مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 13/12/2013

خطبة الدكتور توفيق: أهمية التربية الدينية للناشئة


أهمية التربية الدينية للناشئة
د. محمد توفيق رمضان البوطي
يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ( ويقول جلَّ شأنه: )وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى( وذكر عن لسان سيدنا لقمان )يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ(
روى أبو داود في سننه بإسناد صحصح عن النبي أنه قال "مُروا أبناءَكُم بالصَّلاةِ لسَبعِ سنينَ، واضرِبوهم عليهَا لعَشرِ سِنينَ ، وفرِّقوا بينَهُم في المضاجِعِ"
أيها المسلمون:
تربية أولادنا مسؤوليةٌ نتحملها نحن بالدرجة الأولى ثم المدرسة والمسجد ثم وسائل الإعلام، ووراء كل هؤلاء وليُ الأمر الذي يتحمل مسؤولية متابعة كلٍ من الأسرة والمؤسسات التعليمة والدينية ووسائل الإعلام ليتحملوا مسؤولياتهم في بناء الجيل وصناعة الإنسان السوي الصالح، وتبدأ تربية الأبناء لا بعد المرحلة الابتدائية بل منذ اختيار كلٌ من الزوجين للآخر، روى الشيخان عن النبي r أنه قال: " تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ: لمالِها ولحَسَبِها وجَمالِها ولدينها، فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَداكَ" أي تلك التي تَرَسّخَ معنى الدين في شخصيتها ذاتياً لا ضغطاً وقهراً وإملاءً، رُبِّيَت التربية التي جعلت الدين وازعاً داخلياً ودافعاً ذاتياً في شخصيتها بناءً على وعي ودراية وفهم معرفة، وروى الحاكم أيضاً في مستدركه عن النبي r أنه قال: "إذا جاءَكُم من تَرضونَ خلقَهُ ودينَهُ فزوِّجوهُ"، المرأة تُنكح لدينها والرجل يقبل طلبه في الزواج من البنت التي رُبِّيت التربية الصالحة إذا كان ذا خلقٍ ودين، والدين ليس لحية يزين بها الوجه فقط، ولا سبحة يطقطق بها في اليد، الدين تكامل في شخصية الإنسان عقيدةً وتربيةً وسلوكاً ومعاملةً وأخلاقاً، كل ذلك يتجلى فيه معنى الدين بصورة صحيحة.
إذاً تبدأ التربية منذ اختيار كل من الزوجين لصاحبه، فما أن يولد الطفل حتى تبدأ المسؤوليات التالية.
وقد سن لنا النبي أن يؤذن في أذن الطفل أول ولادته لتكون أول كلمة تدخل في روعه (الله أكبر) بكل معانيها السامية بكل معانيها القدسية بكل تلك المعاني التي تدع في القلب حالةً من التعظيم لله والمحبة له، لا تلك الكلمة التي كانت قد اقترنت يوما ما بأعمال الشغب والإساءة التي كنا نراها، والتي جعلت الإنسان يخاف من تردد أصدائها في المناطق هنا وهناك، الله أكبر والأذان كله - وبالمناسبة أقول: هذا الأذان كان له وقعٌ من غير أن تفهم كلاماته في قلب كثير من الأجانب الذين لا يفهمون اللغة العربية وليسوا مسلمين فلقيت في قلوبهم طمأنينة ورضاً ومحبةً وأنساً بإيقاع الأذان فقط، لا لجمال صوت المؤذن ولكن لتلك الكلمات القدسية التي يحملها- فما أن يفتح الطفل عينيه لا ينبغي أن يقع في سمعه إلا الكلمات الطيبة الكلمات النقية الكلمات المهذبة الصافية السليمة، لا ينبغي أن نوقع في سمع هذا الطفل الكذب ولا الشتم ولا الكلمات النابية؛ لأنها ستغدوا جزءاً من تكوين شخصيته، إذاً فالتربية تبدأ منذ اليوم الأول منذ يفتح عينيه على الدنيا فيرى أمه تصلي ويرى أباه يصلي، يرى أمه تمسك بالمصحف وتقرأ القرآن، ويرى أباه يقوم بأعمال تصل بينه وبين الله عزَّ وجلّ يرى الرحمة يرى الإحسان يسمع الكلمة الطبية يسمع السلام يسمع النصح يسمع تلك الأشياء التي من شأنها أن ترسخ المعاني القدسية السامية في شخصية الطفل، فإن وَعَى بعض الشيء -معلوم أن الطفل في أول مرحلة من حياته حين يبدأ لسانه بالانطلاق تكثر أسئلته لماذا هذا وكيف هذا- هذه الأسئلة يبحث فيها عن الحقيقة وأنت المسؤول عن أن تغرس الحقيقة اللطيفة في قلبه، الحقيقة القدسية ، أن تغرس في قلبه الفضائل أن تغرس في قلبه الحقائق الاعتقادية، أن تربط بين النعمة والمنعم، بين الخطأ وآثاره، وأن تربط بين الخير وآثاره، وبين الشر وعواقبه، لتكن المحاكمة لدى الطفل دائماً تربط ما بين الأثر والمُؤثر، الطفل عاقل.. الطفل إنسان كامل.. فتعامل معه على هذا الأساس، لكن مداركه لاتزال غضة، أعطه الجرعات المناسبة لمداركه، هو شخصية كاملة، هو عاطفة وعقل، هو وجدانٌ وإحساس، هو مشاعر... فأعط كل جانب من شخصيته ما يناسبه، أعطه القناعة العقلية بأسلوب مبسط يستطع أن يهضمه، تماماً كما يتغذى بالطعام والشراب يتغذى بالفكرة ، روى البخاري عن النبي قال: "كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرةِ " وهي الاستعداد لتلقي الحقيقة الإيمانية، إنه صفحة بيضاء نقية مستعدة لتقبل الحق بكل ما تعني الكلمة من معنى، والعمل الطيب فاغرسهما فيه " كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرةِ ، فأبواه يُهَوِّدانِه ، أو يُنَصِّرانِه ، أو يُمَجِّسانِه" هو صفحة بيضاء وأنت الذي تكتب عليها، لذلك حملنا النبي حسن تربية وتوجيه هذا الطفل منذ اليوم الأول من ولادته يقول "كمثلِ البَهِيمَةِ تُنْتِجُ البَهِيمَةَ ،هل ترى فيها جَدْعَاءَ" يعني تأتي في الأصل سوية.
أجل الأبوان يتحملان مسؤولية معاني الخير والهدى في قلب الطفل، بغرس أدلة وجود وصفاته الله تعالى ببساطة ووضوح، ثم غرس محبة الله تعالى في قلبه بالربط بين النعمة والمنعم، بين الرحمة والتَّواب الرحيم، ترسيخ معاني مراقبة الله سبحانه وتعالى ومحبته وتقواه شيئاً فشيئا مما يحقق اندفاعه إلى الخير وإحجامه عن الشر، مع تحبيب الصفات الطيبة وتبغيض الصفات القبيحة إليه. ثم يأتي دور المدرسة والمسجد ووسائل الإعلام، إنه لين العريكة إنه غضٌ ضري ّ قابلٌ لأن تضعه في الإطار أو في القالب الذي تريد، يمكن أن تغرس فيه الفضائل كلها وتبني شخصيته بناءً سليماً بترسيخ التربية الصحية والعقيدة السليمة والأخلاق القويمة في كيانه، اليوم وليس غداً... الآن.. وهو طفل ينبغي أن تبدأ ببناء شخصية، الآن، لا بعد أن يتصلب عوده على اعوجاج، الذين يطالبون بتأخير التربية الدينية إلى ما بعد المرحلة الابتدائية، لا أدري هل هم يدركون ماذا يقولون !! إذا كانوا يدركون فهم يناقضون توجيه الله وتوجيه نبيه في هذا ويناقضون ويخالفون الفطرة الإنسانية والأصول التربوية، التربية تبدأ منذ اليوم الأول وغرس الفضائل والمعاني والقيم، والعقيدة ذاتها تبدأ منذ اليوم الأول بجرعات مبسطة خفيفة تتضافر فيها جهود المدرسة و المسجد والبيت ووسائل الإعلام .
في عالم منفتح اليوم على بعضه حيث وسائل الإعلام تضخ إلى أطفالنا أنواع السموم معاني العنف التي ترونها اليوم تظهر هنا وهناك هي ثمرة قذرة بغيضة لتلك الأفلام التي تبث في أفلام العنف لأطفالنا، حتى الألعاب التي يلعبها أطفالنا ويلعبها هؤلاء الناشئة، هي في الحقيقة عبارة عن سموم تُنَشِّئ هذا الطفل على العنف، على القسوة، على معنى الحقد والكراهية، تابعوا أطفالكم لا تتركوهم انظروا إلى معنى الشدة والغلظة التي تنشأ في كيان هذا الطفل نتيجة مشاهدته ومتابعته لتلك البرامج السامة القاتلة منذ اليوم الأول من نشأته.
الرذيلة والعنف هما الهدف السلوكي الذي تطلع إليه تلك المؤسسات من والت ديزني وينك فيوتشر إلى غير ذلك هذا البرامج المسمومة التي يسمم بها أطفالنا وتربية أطفالنا وعقول أطفالنا، أنؤخر تربيتهم إلى مابعد المرحلة الابتدائية ؟ أم علينا أن نحصنهم لتتكون لديهم رقابة ذاتية ووعيٌ لما يضر به وينفع، لا ندري ترى لمن نسلم تربية أبنائنا؟ يجب أن تكون مناهج التربية الإسلامية مغذية لكل الجوانب الإنسانية لكل الجوانب السامية في شخصية الطفل، وسيرة النبي مثال: كنت صغيراً طفلاً عندما كان يعلمني إياها والدي فكنت أنتعش بتلك الصفات السامية التي كنت أراها في شخصية رسول الله تلك العذوبة تلك الرقة تلك الرحمة، تتشربها نفسية الطفل فتنشأ على تلك المعاني. لكنني إن نحيت التربية الإسلامية وغذيت طفلي بشاشة التلفزيون وغذيت طفلي بالغزو الإعلامي الثقافي المسموم الذي انفتح على بيوتنا من كل جانب، ما هو مصير طفلك؟ مصير طفلك أن يذهب إلى العنف والإجرام، ألم تسمعوا بما جرى هنا وهناك وما يجري، وصلت الأمور إلى درجة من الوحشية والهمجية هي نتاج تلك الثقافة القذرة، لا نتيجة التربية الدينية، التربية الدينية تغرس الرحمة في القلوب أما تلك الثقافة القذرة الثقافة أمريكية، فهي ثقافة العنف ثقافة الوحشية ثقافة الهمجية ثقافة القتل والدماء ثقافة الجنس والرذيلة، يريدون أن ننحي التربية الإسلامية عن الطفل ولينشأ على تلك الشاشة القذرة. أهذا هو الحل ؟ أم الحل أن نضع مناهج تربية إسلامية قويمة سامية تسمو وترتفع بالطفل هذا ليصبح الرجل الذي يتحمل مسؤولياته وينشأ على الفضيلة، ينشأ على الصدق فيكره الكذب، ينشأ على الوفاء فيكره الخيانة، ينشأ على الوطنية والاستقامة والحرص على النظافة والطهارة، بعضهم كان يكره كلمة الطهارة –وقد ذكرني بكلمة قوم لوط )أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ(- عجيب أمر أبناء هذا الزمان المصطلحات الدينية تجدهم أنهم يتجنبونها لماذا؟ تعال فحاورني حاور بعقلك انظر! تأمل! تريد أن تهجر التربية الدينية التي تسمو بطفلك إلى الرحمة إلى العدل إلى حسن الجوار إلى الصدق إلى الأمانة لتعهد به إلى تلك الوسائل القذرة والتربية السقيمة، أرجو أن نعي مسؤولياتنا. أنت الأب وزوجتك الأم مسؤولان عن تربية الطفل أفضل تربية، تربية عقله.. تربية قلبه ووجدانه.. تربية سلوكه، والمدرسة كذلك، ووسائل الإعلام كذلك. والحمد لله لدينا من وسائل الإعلام ما يمكن أن يكون بديلاً طيباً مباركاً عن تلك الوسائل القذرة، ما ينبغي أن دائما إذا أردت أن تمنع طفلك عن شيء سام ، إلا بأن تضع بين يديه ما هو أنفع ما هو أجدر ما هو خير ، لا تحرمه وإنما ضع بين يديه البديل النافع.
هذا الشيء لا يمكن أن يتسع المقام للتوسع فيه، أسأل الله أن يلهمنا السداد والرشاد وأن يفرج عن أمتنا ويعيدها إلى هديه عوداً حميداً.
خطبة الجمعة 13-12-2013


تشغيل

صوتي