا كنت تريد الإصلاح فحافظ عليها، واسْعَ إلى الإصلاح عبر أبوابه، أبوابه لا يمكن أن تكون عبر القتل وسفك الدماء ونشر الفساد في الأرض، إن نشر الفساد في الأرض له عقوبته في الدنيا وله عقوبته في الآخرة، وسيرى الذين أفسدوا عواقب إفسادهم: ) إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا -عدَّ نشر الفساد حرباً لله ولرسوله - أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(
أجل ليس الإفساد طريق الإصلاح، إذا طلب منه الحوار لا يحاور، وإذا طلب منه اللقاء رفضه، إنما يريدون أن يمعنوا في الأرض فساداً... أهذا هو الإصلاح! أهذا هو منهج من يريد أن يخدم سوريا ويريد أن يخدم الدين؟! أظن أن ما من عاقل يصدق أن تفجير قبور الصالحين وانتهاك حرمة الأموات هو تدين وإقامة للدولة الإسلامية ونشر للإسلام، هذا هو الكفر عينه، هذه الممارسات الكفريّة، حرب ضد الإسلام.
ولاحظوا كيف ترافقت الأمور تصعيد إرهابي في الداخل وعدوان صهيوني من الخارج مما يدل على تحالف لا نحتاج إلى دليل عليه، التحالف واضح، اليوم وقد لبى البعض منهم النداء للتلاقي من أجل أن نحقن الدماء ونرأب الصدع ، وفي الوقت ذاته: أسيادهم هناك التي انتعلتهم واستخدمتهم تدعوا إلى إرسال من يدرب مفسديهم ومجرميهم على نشر الفساد في هذا البلد يريدون أن يدربوا المعارضة المعتدلة، إنه الإصلاح!! أي إصلاح هذا ؟ أما اتضحت الهوية ؟ أما ظهرت الحقيقة ؟ أما تجلى الأمر على وضوح وبيان ؟ أما تبين أنهم نعال تستخدمها قوى الشر والطغيان والفساد من أجل تدمير هذا الوطن ومن أجل إفساد منشآته وقتل أبنائه، واللهُ لا يحب الفساد. إذا أردنا أن نخرج من هذا النفق المظلم ونجد لأنفسنا مخرجاً فما لنا إلا التوبة لله عزَّ وجل.
على أننا نقول إن أناساً فيما بيننا وممن يدعون الوطنية، وممن يدّعون الخير والولاء في هذه الظروف في الذات وفي هذه الأثناء نجد أنهم يسعون فساداً من خلال نقض البناء الاجتماعي وتدمير الأسرة في بلدنا، يأخذون بضاعة أفسدت المجتمع الغربي لكي يروجوها إسهاماً في إفساد الأسرة وتدمير البناء الاجتماعي في وطننا، بناؤنا الاجتماعي يكفيه ما أصابه ببث الكراهية و سوء العلاقات فيما بين أبناء الأسرة الواحدة وأبناء الحي وأبناء البلد، يكفيه ما يعاني لكي تسهم بعض الجهات في توهين البناء الأسري من خلال بعض الطروحات التي عانى المجتمع الغربي منها ويريدون ترويجها في بلادنا.
نقول: نحن نرفض الطرح الغربي أياً كان لونه، نحن لدينا منهاج عظيم يحفظ تماسك الأسرة بالمودة والرحمة بالمحبة، بالمودة والتراحم، لا نريد أن نستورد أنظمة اجتماعية من شانها أن تفسد البناء الاجتماعي في وطننا وبين أبناء بلدنا، ولا ينبغي لعميل أن يتقنع بالوطنية ليدمر الوطن، ولا ينبغي لعميل أن يتقنع بالإصلاح لينشر الفساد، يقول: نحن حريصون على الإصلاح، والإصلاح يكون برأب الصدع وحقن الدماء وإصلاح ذات البين وتماسك الأسرة وتوطيد بناءها لا بنشر الخلل والوهن في بنيانها، بصلة الرحم برعاية الأبوين للأبناء على النحو الذي أمر الله عزَّ وجل به بالتربية الصالحة لا بالضياع والفساد ونشر الإباحية. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 2015-01-30


تشغيل

صوتي