مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 24/10/2014

خطبة الدكتور توفيق : المهاجر من هجر ما نهى الله عنه


المهاجر من هجر ما نهى الله عنه
خطبة الدكتور توفيق رمضان البوطي
بتاريخ 24 / 10 / 2014
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) وقال عز وجل: )حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ( روى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس t قال: قال رسول الله r لرجلٍ وهو يعظه: )اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) وروى الترمذي بإسناد صحيح وغيره، عن مجاهد عن ابن عمرt قال: أخذ رسول الله r ببعض جسدي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعد نفسك في أهل القبور) يقول مجاهد: فقال لي ابن عمر: (إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك، ومن حياتك قبل موتك، فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدا).
أيها المسلمون:
من أجلّ النعم التي أكرم الله تعالى بها الإنسان نعمة الحياة، والتي يتمتع بها من خلال الوقت الذي يمر به كل يوم، فالوقت هو الثروة التي من خلالها نتمتع بسائر النعم، فنعمة الصحة عظيمة، وإنما نتمتع بها من خلال نعمة الحياة، ونعمة الفراغ جليلة وإنما نتمتع بها من خلال نعمة الحياة، وتاج كل تلك النعم نعمة الإيمان؛ لأنها سبب سلامة الطريق في الدنيا، وسعادة المصير في الآخرة.
أيها المسلمون:
مع بداية عام هجري جديد؛ أسأل الله أن يجعله عام رحمة عام، خير عام فرج، عام زوال الغمة وانكشافها عن المسلمين، مع بداية هذا العام هل لنا أن نسلك الطريق إلى الله؟ هل لنا أن نسلك طريقاً إلى الله نصل به إلى رضوانه، طريق إلى الله نتبع فيه أوامره ونجتنب فيه نواهيه، طريق نستغفر فيه عما مضى من حياتنا من تفريط وتقصير، ونجدّ في السير في طريق الخير والهداية فيما يتاح بين أيدينا من فرصة العمر، وكما سبق أن قلنا إننا نعلم كم مضى من عمرنا، ولكن أينا يعلم كم بقي له من العمر؟ (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوت) إذاً هل لنا أن نسلك إلى الله طريق التقرب بصالح الأعمال، والإقلاع عما سبق وقوعنا فيه من قبائحها؟ هل لنا أن نراجع أنفسنا فنصحح مسارنا ونقوم اعوجاجنا؛ فنصدق في الحديث، ونخلص في القول والعمل، ونكون أمناء على ما ائتمنا عليه؟ هل لنا أن نسلك طريق الصدق والأمانة والإخلاص؟ هل لنا أن نلتزم لربنا بأن نحافظ على جوارحنا من أن نستخدمها فيما لا يرضيه وأن نكون أمناء عليها فلا نستعملها إلا في خير، إلا فيما يسرنا أن نلقاه إذا وقفنا غداً بين يديه؟ هل لنا أن نستعين بالله فنلتزم بطاعاته على الوجه الذي هو أرضى له جهد استطاعتنا، وأن نقلع عن معصيته ونتجنب مسالكها؟ هل لنا أن نعيد قراءة واقعنا، ونتحسس مواطئ أقدامنا لحياة المستقبل؛ نادمين على تقصيرنا فيما مضى، متوجهين إليه فيما يستقبل من الأيام، ونحن لا ندري كم بقي لنا منها؟
أيها المسلمون:
الأمر جد وخطير، والعمر يمضي بنا سريعاً، ويوشك أن تنتهي أيامنا فنقف أمام لحظة الأجل؛ فما نحن فاعلون عندئذ؟ لعل أحدنا سيقول: )رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ( ويأتي الجواب: (كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا( ويأتي الجواب: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ) ويأتي الجواب: أنك أيها الإنسان كنت في كل يوم تودع أخ لك أو قريباً أو حبيباً نحملهم إلى المقبرة ونمضي وننسى أننا مثله، وأن حامل اليوم محمول الغد، وأن باكي اليوم مبكي عليه في الغد، ننسى حقيقتنا، ننسى مصيرنا نغتر بالبقية الباقية من صحتنا وعافيتنا والوقت المتاح لنا، ويا حبذا لو أننا استعملنا الوقت المباح فيما ينفعنا لا في ما يضرنا، روى ابن المبارك في الزهد والرقائق أنه قال: ( أضحكني ثلاث – أي أعجبني وأثار استغرابي – وأبكاني ثلاث، أضحكني مُؤمل الدنيا والموت يتبعه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك بملء فيه ولا يدري أرضى الله أم أسخطه، وأبكاني فراق الأحبة محمداً وحزبه، وهول المطلع عند غمرات الموت، والوقوف بين يدي الله عزَّ وجل يوم تبدو السريرة علانية ثم لا أدري إلى الجنة أم إلى النار).
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.


تشغيل

صوتي