مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 25/07/2014

خطبة الدكتور توفيق البوطي: لا إيمان لمن لا أمانة له


لا إيمان لمن لا أمانة له
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم:
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]
ويقول جلَّ شأنه: [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ *سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ]
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من صام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"
أيها المسلمون: هاهي ذي أيام رمضان قد آذنت بالانتهاء، ضيف حلَّ بنا الأيام المنصرمة ولم يبقَ له سوى يومان أو ثلاثة، ثم يمضي مرتحلاً ليغيب عاماً ويعود ضيفاً يحل على الناس بموائد كرم الله عزَّ وجل وإحسانه، فهنيئاً لمن صام وقام، وهنيئاً لمن تبتل وذكر واستغفر، هنيئاً لمن جعل هذا الشهر منعطفاً في حياته فأقبل فيه بعد إدبار، وأصلح فيه بعد فساد، واستقام فيه بعد اعوجاج، أقبل فيه على الله إقبالاً صادقاً فاكتسب أعظم غنيمة في الدنيا ألا وهي صفة التقوى، وتعني هذه الصفة وتعني هذه الصفة الوقوف عند حدود الله بالتزام طاعته واجتناب معاصيه، وجنى العظيم من الثمرات ومنها: غفر له ما تقدم من ذنبه، وما أعظمها من غنيمة أن يفغر الله ما تقدم من الذنب ما اجتنبت الكبائر، وما لم يكن فيها حقوق للعباد، وقد تغتفر الكبائر أيضاً إذا صحت التوبة من العبد والندامة؛ إذ قال ربنا تبارك وتعالى:[ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ]
أيها المسلمون: لقد ربط ربنا تبارك وتعالى بين الصوم وصفة التقوى، أي أن الثمرة التي يجنيها العبد هي هذه الصفة العظيمة وإذا أردنا أن نترجم هذه الصفة بصورة سلوكية، فإننا نستطيع أن نقول: أن يكتسب الإنسان من صومه حسن الخلق، وحسن الخلق حجر الزاوية في ديننا، والثمرة التي ينبغي أن تتحقق في سلوك الإنسان من صلاته وصومه وزكاته وحجه، فالصوم ليس مجرد حرمان من الطعام والشراب، الصيام تربية، الصيام إيقاظٌ لمشاعر مراقبة الله عزَّ وجلفي القلب ليسمو صاحبه إلى الاستقامة إلى التقوى إلى الأمانة، أما قال النبي: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له"، فهناك تلازم بين الدين والخلق الحسن، بين أركان هذا الدين وبين الاستقامة السلوكية، أن أصلي في المسجد وأؤذي جاري، أو أن الصلاة في المسجد مجرد نفاق مجرد مظهر لا قيمة له ولا رصيد له، أن أكون في الصف الأول في المسجد وأغش في معاملتي، وأكذب على الناس وأخون في الأمانة، أي دين هذا وأي صلاة هذه وأي صيام هذا إذا لم يقُدْني إلى الخلق الحسن مع الآخرين بدأ من الخلق الحسن مع الله بتقواه ومخافته والوفاء له سبحانه وتعالى إزاء النعم الجليلة التي أكرمنا الله عزَّ وجل بها إزاء الأمانة التي عهد إلينا بها ؟! أي صلاة وأي صيام إذا لم تكن هذه العبادة قد ارتقت بنا إلى السلوك القويم إلى الخلق السليم إلى الأمانة إلى حسن التعامل؟! أي صلاة وأي عبادة هذه فيمن يعق والديه ويقطع أرحامه؟! لا قيمة لهذه العبادة إذا لم تنتج فيك خلقاً يسمو بك إلى البر، يسمو بك إلى الإخلاص، يسمو بك إلى الأمانة، يسمو بك إلى الصدق، يسمو بك إلى حسن التعامل مع الآخرين. لاحظوا التلازم بين الإيمان وبين حسن الخلق في قوله سبحانه
[وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا]
-حتى لو كان الوالدان كافرين، فإنك مكلف ببرهما وحسن معاملتهما فيما لا يتعارض مع عقيدتك ودينك– [وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ] – امشِ في طريق التائبين الراجعين إلى الله الصادقين مع الله - [ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون]َ لاحظوا التلازم بين السلوك القويم والأخلاق السليمة ووبين أثر الرقابة لله عزَّ وجل والشعور بهول الموقف بين يديه عزَّ وجل. هذا هو الذي يدفعك إلى حسن الخلق، وهذا الذي تنميه فيك مخافة الله عزَّ وجل ومحبته والشعور بهول الموقف غداً بين يديه عندما تقف بين يديه فيقول[وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُون] يسألك عن بر والديك، يسألك عن حقوق المتعاملين معك، يسألك عن حقوق أرحامك، نعم واسمع وصية لقمان "يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ" أين تريد أن تخفي معصيتك؟ من تريد أن تخدع؟ من؟ أنت تتعامل مع الله. ظاهر المعاملة مع الخلق لكن حقيقة المعاملة أنها مع الله عزَّ وجل، فأنت عندما تبر والديك تؤدي واجباً دينياً، وأنت عندما تصدق في المعاملة تؤدي مسؤولية دينية، وأنت عندما تكون أميناً في معاملتك تؤدي واجباً دينياً، سيسألك الله عنه نعم قد تحاسب عليه في الدنيا هنا وقد لا تحاسب، ولكن لا مفر من المسؤولية بين يدي الله "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور" وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ – التكبر على الناس خلق ذميم، خلق سيء، خلق يهان صاحبه عند الله عزَّ وجل- [وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ] لاحظوا التلازم بين المعنى الإيماني والمعنى السلوكي، بين الأخلاق ومراقبة الله عزَّ وجل وبين العبادة، ويقول سبحانه: [وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ] ارجعوا إلى محاكمنا وانظروا في الخلافات التي فيها، لا شك أن فيها ظالماً ومظلوماً، ظالم يرد أن يأكل حق الآخرين ومظلوم قد اعتدي عليه وصار حقه في بطن الظالمين [وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ] قد تنجو في المحكمة، وقد تستطيع أن تخدع القضاة أو أن ترشيهم، ولكن هل يمكن أن تفلت من قبضة رب العزة جلَّ شأنه [وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ]
[ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] –حقوق اليتامى أين هي ؟ ضيعنا الأمانة وخنّا الحقوق-
[وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ] [وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ] [وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً] ألم يقل الله سبحانه: [وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ]
أجل أقول لا دين لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا أخلاق له، ولا يمكن للأخلاق أن تسير في مجتمع لا دين فيه. إن أشد أنواع الجرائم خطورة هي هناك في الغرب حيث يتصور الناس من خلال سطوة القانون والمراقبة أنهم على أخلاق. إنها أخلاق مصلحية، إنها أخلاق اقتصادية، وليست أخلاقاً حقيقة، إنها أخلاق نفاق ليستطيع بها أن يصل إلى مقصده، فإذا اصطدم مقصده مع تلك الأخلاق رمى تلك الأخلاق تحت قدميه وبحث عن المصلحة التي يتوصل إليها، وما الذرائعية إلا مظهراً من مظاهر النظرية الغربية في الأخلاق.
لتتمة قراءة الخطبة من خلال تحميل الملف أدناه


تشغيل

صوتي