مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 18/04/2014

خطبة الدكتور توفيق البوطي: صفات عباد الرحمن 2


صفات عباد الرحمن 2
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد، فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم : )وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا # وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا # وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا # إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا # وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا # وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا # يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا # إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا # وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا # وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا(
أيها المسلمون: نتابع التأمل في صفات عباد الرحمن، من أبرز وأهم صفات عباد الرحمن، توحيد الله وعدم الإشراك به، والتوحيد أمر اعتقادي وسلوكي، أما الاعتقاديّ: فأن يؤمن بالله وحده لا شريك له، إلهاً لا يشركه في الذات ولا في صفاته غيره، لا يعتقد بألوهية أحد سواه، أما الجانب السلوكي فهو أن لا يتصرف أي تصرف فيه عبادة لغير الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه يقول: )وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ( وهو أمر خطير: بأن يوصف الأكثر بالشرك، وهو الشرك السلوكي، ويمكن أن يكون ذلك صريحاً في السجود لغير الله، كما يكون في عملٍ يؤثر فيه طاعة غير الله على طاعة الله، يؤثر طاعة النفس والهوى على طاعة الله سبحانه وتعالى، وكذلك طاعة أي مخلوق يؤثرها على طاعة الله عزَّ وجل هو لون من الشرك السلوكي، ولعل من أخطر أنواع الشرك السلوكي أن يعمل العمل الذي يُقصَد به وجه الله فيقصد به ثناء الناس وهو الرياء، والرياء شِرك يحبط عمل صاحبه، لا يوصف صاحبه بأنه كافر؛ لكنه أشرك مع الله غيره في عمل مما يؤدي إلى إحباط هذا العمل وفوات أجره.
وتوحيد الله عزَّ وجل إذا ما تحقق في حياتنا توحيداً في الاعتقاد وتوحيداً في السلوك، أعتقد أنه سيرقى بنا إلى درجات عظيمة من القبول عند الله عزَّ وجل، وليس من السهل أن تطهر قلبك من أي شرك بحيث لا تخشى أحداً غير الله، ولا ترجو أحداً غير الله، ولا تخاف أحداً غير الله. وأن يكون توجهك في عبادتك دائما لله؛ عندما تتأمل هذا الكون وسيره، وعندما تتأمل نفسك ونظام حياتك وجسدك وخلايا هذا الجسد، وتنظر فيمن يدبر لك الأمر كله في هذا الكيان البشري الذي يتمثل فيما بين جنبيك، عندما تتأمل كل ذلك، وتدرك بكل بساطة أنه لا إله إلا الله، وأنه لا صانع ولا خالق ولا مدبر إلا الله، وعندما تدرك أنه لا خالق ولا مدبر ولا نافع ولا ضار إلا الله لن تشرك بالله غيره في سلوكك، فالشرك في السلوك نتيجة لضعف الإيمان وضعف العقيدة بتوحيد الله عزَّ وجل.
والأمر الآخر الذي قرنه الله عزَّ وجل بمسألة التوحيد في قوله )والّذين لا يدعون مع اللّه إِلَهًا آخر) هو )ولا يقتلون النّفْس الَّتي حرّم اللّه إلَّا بالحقّ( إنه القتل، جُمِع القتل إلى جانب الشرك، لأن خطورة القتل خطورةٌ ما مثلها؛ أشار إليها البيان الإلهي في مواضع متعددة من كتابه، وأشار إليها النبي r في كثير من الأحاديث في التحذير منها، ويكفي قوله سبحانه وتعالى: )ومن يقتل مؤمنًا مّتعمّدًا فجزآؤهُ جهنّم خالدًا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأَعدّ له عذابًا عظيمًا( القتل: تلك المشكلة التي أصبحت بسيطة في عصرنا هذا، يستهان بها فلا يبالى بسفك الدماء هنا وهناك؛ بل لقد سُلمت الأسلحة القاتلة للأطفال؛ لكي يشيع القتل في أرجاء الأرض هنا وهناك دون مبالاة بما يترتب على ذلك من نتائج في الدنيا وعواقب في الآخرة. ما هذه الاستهانة بأخطر ما هُدّد به الإنسان بعقوبته يوم القيامة؟ إن أول ما سيسأل عنه الإنسان غداً بين يدي الله عزَّ وجل هو الدماء، ولم يتوعد ربنا تبارك وتعالى وعيداً في كتابه على أمرٍ كما توعد على القتل عندما قال: )ومن يقتل مؤمِنًا مّتعمِّدًا فجزآؤه جهنّمُ خالِدًا فيها وَغضب اللّه عليه ولعنه وأَعدَّ له عذابًا عظِيمًا( توعده بالخلود في نار جهنم، وتوعده باللعنة، توعده بوعيد ما ورد في كتاب الله أشد منه، ومع ذلك تجد اليوم من يستهين بسفك الدماء جملة وتفصيلاً جماعات وأفرادا، من تفخيخ سيارات، وقذائف تصل إلى البيوت والمدارس والمساجد وغير ذلك، باسم الجهاد يقتل الأطفال يُقَتَّل النساء يُقتَّل الأبرياء، وباسم الإصلاح يعيثون في الأرض فسادا، أي حد يمكن أن يصل بنا هذا الأمر، بأي وصف يمكن أن يوصف! وأن يوصف بأن هذا هو الإسلام، هذه أشد من الجريمة ذاتها، الجريمة جريمة، وجريمة قذرة سيئة بالغة السوء. ولكن أن يوصف بأن هذا هو الإسلام تلك هي الجريمة الأخطر، أن يُساء إلى الإسلام باسم الإسلام، وأن يتهم الإسلام بتلك الأعمال الشنيعة التي ترتكب هنا وهناك. أنا لا أعرف في تاريخ الأمة من سمى هذا العمل الذي نراه اليوم جهاداً، الذين يرتكبون الجرائم بحق المسلمين في بورما أو في غيرها مجرمون وقتلة؛ ولكنهم لا يدعون أن هذا هو الإسلام، بل يقولون إنهم يحاربون بذلك الإسلام، أما أن يحارب الإسلام باسم الإسلام، فتلك جريمة أشنع بكثير: الوحشية التي نراها في جرائم بورما وغيرها هنا وهناك بحق المسلمين في أواسط أفريقيا أو في غيرها، جريمة لاشك في أنها في منتهى الوحشية والهمجية، وسكوت المؤسسات الدولية والمنظمات الإنسانية المزعومة على تلك الجرائم جريمة تضاف إلى جرائمهم، بينما لسان حالهم يقول:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب كاملٍ مسألة... يبحث فيها
سكوت المنظمات عنها اليوم، بينما يرفعون عقيرتهم تجاه أمور تجري في بلادنا، فتقوم لها الدنيا وتقعد دون أن يبحثوا عن مخرج، ودون أن يضعوا حلولاً؛ بل الحل أن يمدوا القتلة بالسلاح، الحل هو أن تُغذى الجريمة بوسائلها، الحل عندهم أن يتمادى العالم الذي يدعي الحضارة في إمداد تلك الوحوش البشرية بالسلاح: هذه هي المشكلة، المشكلة أن يسكتوا على إبادة شعب مسلم بكامله بأقصى وأسوأ وأقذر وسائل القتل التي لا يمكن تصورها من إحراق إلى غير ذلك، ثم ينظروا إلى خلافات في بلادنا فيغذونها ويمدون أصحابها بالسلاح والعتاد وغير ذلك، ثم يقولون: (مأساة إنسانية في سورية) نعم إنها مأساة إنسانية ترتكبها أميركا، مأساة إنسانية ترتكبها أوربة، جريمة إنسانية يرتكبها أولئك الأوغاد الذين يريدون تدمير هذه الأمة بيد أبناء هذه الأمة، يريدون أن يقتل الأخ أخاه، والجار جاره، يزينون لهم وسائل الإجرام والقتل باسم الحرية وباسم الإصلاح وغير ذلك....
لتتمة القراءة من خلال تحميل الملف أدناه


تشغيل

صوتي