مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 31/01/2014

خطبة الدكتور توفيق: (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ)


)فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ(
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون: يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم : )وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا # كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا # وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا # وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا # وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا # قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا # لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا #وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا # فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا #أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا # وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا # وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا( ويقول سبحانه: ) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ( ويقول جلَّ شأنه: )وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ( روى البخاري عن أنس بن مالك قال: أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فقال يا رسول الله: هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يدعو ورفع الناس أيديهم معه يدعون، قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى فأتى الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فاستقبله وهو قائما فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والآجام والظراب والأودية ومنابت الشجر" قال: فانقطعت، وخرجنا نمشي في الشمس.
وانظروا إلى الحديث الصحيح الذي يرويه علماء الحديث ويصححه ابن كثير: أن بلال بن الحارث رضي الله عنه أراد أن يذبح شاة عام الرمادة لأهله فذبحها، وإذ بعظامها حمراء من شدة الهزل، فمضى رأساً إلى قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وناداه: يا محمداه استسق لأمتك. والحديث سنورده بكامله إن شاء الله.
أيها المسلمون: تأملوا السماء تأملوا الأيام التي نعيش فيها أنحن في صيف أم في شتاء، في أي شهر نحن؟ في أي موسم نحن؟ وفي أي حال نحن؟ المرء يتفيأ ظلال النعمة ويعيش في بركة المولى سبحانه وتعالى وعطائه، وتأتي النعم تترا، فيشرد في غفلته ويطول عليه الأمل في نعمة فيقسو قلبه، فيبتعد عن ربه فيستمر في المعصية لتأتي بعد ذلك سياط التأديب رحمة به، و إيقاظاً له وإحياء لميت التذكر في قلبه، أن يعود إلى رشده أن يعود إلى من أنعم عليه أن يعود إلى من أكرمه، أن يعود إلى من خلقه، أن يعود إلى من بيده مصيره، أن يعود إلى من سيقف غداً بين يديه فيحاسبه على ما كان قد فرط، وعلى ما كان قد ارتكب، على غفلته.. على شروده.. على ظلمه.. ومعاصيه، كم من النعم أكرمنا الله عز وجلَّ بها تفيئنا ظلالها كثيراً ثم نسينا المنعم وغرقنا في بحر النعم، شردنا عن المنعم وتركنا أوامره وارتكبنا نواهيه، وعصينا وظلمنا وبغينا واعتدينا وغفلنا عن الله عزَّ وجل، استمرأنا المعصية، وارتكبنا شتى المعاصي؛ بينما رحمة الله تبارك وتعالى تظللنا وتحيط بنا وتكرمنا بالكثير الكثير من نعمه، كم عاشت هذه البلاد بنعمة الأمن والأمان، كم عاشت في نعمة المعاهد الدينية والشرعية، كم عاشت هذه البلاد تتفيأ ظلال الاستقرار والأمان والطمأنينة، حتى غدت مضرب المثل في الأمان في العالم كله، فبماذا استعملنا تلك النعمة؟ شوارعنا تشهد، وبيوتنا تشهد، وما نحن الآن فيه يشهد. تجرأنا بنعم الله على محاربة دين الله، وعلى استدبار أوامر الله عصينا بنعمة الله من أنعم علينا بتلك النعم، واستعملنا النعم في مخالفة أمره، والجرأة على انتهاك حدوده ، تركنا أوامره وارتكبنا نواهيه.
عد بنا إلى أسواقنا فانظر إلى التعامل فيما بيننا، اذهب إلى دوائرنا وانظر ما يجري فيها من ظلم وبغي ورشوة واستغلال، وغير ذلك، امضي إلى بيوتنا فانظر إلى تقطيع الأرحام وانظر إلى عقوق الوالدين، وانظر إلى سوء الجوار، انظر إلى حالة الأمانة كيف خناها، وانظر إلى اختلاط النساء والرجال على النحو الذي لا يرضي الله عزَّ وجل ويخالف حدوده، انظر إلى شباب المسلمين انظر إلى بنات المسلمين، انظر في مخالفاتهن للقواعد الأخلاقية واقتدائهن بساقطات العالم الغربي وفاجرات العالم الساقط، انتشرت فيهم الأمراض فصرنا نبحث عن تلك الأمراض، تمزقت فيهم الأسرة فصرنا نحارب تماسك الأسرة ، انظر أين هي الأخلاق؟ أين هو الحياء؟ أين هي العفة؟ أين هو التواصل؟ أين هو التراحم؟ أين هي الأمانة؟ أين هي الصلاة؟ أين هو الصيام؟ أين هي الزكاة؟ أين هي حدود الله؟ حتى الحج حيل بين الناس وبينه، ووقف الطغاة البغاة يحولون بين عباد الله وحج بيت الله عزَّ وجل.
كل الأمور تحتاج منا إلى مراجعة للذات، تحتاج منا إلى توبة. استمرأنا المعصية، وصار إمامنا الشاشة. وسبيلنا إلى الوصول إلى شهواتنا ورغباتنا، ومدرستنا وقبلتنا وقدوتنا تلك الشاشة الخبيثة التي نفتحها على آفاق واسعة لننظر ما يجري في دور العهر والفجور، فتتعلم بناتنا وشبابنا الأخلاق القذرة التي من شأنها نشر الخيانة والفساد واستمراء الرذيلة في مجتمعاتنا، أضف إلى ذلك أننا نجد هناك من يحارب العفة بمنهجية، ويحارب الأخلاق بطريقة خبيثة، ويحارب تماسك الأسرة بوسائل شتى، كل ذلك قد انتشر فيما بيننا، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: )وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ( عندما نجد المصائب قد حلت بنا، فلنبحث في هذه الآية القرآنية وبهذه الحكمة الربانية التي لقننا إياها ربنا عن سبب ما حل بنا، وعن سبب المصيبة التي نزلت بنا. لنبحث في سلوكنا، وأخلاقنا، في أسواقنا في معاملاتنا، في تربيتنا لأبنائنا، في تجرئنا على حدود الله عزَّ وجل، في موالاتنا للعدو ومحاربتنا لوطننا، كل هذا سواء على الصعيد الفردي أو الصعيد العام. نجد أن هناك من مدَّ يده ليصافح العدو ليخون وطنه، وتآمر على وطنه ليمزقه أشلاءً وأشتاتاً، نعم وضعوا رؤوسهم خانعة تحت أقدام أمريكا، تحت أقدام الغرب، وضعوا رؤوسهم خانعة وارتضوا أن يمزقوا سوريا إلى أجزاء، وهم المعترفون بذلك وهم المقرون بذلك، أنا لا أتهمهم.. قد اعترفوا وأقروا على أنفسهم أنهم وقعوا على تمزيق وطنكم، أنهم وقعوا على تفتيت بلادكم، نعم سمعتهم ورأيتهم كذلك يقولون.
إنها معاصٍ ومعاصٍ كثيرة، معاصٍ في بيوتنا، معاصٍ في أسواقنا، معاصٍ على الصعيد الدولي، معاص في كل جوانب حياتنا ثم بعد ذلك يجدون لأنفسهم المبررات بلحاهم وبعمائمهم لتفتيت هذا الوطن، ولتمزيق هذه البلاد. وباسم الإسلام يحاربون الإسلام، وباسم الحرية يدفنون الحرية، وباسم الإصلاح يفسدون في الأرض.
لنعد إلى ربنا أيها الناس، لنعد فلنصلح بيوتنا، نحن لا نملك منابر الأمم المتحدة ولا نملك كراسيَّ في مجلس الأمن، ولكن نملك أن نربي أولادنا على الأخلاق الفاضلة، نملك أن نعود بأنفسنا إلى الاستقامة، نملك أن نتوب ونبسط أكفنا إلى الله عزَّ وجل ونقول: يا رب عدنا إليك.
والله لئن تبنا ليجمعنَّ الله الكلمة وليصلحنَّ الله تعالى الحال، وليرفعنَّ الله سبحانه وتعالى عنا الظلم، وليصلحنَّ الله سبحانه وتعالى فيما بيننا، وليجعلنَّ كيد من يكيد هذه الأمة في نحره ، ومكر من يمكر بها عائد عليه، لنعد إلى ربنا )وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ(
أيها المسلمون: في مثل هذه الظروف التي نحن فيها )فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ( واجبٌ علينا في ليالينا وأيامنا أن نبسط الأكف إلى الله، ونقول له عدنا إليك، تبنا إليك يا رب. ظلمنا أنفسنا واعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا إنك أنت التواب الرحيم، يا الله قد ارتكبنا ما نستحق به ما أصابنا، ولكن أنت القائل )فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ( وها نحن نبسط أكفنا إليك بالتضرع والتوبة والإنابة، أن نصلح من أحوالنا، وأن نربي على الفضيلة بناتنا وأبنائنا، وأن نكون أمناء في معاملاتنا، وأن نكون صادقين في حديثنا، وأن نحافظ على الصلاة التي أمرتنا بها، وأن نحافظ على الصيام الذي أمرتنا به، وأن نؤدي الزكاة التي أمرتنا بها، نملك أن نبدأ بالإصلاح من عقر دارنا، مملكتك ودولتك هي بيتك، فأصلح بيتك قبل أن تبني الدولة التي تتطلع إلى بنائها، أصلح دولتك الصغيرة التي بيتك هي أسرتك هي أمك وأبوك وابنك وزوجتك وبنتك، أصلح هؤلاء.. أصلح حالك، أصلح معاملتك، أصلح الصلة بينك وبين ربك، جدد الصلة بينك وبين الله عزَّ وجل، تجد أننا إذا كنا جميعاً قد اتجهنا إلى الله عزَّ وجل يوشك الله أن يرفع الله تعالى عنا هذا البلاء، سواء من حالة الفتنة التي حلت بنا، أو حالة الجفاف التي حلت في بلادنا.
نحن في محنة، نحن في شدة، وليس لنا ملجأ إلا إلى باب الله عزَّ وجل، لا تحلموا بقوى دولية أن تنقذنا مما نحن فيه، الذي ينقذنا مما نحن فيه رب السموات والأرض لا أحد غيره، الذي ينقذ البلاد مما حلَّ بها من جفاف أو فتنة هو رب السماء والأرض، فالله تعالى يقول: )وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ( نعم هو بما كسبت أيدينا، ويقول سبحانه وتعالى عمن يستمرئون ذلك ويعاندون )فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ # وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ( الذين أنكروا ما نقول، وأصروا على استكبارهم وأصروا على معصيتهم، وظلوا على كبرهم، وعلى معصيتهم سوف يحيق بهم بلاء أشد، سوف يجدون بعض النعم التي يتلوها الهلاك الذي لا نجاة بعده، يتلوها الدمار الذي لا نجاة منه، أجل يوشك أن يحل الدمار فيمن قال: لا، أما من تاب إلى ربه عز وجل ورشد فلا بد أن يتوب الله سبحانه وتعالى عليه )وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى( نعم
أيها المسلمون: ليست المصيبة أن نعصي، المصيبة أن يعصي الإنسان وتحجبه معصيته عن ربه، فيصرَّ على المعصية على الرغم من سياط التأديب والمنبهات التي تأتي، ينبغي أن نفكر بالتوبة وأن نرجع إلى الله عزَّ وجل. فلا يمكن لمستخفّ بمعصية الله ومستكبر أن يلقى إلا العذاب الأليم والمحق بعد ذلك.
أيها المسلمون: لقد دعينا إلى صلاة الاستسقاء، وصلاة الاستسقاء قد روى البخاري بأسانيد كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي، واستقبل القبلة وصلى ركعتين وقلب رداءه. وروى البخاري أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وقلب رداءه، أي جعل اليمين إلى الشمال. أقول: نحن اليوم مدعوون لأن نستسقي بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبأمر من الله عزَّ وجل )فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ( وإذا كان ولي الأمر قد دعا، فإنما هي تذكرة. وإنما هي موعظة، وإنما هي تذكير لنا بأن نعود إلى ربنا سبحانه وتعالى، وأن نؤدي هذه السنة حتى يرفع الله سبحانه عنا هذا البلاء، ويدفع عنا هذه المصيبة.
أيها المسلمون: لا زلنا إذا فتحنا صنبور ماء وجدنا ماءً نشرب منه ونقضي منه حوائجنا، فكر لو أنك فتحت صنبور ماء فلم تجد الماء، ماذا عساك أن تفعل ؟! ماذا عساك أن تفعل ؟! أرأيت إلى ذلك الذي عنده ماء وعنده جنة وعنده زرع وعنده غير ذلك فاستكبر بذلك وغفل وطغى، حتى قال: )مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا # وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا( فماذا أصابه ؟ )فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا # وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا( كنا مرة نتحدث بهذا الحديث فقال أحدهم نستمطر بالقنابل، استمطر بالقنابل، هناك قنابل تمطر، ائتنا بالأمطار بالقنابل وبغيرها. عندما يحيق البلاء ليست هناك قوة في الأرض يمكن أن تحجب البلاء عنك، وليس من منقذ لك إلا رب العزة جلَّ شأنه. اتق الله في نفسك واعلم أنه الحاكم في هذه الأرض وفي السماء وفي الكون، وعلى البشرية كلها هو رب السموات والأرض.
مرت بنا عهود قديمة قال فيها القائل يوم بني سدٌ ما في إحدى الدول ، قال: استغنينا عن رحمة السماء، فجاءت ثلاث سنوات قحط حلت بتلك البلاد، لم يرفعها إلا صلاة الاستسقاء، والكبار منا يعرفون ذلك ويتذكرونه جيداً، لم يرفعه إلا الالتجاء والارتماء على أعتاب المولى تبارك وتعالى، نحن عندما نقف بين يدي الله عزَّ وجل نستسقي، فإنما نستسقي لأن الله سبحانه وتعالى أمر أن نتضرع إليه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رسم لنا طريق الالتجاء إلى الله عزَّ وجل من القحط والجفاف، ولذلك أيها المسلمون بعد صلاة الجمعة مباشرة سوف نقيم صلاة الاستسقاء، وذلك بأن نصلي ركعتي كركعتي صلاة العيد ثم نقف ونلقي خطبة صلاة الاستسقاء والدعاء فيها يختلف عن طريقة الدعاء في صلاة الجمعة، في خطبة الجمعة لا يرفع الإمام يديه، ولكن في خطبة الاستسقاء يرفع يديه، وفي خطبة الجمعة يستقبل المصلين، وفي خطبة الاستسقاء يستقبل القبلة ويقلب رداءه كما ذكرنا في حديث البخاري الذي أشرنا إليه؛ لذلك فإننا سوف نبادر مباشرة بعد صلاة الجمعة إلى صلاة الاستسقاء وخطبة الاستسقاء والالتجاء بعدها إلى الله عزَّ وجل، ولكن أحبذ أن نسبق صلاة الاستسقاء بجلسة استغفار صادقة، كل منا يستغفر الله مما أذنب بحق نفسه وحق غيره، والتوبة إلى الله عزَّ وجل لها أركان، الإقلاع عن الذنب والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه، وإذا كان ذنباً يتعلق بحقوق الناس أن يرد الحقوق إلى أصحابها، فلابد من رد المظالم، ولابد من التوبة إلى الله صدق الالتجاء إليه والاعتراف بالتقصير، وكل منا مقصر كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.
أقول قولي هذاوأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة في 31-1-2014


تشغيل

صوتي