مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 16/05/2014

خطبة الدكتور توفيق البوطي: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته


كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد: فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( وقال سبحانه: )وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ( ويقول جلَّ شأنه: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ # إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ# فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ # الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ( وروى البيهقي عن ابن عباس yعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلم أن فيهم أولى بذلك وأعلم بكتاب الله وسنة نبيه، فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين».
أيها المسلمون: لقد امتن الله سبحانه وتعالى على قريش بنعمتين خلدَّ ذكرهما في كتابه، من أجلِّ النعم بعد الهداية، الكفاية في الرزق والأمن من الخوف، نعمتان جليلتان عظيمتان ما ينبغي أن يستخف الإنسان بهما، فإذا ما كنت آمناً في سربك معافاً في بدنك عندك قوت يومك، فكأنما حيزت لك الدنيا بما فيها. والفقر والحاجة ندان للكفر، وكاد الفقر أن يكون كفراً ، والخوف حالة لا يعلم خطرها إلا من ذاقها، من ذاقها بعد أمان بعد طمأنينة، بعد نعمة تفيأها في حالة من الأمان والطمأنينة، يخرج في ليله أو نهاره فلا يعترضه خطر، ولا يناله مكروه. فإذا ما فقد تلك الحالة الآمنة، أدرك كم كانت النعمة التي كان يتفيؤها، وكم كان عظيماً فضل الله سبحانه وتعالى عليه إذ أكرمه بنعمة الأمن.
لقد مرت بنا حالة أريدَ أن تعم بها في بلادنا الفتنة والفوضى، فصرنا إلى حالة من البؤس والشقاء والتشرد والفقر والفاقة، وانعدام الأمن. والذين نفخوا بنار تلك الفتنة يضيق صدرهم أن تستعيد بلادنا عافيتها، ولا عافية بدون ولي أمر، ولا يمكن لبلد أن يتفيأ ظلال العافية من الخوف ويعيش في حالة من الأمن والطمأنينة، ولا أن تنال حالة الكفاية في ظل فوضى تضرب أطنابها في أرجاء الأرض... ترى عندما نخسر النظام. نظام الحياة نظام الدولة نظام الوجود كيف تكون الحياة ؟
وإذا لم يكن ثمة ولي أمر فما البديل؟ ما هو البديل؟ البديل ما نحن فيه. بل نحن الآن بألف نعمة على ما فينا من خطر وجوع وخوف وغيره إذا ما فقدنا صمام الأمان، وصمام الأمان ولي الأمر. لا ينبغي أن نستخف بنعمة الله سبحانه وتعالى.
البديل: مزيد من الفوضى والاضطراب، ولذلك نجد أن قوى الشر في العالم تسعى جاهدة لنشر مزيد من الفوضى والاضطراب في بلادنا لتحقيق دمار البقية الباقية من الوطن، وهلاك البقية الباقية من الأمة.
البديل تفاقُمُ الفتنة والصراع بين أبناء الأمة، وضمانة الاستقرار بوجود ولي الأمر الذي يؤتمن على مقدرات هذه الأمة وسلامة هذا الوطن، يؤتمن على سلامة هذه الأمة، سلامة هذا الوطن ومقدراته. وهو مسؤول أمام الأمة، وقبل أن يكون مسؤولاً أمام الأمة، هو مسؤول أمام الله عز وجل.
الصحابة الكرام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان ولي أمر الأمة في حياته لم تتم الصلاة عليه ودفنه إلا بعد مبايعة أبي بكر رضي الله عنه؛ لأن عدم وجود ولي أمر يعني أن تشيع الفوضى في الأمة وتتمزق ويشيع فيها الفساد، وتشيع فيها الفتنة، فأمةٌ لا ينضبط فيا النظام أمة تشيع فيها الفوضى والقتل والخوف وانعدام الأمان.
على الأمة أن تتخير الأفضل فهي مؤتمنة على مقدراتها. عليها أن تتخير الأفضل، وهذا واجب، واجب أن تبحث لنفسها عمن يؤتمن على مقدراتها وسلامة مستقبلها، ثم على الأمة أن تكون إزاء ولي الأمر ناصحة، لا تنافق له، ولا تزين له المنكر، تأمره بالمعروف بمعروف، وتنهاه عن المنكر بحكمة، وترده إلى الصواب بنصح.
الأمة مؤتمنة، مؤتمنة كما أنه لابد من وجود لها ولي أمر هي مؤتمنة على سلامة سير ولي الأمر بأن توجهه إلى الخير، وتحول بينه وبين الخطأ والانحراف، أن تأخذ على يده كما أمر ربنا تبارك وتعالى، بالنصيحة لولي الأمر، والنصيحة لعامة المسلمين، والنصيحة لخاصة المسلمين، كلنا مطالبٌ بأن نُنْصح وأن نَنْصح وأن نتقبل النصح على أتم وجه، علينا أن نكون يداً في العون مع أيٍ امرئ يتولى أمر هذه الأمة؛ يؤتمن على مقدراتها، بحيث يسير على جادة الحق والصواب والسداد، وعلينا أن نحسن الاختيار، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عدّ تولية ولي الأمر لرجل ما على أمر ما، دون مستوى الكفاءة التي ينبغي أن يكون عليها، خيانة لله وللرسول وللأمة؛ فكيف بنا نختار من هو الأدنى، أو لا نختار وندع الأمة في حالة فوضى وفي حالة اضطراب.
هذا ما يمكن أن يوجه للأمة في هذا المجال، أما بالنسبة لمن يتولى أمرها فإننا نقول له: اتق الله في حق نفسك، ثم اتق الله في حق من استرعاك الله أمرهم من تراب هذا الوطن ومقدراته ومن أبناء هذه الأمة وأفرادها، ونقول له: عندما كنت فرداً في بيتك كنت مسؤولاً عن نفسك، فإذ ولاك الله أمر هذه الأمر - والتولية قدرٌ من الله عز وجل له أسبابه – فالله عز وجل يقول : )قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( أياً كان من ولاه الله عزوجل أمر هذه الأمة فليتق الله في حقها، وليتق الله في دينها، وليتق الله في دنياها ومصالحها، وليتق الله في سلامتها ودمائها وأعراضها، ليتق الله فمسؤوليته كبيرة.
عندما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة قال: (إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، فقيل له: إن أسأت قومناك بسيوفنا، قال: نعم ) اطمأن لسلامته عندما وجد في الأمة من يقومه ويعيده إلى رشده وصوابه، وأبو بكر رضي الله عنه قال: ( ألا إن أقواكم عندي ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، و إن أضعفكم قوي عندي حتى آخذ الحق له) بدون المناصحة لا يمكن للمجتمع أن يقوم، والمناصحة من ولي الأمر للأمة، والمناصحة من الأمة لولي الأمر تعيد للأمة أمنها وأمانها، وازدهارها وطمأنينتها ، وإنها لمسؤولية قائمة في عنق كل فرد، بدأً من ولي الأمر وانتهاءً عند أصغر فرد في هذا المجتمع أن نكون حماة لسلامة هذه الأمة، حماة لسلامة هذا الوطن، مؤتمنين على دين هذه الأمة وأخلاقها وأعراضها وأموالها ومصالحها ومقدراتها.
أسأل الله سبحانه أن يلهمنا السداد والرشاد، وأن يلهمنا جميعاً لما فيه خير هذه الأمة وخير دنيانا وآخرتنا.
خطبة الجمعة 16-5-2014


تشغيل

صوتي