مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 12/12/2014

خطبة الدكتور توفيق البوطي: الإرهاب ... صانعوه وأشكاله


الإرهاب ... صانعوه وأشكاله
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: ) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(، ويقول سبحانه:) وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ(، روى البخاري عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أنه أتاه رجلان في فتنة عبد الله بن الزبير – عبد الله بن الزبير خرج على الدولة الأموية في مكة المكرمة وأعلنها خلافة هناك، وامتنع عبد الله بن عمر أن يخرج تبعاً له، فأتاه رجلان - فقالا: إن الناس صنعوا – أي خرجوا على الدولة الأموية وأطاعوا عبد الله بن الزبير – وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فما يمنعك أن تخرج؟؟ قال: منعني أن الله حرم دم أخي، فقالا: ألم يقل الله تعالى )وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ(، فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة، وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله".
أيها المسلمون: يكثر في هذه الأيام ومن قبلها أيضاً استعمال مصطلح الإرهاب لوصم الإسلام به، واتهام الإسلام به ولكن ينبغي أن يحقق الإنسان في دلالة هذا المصطلح وفي الهدف من استخدامه، وفي المصدر الذي ولد هذا المصطلح لإطلاقه على الإسلام، حتى جرى على بعض الألسنة بشكلٍ فوضوي ومغرض ولذلك لابد أن يقف الإنسان عند مسألة الإرهاب والعدوانية فينظر إلى مصدرها وإلى منشئها وإلى من يمارسها، لأن لا يختلط الأمر، فدفاع الإنسان عن نفسه ودفاعه عن دينه ودفاعه عن حقوقه شرف وواجب، أما إثارة الفتنة والاعتداء على الشعوب واستيلاء حقوق الأمم فهو العدوان وهو الإرهاب وهو الإجرام، الإرهاب في نظر أميركا وأذيالها وأذنابها والسائرين في فلكها هو دفاع الفلسطيني عن بيته ماله وعرضه، هو اعتصامه بالمسجد الأقصى حماية له من تدنيس اليهود المجرمين، هو أن تلتزم بدينك الإسلامي وترفض أن تتنازل عنه، هو أن تحمي المرأة عرضها وشرفها وحجابها، هو أن تحرص على وحدة بلادك وسلامتها من الهيمنة الأجنبية، إذاً فأنت إرهابي لأنك تدافع عن تراب بلدك، لأنك تحرص على وحدة وطنك، لأنك تسعى إلى جمع كلمة هذه الأمة تحت راية الحق تحت راية الهدى تحت راية الرشاد، أما أن تقوم أميركا كدولة على أشلاء شعب بكامله تبيده – وهم اليهود الحمر – فهذا ليس إرهاب، أما أن تقصف أميركا هيروشيما ونكازاكي وتقتل الملايين بقنابلها النووية هذا ليس إرهاباً، أما أن تحرق شعباً بعشرات الألوف، أن يحرق شعب بعشرات الألوف من أطفال ونساء ورجال حرقاً أمام أعين البشرية كلها في بورما فلا ينبغي أن يتحرك ساكن لأنه شأن داخلي، إحراق الأطفال والنساء والرجال علناً وعلى الملأ وأمام وسائل الإعلام في بورما ليس جريمة، ولا ينبغي أن يتحرك الضمير الإنساني ولا هيئة الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن لإنقاذ شعب يباد حرقاً أمام البشرية كلها، هذا ليس إرهاب، أن تحاصر كوبا لقرون عديدة، وكوبا دولة ليست مسلمة، ولكن حق الإنسان في العيش و حقه في أن يعيش ولا يعتدى عليه أمر مسلم عقلاً وشرعاً وديناً، أن تحاصر دولة، ونتكلم الآن بالمنطق السياسي، لعقود طويلة ليس إرهاباً، أن يقتل شعب فيتنام ملايين من أبناء شعب فيتنام تقصفه الطائرات الأمريكية هذا ليس إرهاباً، أن تُحتل أفغانستان بحجة وجود إرهابيين في بعض مرافق الحكم فيها، أمة كما هي تعاقب من أجل عملية هم الذين ارتكبوها، وهم الذين افتعلوها ليبرروا احتلال أفغانستان ويقتلوا الآلاف من شعب أفغانستان هذا ليس إرهاباً، أن يُسلب الفلسطينيون بيوتهم ويقتلوا في الشوارع دون ذنب ارتكبوه، وأن تُسلب منهم أوطانهم وبيوتهم ومزارعهم هذا ليس إرهاباً، وأن يدافع المسلم عن نفسه وعن أمته هذا هو الإرهاب، هذا هو الإرهاب أن تكون مسلماً إذاً أنت إرهابي خسئوا هم الإرهابيون، هم المجرمون، هم الذين صنعوا هيئة الأمم المتحدة لتكون غطاء لجرائمهم، هم الذين هيمنوا على مجلس الأمن ليشرعنوا عدوانيتهم، هم الذين يمارسون أبشع أنواع الإجرام، ثم إن تتمة إجرامهم أن يصنعوا لنا أمرين، الأمر الأول: إسلاماً صنعوه لنا لكي يستغلوا وصفهم المشوه فينسبوه إلى إسلامنا، إسلام صنعوه هم لا أدري لماذا ظهر في بلادنا ولماذا يعلن في بلادنا عن إنشاء مثل هذا الإسلام بينما رعاياه مستوردون من أصقاع الدنيا شذاذ آفاق استوردوا من هنا وهناك لكي ينشروا الرعب والموت باسم الإسلام، أجل باسم الإسلام، ولو سألت من الذي صنعهم ؟؟ صنعتهم أميركا، وقد اعترفت شخصيات سياسية منهم أن هذه التنظيمات صناعتهم، ولو تفقدت أفرادهم وبرامجهم لوجدت أنها برامج معدة بصنعة أمريكية محكمة، هم يلبسون نعالاً ثم يرمونها، ويلبسون ثياباً قبيحة حتى إذا اهترأت خلعوها، ينتعلون شخصيات هنا وهناك، الوجه المقابل لهذه العملية الإرهابية أيضاً أن تكون فيما بيننا في صفوفنا في أبناء وطننا من يستغل هذه الظاهرة فيتهم الإسلام، ويدعوا إلى منع المعاهد الشرعية وإغلاق المعاهد الدينية وإيقاف العمل المسجدي ومحاربة وزارة الأوقاف ومحاربة المؤسسة الدينية لأنها إرهاب، إنه فعل ورد فعل كلاهما مصدرهما واحد وكلاهما يعود إلى هوية واحدة، صنعة عدوانية ضد سوريا ضد أمتنا ضد وطننا ضد ديننا، إنما يجري في سوريا اليوم عمل إرهابي تمارسه أميركا ومن يسير في فلكها ،وأدواتهم في ذلك لم تعد خفية وهاهي ذا إسرائيل تؤيدهم تدعمهم بشكل مباشر وغير مباشر تمارس عدوانها على هذا الوطن متزامناً بشكل دقيق مع تلك الجرائم التي ترتكب هنا وهناك ضد هذه الأمة .
أيها المسلمون إن أميركا تطور برامجها باستمرار لئن كانت مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية في تشرين الثاني من عام اثنان وتسعون نشرت مقالاً أوضح أفضل الطرق لتجنب خطر الإسلام عليها وسبل القضاء عليه فذكرت تقطيع سبل التواصل بين الدول العربية ؛ لأنها المصدر الأول للإسلام، ثم العمل على إيجاد ما يمكن من التشاكس بين أبناء المنطقة وحكامها ليسود الاضطراب والعنف والقلق بين أبناء هذه البلاد، ويقول اليهودي البريطاني برنارد لويس في كتابه الإسلام والشرق الأوسط –قرأته من قرابة أربعين سنة – ( إن تفكيك المنطقة العربية وتجزئتها سياسياً يؤدي إلى تجزئتها اجتماعياً وثقافياً ومادياً، وإن سيطرة الغرب على المنطقة لا يتم إلا بإثارة الفتن الطائفية وافتعال أسباب الخصومات والعنف )، لا أدري لماذا ظهرت الفتنة الطائفية الآن ولقد أمضينا مذاهب شتى بتاريخ هذه الأمة، منذ فجر تاريخ الدولة الإسلامية الأموية إلى يومنا هذا نحن مذاهب تتحاور في المساجد وتخرج فيما بعد ويمضي كلٌ إلى شأنه، ولكن لماذا أصبحت المسألة اليوم فتنة طائفية ؟؟ ولقد حاولوا إثارتها في الثمانينات في بلادنا ولكنها انتهت لكي تخرج مرة أخرى الآن بشكلها العنيف الذي عمَّ المنطقة كلها تنفيذاَ للبرامج لكن أضيف للبرنامج برنامج آخر وهو إسلام بديل، إسلام بديل مشوه عن حقيقة هذا الدين، مشوه عن حقيقة عقيدتنا وديننا ومبادئنا ليحدث الفعل وردة الفعل، كلاهما يعودان إلى أرومة واحدة تآمر على سورية، تآمر على الأمة الإسلامية، تآمر على هذا الدين، فريق يظهر الإسلام بصورة مرعبة تبعث على الاشمئزاز والخوف، وفريق آخر والعياذ بالله يجب أن نهاب الإسلام يجب أن نتجنب الإسلام، ومن عجب أنهم يتكلمون عن حقوق الإنسان، حقوق الإنسان ليست من الإنسان، ليس مكرمة يتكرم بها إنسان على إنسان، حقوق الإنسان التي يصنعها الإنسان نضعها تحت أقدامنا، حقوق الإنسان منحها رب الإنسان، وليست منظمةً من هنا وهناك أصلاً حقوق الإنسان أول من يدوس عليها اليوم هم الذين وضعوها وهم الذين صاغوها باسم حقوق الإنسان، البديل عن الشريعة وعن العدالة وعن منطق الحق تركوا بين أيدينا ما يسمى بحقوق الإنسان، تركوا ما بين أيدينا ما يسمى بحقوق المرأة ليدوسوا على كرامة المرأة، تركوا بين أيدينا حقوق الطفل لكي ييتموا الطفل ويحرموه من أمه وأبيه، تركوا بين أيدينا حقوق الإنسان ليدوسوا على حقوق الإنسان وإنسانية الإنسان ن لا ينبغي أن ننساق وراء هذه الزوابع والعواصف سواء في شكلها الفعل، أو في شكلها ردة الفعل فكلاهما مصدرهما واحد، ينبغي أن نتعرف على إسلامنا بحق و أن نتعرف عليه بفهم وعلم لكي يتميز الحق من الباطل والصواب من الخطأ والإرهاب من الدفاع، نعم سنرهبهم بصمودنا ن سنرهبهم بثباتنا سنرهبهم بجهادنا، عندما نقف في مواجهة الذين يريدون أن يدنسوا بلادنا بالفتنة، ينبغي أن نضع حداً لهم ولا ينبغي أن يسمى ذلك إرهاباً بل يسمى عدالة ويسمى استحقاقاً، ينبغي أن يعاقب المجرم الذي يعبث بمقدرات هذه الأمة ويحاول أن يشوه دينها ويحاول أن يسيء إلى كرامتها، ينبغي أن يوضع الحد لولا رهبة المجرم من سطوة القانون إذاً لعاثوا المجرمون في الأرض الخراب والدمار والإفساد، لولا رهبة العدو من جهاد أمتنا هذه في الدفاع عن حقوقها، لولا رهبة اليهود من إخواننا المجاهدين في فلسطين لانتهت قصة فلسطين كلها، أجل علينا أن نرهبهم بالحق، ولكن لا ينبغي أن نسمي الجهاد إرهاباً ولا الإرهاب جهاداً، لا ينبغي أن نخلط المصطلحات، يجب أن تميز المدلولات، ويجب أن يوضع حداً للظلم والبغي والعدوان بالوسائل المتاحة، فإن سموها إرهاباً فليسموها إرهابا، وإن سموها ما سموها، فإن من حق الأمم أن تدافع عن عقيدتها أن تدافع عن وطنها أن تدافع عن مقدراتها، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ن أما أن يعبث العابثون بوطننا بأمتنا بديننا ببلادنا ثم يسمى الإسلام الذي يدعون للدفاع عن مقدرتنا إرهاباً، هم الإرهابيون هم المجرمون هم العدوانيون .
أسأل الله أن يردنا إلى صوابنا وأن يجمع كلمتنا على الحق والتقوى وأن يدفع عنا غوائل الفتن إنه سميع مجيب .
خطبة الجمعة2014-12-12


تشغيل

صوتي