مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 15/02/2014

خطبة الدكتور توفيق: منطق الدعوة إلا الله في الإسلام


منطق الدعوة إلا الله في الإسلام
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد، فيا أيها المسلمون، يقول الله سبحانه في كتابه الكريم: )وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ #وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ #وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(، وقال سبحانه: )ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(، ويقول سبحانه: )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ(، وقال جلَّ شأنه: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ(
روى مسلم عن أبي هريرة tعنه قال: قال رسول الله r: "إنما مثلي ومثل أمتي، كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تَحَقَّمُون فيه" وقال r: "إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه"
أيها المسلمون: في هذا الزمن الصعب، زمن الجاهلية الثانية بأسوأ أحوالها وأحلك ظروفها، كم نحن بحاجة إلى أن نحيي الدعوة إلى الله عزَّ وجل صافية من الكدر، خالصة من الشوائب، سليمة من كل ما يمكن أن يعود عليها بالتشويه والإساءة. منهج الدعوة إلى الله منهج الرفق، منهج الدعوة إلى الله منهج: بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا. هذا هو منهج الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، بينما نجد اليوم من يدعي أنه يريد أن ينهض بشأن دين الله، ويقيم شرع الله، يسلك إلى ذلك سبيل التنفير من الدين وتشويه معالمه، والإساءة من خلال سلوكه الفظ إلى رونق هذا الدين، أمرنا الله عزَّ وجل أن ندعو إليه بالحكمة وبالتي هي أحسن )ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ(، أمرنا أن ندعو إليه بالحوار وأي حوار؟ الحوار القائم على العلم والحجة والبرهان )هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(، الحوار القائم على البحث عن الحقيقة بصفاء وإخلاص وحكمة، الحوار المعتمد على الحجة والبرهان، لا على الكبت والقهر والقمع، النبي rجعل في مقابل التبشير التنفير. هناك اليوم من يدعي أنه يريد أن ينهض بالدعوة إلى الله وينصر دين الله بأسلوب التنفير، ويسيء إلى الإسلام باسم الإسلام، كفى ! لقد اتضحت المعالم وانكشفت الصورة، ولم تعد الأمور غائبة عن الرؤية الصحيحة. لم يعد الأمر ملتبساً، صارت المسألة واضحة، والمسالة في الحقيقة ليست بيني وبينك، ليست بين هذا الإنسان وأخيه الإنسان. المسألة محاربة لله باسم دين الله، والتحالف بين هؤلاء وبين أعداء الله أصبح تحت الشمس، أصبح جلياً واضحاً، يؤيدونهم بالسلاح، يؤيدونهم بالقوة، يؤيدون بكل الوسائل في سبيل تشويه دين الله باسم دين الله، وهناك من يمكن أن يؤازرهم أو أن يسول لهم ويزين لهم ممن يدعون العلم. لقد انكشفت الصورة ولم يعد لمعتذر عذر، ولم يعد لمن يدعي أن المسألة التبست عليه من مسوغ لهذا الالتباس، غدت الصورة واضحة، حلف الشيطان واضح لا أقول في مقابلة دولة أو نظام أو غير ذلك... بل في مقابل دين الله، أنا لا أبحث عن مؤتمر يعقد في أوربة من أجل حل مشكلتنا، أريد أن تحل مشكلتنا نحن كمسلمين إزاء من يشوه الإسلام، نحن لا نلتمس لهذا الأمر حلاً عند مجلس الأمن أو الأمم المتحدة أو الأحلاف، إنما نلتمس له حلاً في هدي ربنا وفي ديننا نحن، )لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ( ألا يزال ثمة التباس في الصورة وغموض في حقائق الأمور ؟! ألم تتضح الصورة جيداً ؟! أنا هنا لا أريد أن أناقش أموراً سياسية أريد أن أعرض مسألة واحدة: هل هذا الذي يجري باسم الإسلام هو حقيقةً يمثل الإسلام؟ أم يمثل الإساءة إلى الإسلام؟ كفى..! ينبغي أن نكون على بينة من أمرنا، وعلى وضوح في الرؤية والحذر )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ( وأخذ الحذر ممن يريد أن يشوه الإسلام باسم الإسلام مسألة أخطر من القضايا السياسية والأنظمة الحاكمة وغير ذلك، طبعاً المسائل ترتبط ببعضها، ولكن عندما نعالج هذه المسالة بالذات ينبغي أن نكون على بينة من الأمر ؛ لأنهم امتطوا صهوة الدين لكي يحققوا مأربهم باسم الدين والهدف هو محاربة الدين، قلناها منذ اليوم الأول، وحذرنا منذ اليوم الأول، ولكن وجدوا لأنفسهم منافقين أججوا نار هذه الفتنة، وأوقدوا من تحتها وسائل التحريض والإثارة في سبيل الوصول إلى هدف خسيس، ذهب ضحيتها كثيرٌ من المغرر بهم من شباب مشكلتهم الجهل، والافتقار إلى نوع من الوعي والثقافة والحذر، ووضع موازين الشريعة التي ضُيعت بأيدي بعض من يدعون الشريعة ويدعون المعرفة بها، والله تعالى يقول :)وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ (
أيها المسلمون: إن محالفة أعداء الله عزَّ وجل دليل على الانحراف في النهج، ومن شأنه أن يؤدي إلى ما نرى من دمار وخراب وسفك دماء، ووطننا وديننا لن يغار عليه أعداؤه، ولن يحرص على سلامته خصومه، الذين يرتمون في أحضان العدو التماساً لحل مشكلتنا، هم كالمستجير من الرمضاء بالنار، أعداؤنا هؤلاء هم أصل محنتنا، ومن سار في فلكهم إنما يسير في طريق نهايته الدمار في الدنيا، والشقاء الأبدي في الآخرة.
منهج دعوتنا ننهله من سنة نينا ومن كتاب ربنا، )ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ(
لقد وضعوا لأنفسهم منهجاً آخر، سلوا من هم الآن تحت نفوذهم وتحت سطوتهم، كم تفيؤوا ظلال نعمة الإسلام عندهم ؟ أي إسلام هذا الذي يجعل الإنسان يشمئز أو يرتعش خوفاً وهلعاً من إسلام الخوف والقهر وسفك الدماء، إسلامنا إسلام قال فيه الله عزَّ وجل )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( إسلامنا هو ذلك الذي عبر عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: "إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحجزكم" نار تشتعل هناك، الناس والفراش والدواب اندفعت إلى تلك النار، المشفق عليهم، صار يشدهم إليه: يناديهم: تعالوا لا تقعوا في النار. أجل ديننا إنقاذ من النار، لا رمي في النار، ديننا رحمة وليس قسوة، ديننا إنقاذ وليس إهلاكاً )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ(، ) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ (، هذا ديننا.. هذه رسالتنا.. هذا مبدؤنا. وسلامة الأمة بمقدار ما تلتمس من هذا النور.. من هذا الهدي.. من هذا النهج مسلكَها وطريقَها وأسلوبَ دعوتها ونظام حياتها.
أتريدون أن نقع في النار؟ إذاً فالتمسوا النار من دول الاستكبار، هناك يبحثون لأنفسهم عن مخرج من دول القهر، من الدول التي ترعى وتحمي وتؤيد مغتصبي المسجد الأقصى، هل أولئك الذين هم الذين سيبحثون عن حل لمشكلتنا ؟ إنهم هم مشكلتنا )هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ(.
آن الأوان أن نستيقظ، آن الأوان أن نرجع إلى الله، وأن يرحم بعضنا بعضاً، وأن يشفق بعضنا على بعض. أتريدون أن يرحمنا الله عزَّ وجل؟ ويجعل لنا من هذا الضيق فرجاً ومخرجاً ؟ إذاً فلْتفِضْ قلوبُنا رأفة ورحمة على فقرائنا على مشردينا، لا أن نمعن في تشريدهم، لا أن نمعن في استغلالهم، لا أن نستغل حاجتهم، والراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، أتريدون حلاً لمشكلتكم ؟ في كتاب الله وهدي رسوله، في المنهج العلمي، لا في تلك الجهالة التي نراها هنا وهناك، في الرفق في الرحمة في التبشير في التيسير.
منهجهم عسروا ولا تيسروا، ومنهج رسول الله يسروا ولا تعسروا.
فإذا أردتم مخرجاً من هذا الذي نحن فيه، المخرج يتمثل في أمرين: الأول منهما: أن نسلك سبيل الدعوة التي رسمها رسول الله وكتاب الله لنا )ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (، من طريق العلم والحجة والبرهان والمعرفة والنور، لا من طريق التأفف والتضجر وكفران النعمة والجحود، والأمر الآخر هو أن نعود إلى اللحمة الاجتماعية فنقيمها على أساس من التراحم والتعاطف والتعاون لا على أساس الاستغلال والجشع والتنكر لروابط الأخوة والمحبة "المسلم أخو المسلم لا يظلمه لا يسلمه لا يحقره" "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" هذا هو المنهج، أمران إذا فعلناهما أرجو الله عزَ وجل أن يجعل لنا من هذا الضيق مخرجا. والحمد لله رب العالمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
من الخطبة الثانية
أيها المسلمون: عندما أقمنا صلاة الاستسقاء كانت عهداً بيننا وبين ربنا على التوبة والإنابة، كانت استغفاراً، كانت إنابة، وأنا أذكر نفسي وأذكركم جميعاً وأذكر كل مسلم يسمع كلامي أن نجدد ونؤكد عهد التوبة إلى الله، عهد الاستغفار، فالاستغفار صلح مع الله عزَّ وجل، والصلح مع الله عهد وميثاق، فلنسعَ لوفاء هذا العهد، ولنسعى ولنصدق في الالتزام به، وليعد كل منا إلى نفسه فليحاسب نفسه )كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (، حاسبوا أنفسكم، فمحاسبتكم لأنفسكم في كل ليلة قبل أن يأوي أحدنا إلى فراشه؛ لعلها تجعل هذا الإنسان عرضة لرحمة الله عزَّ وجل، فإن كَثُر الأنين على باب الله عزَّ وجل أوشكت رحمة الله أن تعم، وتشملنا برحمته وواسع إحسانه سبحانه.
خطبة الجمعة 14 -2-2014


تشغيل

صوتي