مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 14/11/2014

خطبة الدكتور توفيق البوطي: المسجد الأقصى مسؤولية أمة


المسجد الأقصى مسؤولية أمة
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: )سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ # وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً #ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا # وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا # فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً # ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا # إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا( وروى البخاري عن أبي هريرة t أن النبي r قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله" وقد أخبر النبي r فيما صح عنه في البخاري ومسلم أنه قال: "أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطت بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن ..." إلى نهاية الحديث .
أيها المسلمون: لا أريد الخوض في قصة الإسراء والمعراج، ولا في تفسير مرّتي الإفساد اللتين يقوم بنو إسرائيل بارتكابهما فقد ذهب المفسرون في مسألة الإفساد مرتين مذاهب مختلفة، وإنما أريد أن أقف على المناسبة بين أمرين في هذه الآية التي قرأتها.
المسألة الأولى: هي الربط ما بين معجزة الإسراء إلى بيت المقدس والمعراج إلى السموات العلا، وبين بيان الله عزَّ وجل عن إفساد بني إسرائيل، هناك رابط بين الأمرين؛ ولئن اختلف العلماء في التفسير فإن الربط يوحي بعبرة خطيرة تسري إلى عصرنا هذا وتشير إلى خطورة الوضع الذي نعيشه اليوم بالنظر إلى المسؤولية الكبيرة التي حملنا الله إياها عندما ربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في رحلة قدسية للنبي الكريم r، طبعاً هذا الربط يسترعي الانتباه عن مسؤوليتنا عن المسجد الأقصى، وفيه إشارة إلى الصراع التاريخي بين إجرام وإفساد اليهود وبين الدعوة الإسلامية منذ فجر تاريخها، تاريخ بنو إسرائيل وجحودهم لفضل الله ونعمه عليهم والتي خصهم بها لا يخفى على أي تالٍ لكتاب الله متأمل لقصص بني إسرائيل فيه، فقد حاقت اللعنة بهم لكثرة إفسادهم وإجرامهم وما يرتكبون، بالإضافة لما ارتكبوه في حق النبي r من خيانات في المدينة المنورة بعد أن أعطاهم صفحة بيضاء من معاملة طيبة من خلال ما يسمى بالوثيقة، ذكر الله تعالى لمعجزة الإسراء والمعراج وأن يعقب ذلك بالحديث عن جرائم بني إسرائيل فيه إشارتان، الإشارة الأولى مسؤوليتنا عن المسجد الأقصى. والثانية خطورة ما يجري في الأقصى من جهة والتحالف بين العدو الإسرائيلي وأدعياء الإصلاح.
أيها المسلمون: منذ أسبوعين أو جمعتين يحال بين أهل القدس وأبناء المناطق المحيطة بها، وبين أن يؤدوا صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، وأهل بيت المقدس قد ارتبطت مشاعرهم ووجدانهم وقلوبهم وأرواحهم ودماؤهم بالمسجد الأقصى، وكم أقاموا في المسجد الأقصى ورابطوا فيه ليواجهوا بأجسامهم وبثيابهم لا بأكثر أكبر ترسانة عسكرية في المنطقة كلها، شعوراً منهم بالمسؤولية عن المسجد الأقصى، والمسؤولية عن المسجد الأقصى مسؤولية أمة وليس مسؤولية مدينة من مدن فلسطين، المسؤولية عن المسجد الأقصى مسؤولية كل مسلم من أقصى إندونيسيا إلى أقصى المغرب، مسؤولية حملنا الله إياها يوم ربط فيما بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وإن أمة لا تبالي بمقدساتها لا يبالى بها، وتداس كرامتها ويهان تحت سنابك خيل الأعداء شرفها ووجدانها. ونجن نقول: إن كثيراً من أبناء أمتنا اليوم تعتصر قلوبَهم مشاعرُ الحزن و الأسى والغضب، ولكننا نعيش أزمة أخطر من ذلك، أولاً: هذا العهر السياسي الذي تمارسه المنظمات الدولية من مجلس أمنٍ إلى أممٍ متحدة إلى غير ذلك، تلك الهيئات القذرة التي أصبحت غطاء للإرهاب، غطاء للإجرام الدولي، غطاء لكل ممارسات الأعداء التي تحميهم دول الاستكبار كأمريكا وبريطانيا وأوربة وغيرها، إن مشروعية وجود نظام أو عدم وجوده، ومشروعية أي تحرك دولي في مكان ما أو مشروعية أي عمل عسكري يمارس في مكان ضد جهة ما لا يكتسب من منظمات هي في الحقيقة الغطاء الذي يشرعن للإجرام الدولي، دخلت أمريكا العراق دون مشروعية ودون موافقة، ودخلت الآن في حرب مع صنيعتها التي صنعتها وتدعي محاربتها، وهي دائما تستأجر لنفسها حلفاء ثم تدوس حلفاءها بنعليها؛ لأن لها أجراء ولا حليف لها؛ وهي مثَلُ النفاق والتآمر والإجرام في العالم كله، وليس المهم ما يمارسه العدو، فالعدو يمارس عدوانه وهذا شأنه، ولكن المهم الذي يستوقفنا الآن ونحن نعاني في وطننا هذا منذ أربع سنوات ما نعانيه، مما يلفت نظرنا اليوم هذا التحالف بين العدو الصهيوني الجاثم على صدر بيت المقدس، وبين أولئك الذين يقفون على الشريط الحدودي مع عدو إذ يدعمهم بالطعام والشراب والسلاح وإسعاف الجرحى منهم في مشافيهم، وهذا أمر أصبح معلناً وليس خفياً، أي إنسانية هذه أن يسعف العدو الصهيوني جرحى أولئك الأوغاد المجرمين، يسعفهم إلى مشافيهم – إنها مشاعر إنسانية تستحق التقدير فعلاً - أن يقصف هذا العدو القذر المجرم المشافي والمدارس والمآوي التي آوت النساء والأطفال في غزة، ثم تتحرك مشاعر الإنسانية في قلبه تجاه مجرمين خارجين على الدولة عندنا هنا، هذا يدل على مدى النفاق والعهر السياسي الذي نجده في المنظمات المعادية للوطن، وفي العدو الصهيوني وفي الغطاء الذي تمارسه المنظمات الدولية ودول الاستكبار ضد أمتنا وضد ديننا وضد شعوبنا.
إلى متى تبقى أمتنا سادرة في غيها غافلة في تمييز الصديق من العدو، متى تستيقظ لتعرف كيف أن تسعى إلى حريتها إلى كرامتها وكيف تحرص على التمسك بحقوقها، التمسك بالحقوق لا يكون بالدوس على الحقوق، والحرص على الكرامة لا يكون ببيع الكرامة، والحرص على الوطن لا يكون بالتضحية بالوطن، والذين يدعون الدين لا يمكن أن نصدق دعواهم هذه وهم يدوسون على قيم الدين وأخلاق الدين، والممارسات معروفة، ولم يعد ثمة شيء يخفى، الذين يريدون نصرة الإسلام نصرة الإسلام لا تكون بتمزيق الإسلام، ولا بتدمير قيمه ولا بتشويه معانيه، لا أظن أن فترة مضت اتضح فيها معنى التشويه للإسلام على يد أدعياء الإسلام كما اتضح اليوم على يد الذين نراهم في ساحة الأحداث في بلادنا، قرأت أفكارهم واطلعت على شيء مما يطرحونه، لا علاقة لهم في أفكارهم ولا في استراتيجياتهم بشيء اسمه الإسلام، هم في الحقيقة يمكن أن نراهم من زاويتين، الزاوية الأولى أنهم عملاء متآمرون على وطننا، وهذا يتضح من خلال العلاقة مع إسرائيل والدعم الغربي لهم والغطاء الدولي الذي تغطى به جرائمهم، والأمر الآخر هو هذه الصورة التي يعبرون من خلالها عن الإسلام بتشويهه. هل الإسلام ذبح للأبرياء، هل الإسلام انتهاك للأعراض، هل الإسلام قتل للأطفال والنساء؟ هل الإسلام يمارس على هذه الصورة التي نراها؟ الإسلام دخل إلى هذه البلاد قبلهم بأربعة عشر قرنا حمى فيه كل الناس وبيَّن منذ اليوم الأول )لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ( بل حمى المشرك الذي يلجأ إليك أيها المقاتل المسلم في الجيش المسلم ) وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ( احفظ حياته احفظ روحه أمّنه، ثم بين لهم من نحن ما ديننا ما هي دعوتنا ثم سله عن مقصده و أوصله إلى حيث يكون آمناً على نفسه، بهذا بعث رسول الله r وهذه دعوتنا وهذه رسالتنا وبهذا فتحنا الأرض كلها واستجابت شعوب كلها لهذا الدين، لا بهذا الأسلوب الفظ الذي نراه في الساحة، إنهم كما قالوا (أسد علينا وفي الحروب نعامة) عندما يكون عند عدو هو صديقاً لهم، وعندما يكون مع أبناء الأمة أشد عداوةً وأشد صلابةً من أي جهة أخرى، لذلك هناك عدة أمور يجب أن نعرفها: مسؤولية الأمة عن المسجد الأقصى تكون بالعودة إلى الله، تكون بجمع الكلمة تكون بإعادة النظر في التعامل فيما بيننا على مختلف المستويات، لأن الأمة الممزقة لا تستطيع أن تواجه عدوها، هم أعملوا مبضع التمزيق في جسد هذه الأمة لكي تعجز عن مواجهة أخطر عدو قذر في هذه الأرض، يغتصب مقدساتنا ويقتل أبناء أمتنا في فلسطين، والأمر الآخر هو أن نبحث عن الصديق ونميز الصديق عن العدو فنحذر من العدو، هناك معايير للولاء ومن ينبغي أن نواليهم ومن هم الذين هم الذين ينبغي أن نعاديهم، أما أن نعادي الأخ والصديق وابن ديننا وابن ملتنا، وأن نكفّر الناس جزافاً لنبرر ونسوغ بذلك سفك دمائهم فإن هذا خروج عن الإسلام وليس التزاماً بالإسلام، لقد تساقطت الأقنعة ولم يعد ما يستر سوأة المجرمين، وعليهم إما أن يتوبوا إلى ربهم أو ينتظروا عقوبة الله لهم.
من الخطبة الثانية
الذين يُحمِّلون الإسلام منة انحرافهم ويفسدون على المسلمون إسلامهم، وباسم الإسلام يلهثون ويسيل لعابهم على كراسي الحكم، نقول اسعوا إلى كراسي الحكم ولكن لا تحملوا الإسلام منة سعيكم هذا. لا تدعوا أنكم إنما تجاهدون في سبيل الإسلام، قولوا إنما نجاهد في سبيل الوصول إلى كرسي الحكم فللصراع على كرسي الحكم أصوله، ولخدمة الإسلام منهاجه.
خطبة الجمعة 07-11-2014


تشغيل

صوتي