مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 30/08/2013

خطبة الدكتور توفيق: بماذا يتحقق النصر؟


خطبة للدكتور محمد توفيق رمضان البوطي
بماذا يتحقق النصر؟
أما بعد فيا أيها المسلمين: يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم:
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)
ويقول جلّ شأنه: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)
ويقول سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
ويقول جلّ شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)
يقول النبي r: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه)
ويقول النبي r: (طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة ، وطعام الأربعة يكفي الثمانية)
ويقول r: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
أيها المسلمون:
هذه العاصفة التي هاجت من حولنا، واجتمعت فيها قوى البغي والطغيان - قوى الشر – يؤلب بعضهم بعضاً للنيل من هذا البلد، للنيل من هذه الأمة متذرعين بذرائع هم أدرى بحقيقتها، هم أججوا نار الفتنة، هم زودوا أولئك الذين خرجوا على الدولة وعلى البلد وعلى الوطن، هم زودوهم بالسلاح، هم حشدوا لهم الرجال، حتى صارت بلادنا مجالاً لصراعهم هم على أرضنا نحن. والضحايا أبناء وطننا، الضحايا إن قلنا من هؤلاء فهم أبناؤنا، وإن قلنا من هؤلاء فهم أبناؤنا، أثاروها فتنة بين أبناء الأمة، بل بين أبناء الحي، بل بين أبناء البيت الواحد. هذا موالٍ وذاك معارض، ثم حشدوا شذاذ السجون وروادها ودفعوا بهم إلى بلادنا ليدمروا هذه البلاد وليحرقوها، وليقضوا على هذه الأمة؛ لأنها ينبوع ثرٌّ نشر في العالم أعظم معاني الهداية والإرشاد. سلوا العالم كله: من أين يمكن أن تنهلوا المعاني الإسلامية الصحيحة؟ سيكون الجواب حيثما ذهبتم: لا نثق بالإسلام إلا إذا كان ينبوعه من بلاد الشام. ضاقت صدورهم بذلك، ضاقت صدورهم أن يُعرَف الإسلام الحق، أن يعرف الإسلام المعتدل. أحد طغاتهم يقول "إن مكمن الخطر في سوريا أنها مركز الإسلام المعتدل" .
نعم.. هم يريدون إسلاماً متطرفاً، لأن الإسلام المتطرف يشوه الإسلام، ويدمر الأمة ويقوض الحضارة، لأن الإسلام المتطرف يُستثمر لكي يُنفر أبناء بلادهم من هذا الإسلام ويكرّه أبناء بلادهم بهذا الإسلام.
حضرت جلسة لكبير وزرائهم في بلادنا هذه، إنه وزير خارجية بريطانية، جاء يزور سوريا، مظهراً إعجابه بالتعايش الحضاري الذي تنعم به بلادنا، لكنه لعله كان يخفي دراسة لواقع بلادنا، وكيف يمكن أن يقضى على هذا الوداد ويقضى على هذا التعايش.
ألبوها فتنة، وأثاروها عاصفة؛ ولكن (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) لن نخاف من جموعهم ولا من حشودهم، ولكننا والله نخاف من معاصينا، نخاف من آثامنا من ذنوبنا أن تكون سببا لبلاء يحيق بنا، أما هم.. إنهم عبيد لمن هو ربُنا، هم عبيد لمن خلقنا، هم في قبضة الله عز وجل، وليسوا مالكين من الأمر شيئاً (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) فلا يجبنن أحد، ولا يفزعن أحد من أي قوة طاغية باغية في الأرض، إذا كنتم مع الله عزَّ وجل، إذا كنتم متوكلين على الله سبحانه.
خسئوا.. جمعوا جموعهم ضد النبي r ِ(إذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا) تلك المعركة انتهت، وكفى الله المؤمنون القتال، وكان الله قوياً عزيزاً سلط الله عليهم أبسط شيء يمكن أن تعرفه في هذه الدنيا؛ النسيم، حول الله النسيم إلى عواصف فاقتلعت خيامهم وكفأت قدورهم، وقذف في قلوبهم الرعب، فمضوا فارين خائفين من أي شيء؟ من النسيم، من الهواء؛ لا من السيوف ولا من القنابل.
أجل عندما تكون قلوبنا معلقة بالله لا يمكن لقوة في الدنيا أن ترعبنا، وعندما تكون قلوبنا معلقة بالولاء لدولة كذا، أو بالخوف أو بالطمع بدولة كذا؛ فإن من حق قلوبنا عندئذٍ أن تكون رعديدة جبانة تخاف من هؤلاء، وتخاف من أولئك، بماذا يخوفوننا؟ بالموت!! والله إنا لننتظر الشهادة في سبيل الله. وما أعظم أن نلقى الله عزَّ وجل شهداء في سبيله (وَلَاتَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) تلك بشارة الله عزَّ وجل للشهداء، بماذا يخوفونا؟ ولكني أقول.. خسئوا هم لا يملكون لأنفسهم فضلاً عن أن يملكوا لنا أي نفع أو ضُرّ.
كونوا مطمئنين، كونوا على ثقة بالله سبحانه تعالى، فلا تؤثرن بكم تلك الزوابع، فما هي إلا عواصف تخيف قلوبهم وقلوب حلفائهم.
نحن نقول: اللهم عليك توكلنا، إليك أنبنا، عليك توكلنا أنت مولانا، ولا مولى لنا سواك لن نستنصر بقوة أرضية، نحن نتوكل على الله ونستمد منه الفرج، نستمد منه النصر، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، المنافقون لا يشعرون بذلك.. لماذا؟ لأنهم أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، فمن حقهم أن لا يدركوا هذه الحقيقة التي نتحدث عنها. هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية: لا أدري لماذا أصبنا بما أصبنا به؟ الحقيقة أن السبب الرئيس في ذلك هو بعدنا عن الله، بعدنا عن الأخلاق الإسلامية، الأخلاق الإسلامية حولت الأمة المتعادية المتناكرة إلى أمة متحابة متآزرة ِ(إذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا) لقد صاغ ربنا تبارك وتعالى على يد نبيه r هذه الأمة أعظم صياغة (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)يقاسمون إخوانهم الرغيف الذي يأكلون، يشاطرون إخوانهم البيت الذي يسكنون، ومن عجبٍ أن تجد هذه الأخلاق نفسها اليوم سبباً لنجاة أمة من مصيبة حاقت بها، وهي أمة وثنية. أمة فهمت أن الأخلاق الإنسانية سبب في النصر فتمسكت بأسباب النصر، مع كونها أمة مشركة. ونحن الذين ندعي الإسلام. ونسجد بين يدي الله، ونرتاد المساجد؛ تجد أننا قد تخلينا عن تلك الأخلاق، فتمكنت فينا الأثرة والأنانية وكاد بعضنا لبعض؛ بل ويشمت بعضنا ببعض، الذي يشمت بهذا الوطن أن يصاب، هو ليس من هذا الوطن، وليس من بني آدم. هو من الوحوش الضارية؛ بل إن الوحوش لتنبذ أمثال هؤلاء. الذي يسر بأن يصاب وطنه من أعدائه؛ ممن يحمي إسرائيل.. حماة إسرائيل يريدون بنا شراً فيصفقون لهم، أمر عجيب!! أوَصَلت الأمة إلى هذا الدرك إلى هذا القاع..؟ إلى هذه الحالة الدنيئة من الأخلاق العجيبة! أمر ما كنا نتصور أن تهبط أمتنا فيه إلى هذا الدرك! أن يشمت مسلم بتسلط قوى البغي التي ترعى دولة البغي والعدوان في أرضنا في فلسطين تلك الدولة المسخ التي تسمى إسرائيل، يسرون أن تكون تلك الدول التي تحمي هذا الكيان الإجرامي الطاغي المغتصب للمسجد الأقصى المغتصب لفلسطين، فيسرون أن يأتوا أولئك ليدمروا بلادنا ويقوضوا وطننا.
هذا أعجب ما يمكن أن يقع، ولكن لا عجب (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)
أقول هذه الظاهرة الأولى، الظاهرة الثانية الأنانية التي أرجو أن نعالج أنفسنا من هذه الأنانية.
أيها المسلمون:
نحن بالإيثار ننتصر، نحن بالتحابب ننتصر (المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يحقره)، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) أحد الصحابة قام يحمل على كتفه أحمالاً فأعطوه أجره صاعين من تمر، أخذ صاعاً يكفي لأهله، ومضى بالصاع الآخر إلى النبي r يقول يكفيني يا رسول الله صاع، والآخر ماذا أفعل به؟ قال: (انثره صدقة بين أصحابك) هكذا علمنا إسلامنا نشاطر إخواننا ما معنا، لا نتزاحم على الأفران لكي نأخذ ما يكفينا لشهر، خذ ما يكفيك ليوم. ما هذه الأنانية؟ وما ضعف الثقة بالله هذا؟ ما هذه الأثرة؟ هذا مرض ينبغي أن نطهر أنفسنا منه، يكفيك ما يمكن أن يكفيك لهذا اليوم ليومين، هذا الخوف عجيب، ممّ تخاف؟ (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ). تخافون من أميركا! هل تريد أن تعيش وحدك، لن تعيش وحدك الموت سيأتي للجميع والنصر سينال للجميع.
نحن نقول إن أمة أصيبت بداء الأنانية لن تنتصر. أخشى عليها أن تصاب بسبب أنانيتها، وقد أصبنا بما أصبنا به بسبب خذلاننا لبعضنا، بسبب أنانيتنا، بسبب تولينا أعداءنا على إخواننا، واستنصارنا أعداءنا على إخواننا.
أيها المسلمون:
الإصلاح يبدأ بالفرد، ليبدأ كل واحد منا بنفسه، وليعطِ ما زاد عن حاجة يومه لجاره.. لأخيه.. لصاحبه، لا يزاحم أحدنا الآخر.
في اليابان عندما أصيبوا بالتلوث النووي بسبب الإعصار- أولئك الوثنيون أنتعلم منهم؟! هم ينبغي أن يتعلمون منا، ولكنا تركنا كتاب الله فأصبنا بما أصبنا به – أحدهم إذا كان يكفيه الرغيف لا يأخذ الرغيفين، يأخذ الرغيف ويمضي، إذا كان يكفيه الكأس يأخذ الكأس ويمضي، وفي اليوم الثاني يقف ليأخذ الكأس الآخر. هكذا كانوا.. وهكذا استطاعوا أن يتغلبوا على الأزمة.
أقول: إن تلك الأخلاق يمكن أن يتغلب بها الكافر والمسلم على الأزمة، وإن أخلاق الأنانية يمكن أن تؤ


تشغيل

صوتي