مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 23/01/2015

خطبة د. توفيق البوطي: أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون


أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ( وقال جلَّ شأنه: ) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ( وقال سبحانه: ) وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (
أيها المسلمون: إذا كنا مسلمين بحق فإن علينا أن نتفهم ونتعلم ونحرص على معرفة صفات نبينا r، فإذا كان الشق الأول من مفتاح الدخول إلى الإسلام الإقرار بوحدانية الله تعالى فإن الشق الثاني هو الإقرار برسالة سيدنا محمد r وما تجاوز حده متجاوزٌ في حق رسول الله r ولا طغى طاغية في حق نبينا المصطفى r إلا بسبب جهله أو بسبب عناده، وأما الجهل فإن قسطاً من المسؤولية عنه نتحملها نحن المسلمين، فنحن الذين ندعي الإسلام زاهدون عن التعرف على جوانب شخصية حبيبنا المصطفى r والذي يعد سبب نجاتنا بل أصل عقيدتنا، أصل عقيدتنا الإيمان برسالة سيدنا r والإيمان برسالته تقتضي التعرف على شخصيته، ألم يقل الله عزَّ وجل: )أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ( فالجهل هو سبب الإنكار والجهل هو سبب هذا التهجم، ولقد ذكرت في الأسبوع الماضي أن ما أصاب المسلمين من إساءات بحق نبيهم المصطفى r يعود في حقيقته في جانب كبير منه إلى سلوك المسلمين أنفسهم، إلى طريقة تعريف العالم بدينهم من خلال سلوكهم وتصرفاتهم، ولذلك وجدت أن من المهم أن نتعرف على جوانب من شخصية المصطفى r وأستمر على ذلك لأسابيع إن قدر الله ذلك لي، نتأمل ونتعلم صفات المصطفى r الخلقية والخلقية ونتفهم من هو سيدنا محمد r، لأن معرفة النبي r هي معرفة الإسلام، فالإسلام المسطر تشريعه في كتاب الله تعالى وسنة نبيه مجسد بصورة عملية في شخصية النبي r، إذا أردت أن تعرف الإسلام فانظر إلى شخصية سيدنا محمد r، فهو إسلام مجسد في شخص ولننظر إلى الجانب الخُلُقي والخَلقي من شخصية حبيبنا المصطفى r، لنعرف من هو، ولنعرف لماذا كان الصحابة الكرام شديدي المحبة للنبي r.
ثبت في الصحاح أنه r كان وضيء الوجه قسيماً وسيماً أدعج العنين – شديد البياض وشديد السواد – أزج الحاجبين كث اللحية، معتدلة القامة حلو المنطق، وصفه سيدنا أبو هريرة t بقوله: " ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله r كأن الشمس تجري في وجهه " كان r طيب الرائحة من غير طيب، وكان يتطيب، لين الملمس. كان أنظف الناس ثوباً، وأنظف الناس بدنا وبيتاً ومجلساً، وكان يقول: " إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود" ، اليهود كانوا مَثَل القذارة، فلا تكونوا مثلهم. ما هو حال اليهود؟ تجمع الأكباء – النفايات – في دورهم. بيوتنا ينبغي أن تكون نظيفة، شوارعنا يجب أن تكون نظيفة، ثيابنا يجب أن تكون نظيفة، أجسامنا يجب أن تكون نظيفة، قلوبنا يجب أن تكون نظيفة، نظيفة من الحقد نظيفة من الكراهية والضغينة. ويقول r :" إن من كرامة المؤمن على الله نقاء ثوبه ورضاه باليسير " من الصفات التي يحبها الله في العبد ثيابه النظيفة وقناعته باليسير. أن لا تكون نفسه شرهة إلى جمع المال والأنانية والاستئثار في المتاع وغيره، وكان يحث على نظافة البيوت والمساجد؛ بل عدَّ إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان. كما عدَّ إيذاء الناس بالنجاسة في الطريق مدعاة للعنهم، وجعل إزالة الأذى عن الطريق سبباً لمغفرة الله لذنوبهم، حض الناس على حسن الهيئة وكان للنبي r حلّة خاص للمناسبات ليوم الجمعة والأعياد واستقبال الوفود أي يعطي للمناسبات أهميتها وقدرها، ويقول فيما رواه الإمام مسلم:" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر – التكبر على الخلق ليس من شأن المؤمن - قال رجل - ظن أن الكبر هو في أناقة الثوب ومظهره – إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، قال r عندئذ :" إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس " أي ازدراء الناس وانتقاص أقدارهم، كان رسول الله r فصيح اللسان واضح البيان أوتي جوامع الكلم أي: كلمات قليلة ومعاني غزيرة، أوتي جوامع الكلم وخواتيمه ، إذا وعظ أثرت موعظته في قلوب السامعين، كان r حسن المعاشرة لأهله " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " وصفت السيدة عائشة t النبي r في بيته كيف يكون قالت:" كان يكون في خدمة أهله، يخصف نعله، ويرقع ثوبه " يحسن معاملة الأهل، وكان رقيق الطبع لطيف المعاشرة، يقول خادمه سيدنا أنس t الذي خدمه عشر سنين طيلة وجوده في المدينة المنورة:" خدمت رسول الله r عشر سنين والله ما قال لي أف قط، ولا قال لي لشيء لم فعلت كذا أو هلَّا فعلت كذا " كان ينظر فيقول أحياناً: لو قدر الله لكان كذا وكذا، إشارة تفعل أكثر من عبارة تستنهض الهمة من ذوي القلوب الرقيقة التي انطبعت بالأخلاق الإيمانية التي مدرستها نهج النبي r، وصفته السيدة عائشة t:" كان ألين الناس، كان بساماً، كان ضحاكاً " وأنه لم يرى قط بين أصحابه ماداً رجليه، يحترم أصحابه،و كان يكرم كريم القوم، إذا دخلت عليه الوفود أجلَّ وأكرم كبير الوفد، لأن احترام كبير الوفد احترام للوفد، ولأن تقدير زعيم القوم هو تقدير للقوم، كان النبي r ينزل الناس منازلهم ويعطي للناس مقاديرهم، لأنه بذلك يحفظ لهؤلاء الناس مكانتهم في ظل الإسلام، الإسلام لا يحطم مكانة الإنسان؛ بل يكرس لكرامة الإنسان لمكانة الإنسان لاحترام الإنسان ويقول:" إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه " دخل عليه عدي بن حاتم t وكان كافراً فأدخله إلى بيته وجلس هو على الحصير وأجلس عدياً على الوسادة، والنبي سيد قومه بل سيد العالمين، وجرير بن عبد الله كذلك لقي من رسول الله r كل التقدير حتى غلبه الحياء من تقدير رسول الله r. ويقول:" إذا أتاكم شريف قوم فأكرموه " كان رسول الله r يباسط أصحابه ويمازحهم، ولكنه لا يقول إلا حقاً.
وكان ينهى عن ترويع المسلم، أخفى أحدهم متاعاً لصاحبه، فبحث صاحبه عن متاعه فلم يجده، فابتسم الرجل وقال: أنا أخفيته، فنهاه النبي r عن ذلك: نهاه عن أن يروع أخاه، بماذا ؟ بأن أخفى ثوبه!! أما ترويع أمة بكاملها وتهديم وطن بكامله فهذا نهج الذين يسمون أنفسهم دولة إسلامية، هم دولة الضلال هم دولة الكفر هم دولة الانحراف هم دولة الشذوذ، هم دولة تشويه الإسلام، هكذا كلفهم أسيادهم في أمريكا وإسرائيل، أن يكونوا مظهراً لتشويه الإسلام باسم الإسلام. هؤلاء لا علاقة لهم بالإسلام، إلا أنهم كذبوا على الإسلام فتسموا باسمه. هذا هو رسولنا، وليس في تصرفاتهم ما يمت إلى حبيبنا المصطفى بأية صلة،كان رسول الله r بسام الوجه لم يكن متجهماً، ولم يكن يظهر للناس مظاهر الترويع والتخويف، بل كان يألف ويؤلف، كان قريباً إلى القلوب، وعندما آذاه قومه وأساءوا كان أقصى ما قاله:" اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون ".
ما خير رسول الله r بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ، وكان أميل إلى السلام والوئام ودفع أساب الخصومة وسفك الدماء، وهو الذي r عقد صلح الحديبية؛ وهو في موقع القوة، لم يتحالف مع أمريكا ولا إسرائيل ليقاتل أهله ولا جيرانه، لم يقل سنشتري السلاح من فرنسا جهاراً نهاراً، ولم يستجدِ أمريكا أن تضرب بلاده، أنا أتحدث عن متدينين أو أدعياء تدين، النبي r عندما عرض عليه الصلح رحب بالصلح، مع أنه كان على الحق بدون مرية فهو رسول وهو نبي وكان مؤيداً من ربه. ولكن حقن الدماء أمر مطلوب في الإسلام، أما أدعياء الإسلام الآن فإنهم يريدون أن يكرسوا لسفك الدماء وبقاء الفتنة، لأنهم مكلفون بذلك، لان أسيادهم أوحوا إليهم بذلك. أين هم من نهج رسول الله r، من هدي رسول الله؟ النبي r عقد صلحاً مع المشركين بعد عشرين عاماً من محاربته والإساءة إليه ومحاولة قتله، عشرون عاماً وعندما صالح صالح وهو في موقع القوة، وقد تلاحقت هزائم المشركين؛ ومع ذلك صالح. اليوم يرفضون أن تحقن الدماء وأن يبقوا على البقية الباقية من هذا الوطن، التي هي بقية ما كان في وطننا هذا من خير.
لقد أفسدوا العلاقات ونشروا الكراهية بين الناس حتى غدا البيت الواحد يكره أفراده بعضهم بعضاً، أين نحن من قوله تعالى) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ( أحدثوا الشرخ في الوطن في الحي بل في البيت الواحد، وعندما يدعون إلى رأب الصدع وإصلاح ذات البين يستكبرون، بماذا يستكبرون ؟؟ بدعم أمريكا لهم؟ بدعم إسرائيل لهم؟ كفّروا المسلمين، اتهموا وفعلوا، ولكن )وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ( أجل غالب ٌعلى أمره، هم نسوا أن هذه الشام والملائكة باسطة أجنحتها على الشام، أن هذه بلاد الشام التي تكفل الله عزَّ وجل بها وبأهلها. فلينظروا في عواقب عنادهم ولينظروا في نتائج صبرنا )إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(.
خطبة الجمعة


تشغيل

صوتي