مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 23/08/2013

خطبة الدكتور توفيق: صفات المنافقين (2)


خطبة الدكتور محمد توفيق رمضان البوطي
صفات المنافقين (1)
يقول الله تعالى في كتابه الكريم :
)إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ # اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( وقال سبحانه: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ # فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (
ويقول سبحانه:)لوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ( ويقول جلَّ شأنه : )لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (
أيها المسلمون:
في هذا العصر الصعب في هذه المحنة التي زلزلت الأرض تحت أقدام الأمة والتي تساقط فيها الكثير من النفوس المريضة والضعيفة، أقول: تتجلى ظاهرة النفاق وتنشط كما لم تكن من قبل؛ بل كما كانت في عهد النبوة، تحاول أن تفت في عضد المسلمين وتربك جماعة المسلمين، في عصر النبي r وكأنَّ ربنا سبحانه وتعالى جعل ظاهرة النفاق في عصر النبوة أوضح ما تكون؛ لنكون اليوم وفي أي عصر على حذر شديد من هذه الظاهرة، وعلى وعي من أسلوب عملها وكيدها ومكرها وتآمرها، ولقد تحدثت في الأسابيع القليلة الماضية عن ظاهرة النفاق كما أولاها الله عزَّ وجل في السورة الثانية في سنام القرآن، حيث أفرد للمنافقين ثلاث عشرة آية، بينما كان الكلام عن المؤمنين في أربع آيات، وعن الكفرة في آيتين.
لخطورة هذه الظاهرة نتابع اليوم الحديث عن صفات المنافقين، لنكون على حذر شديد من كيدهم ومن مكرهم ومن تآمرهم على الأمة على مر التاريخ.
عندما وقعت غزوة المريسيع اختلف غلامان أنصاريّ ومهاجريّ، فنادى الأنصاري يا للأنصار، ونادى المهاجري يا للمهاجرين، واستغل الفرصة رأس النفاق الذي حضر هذه الغزوة طمعاً في غنائم لم يحظ بها في غزوات سابقة، واستثمر هذه الفتنة أسوأ استثمار، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وقال أوَ كاثرونا وهم بين أظهرنا، ما أرانا وجلابيب قريش إلا كما قيل سمّن كلبك يأكلك.
بهذه الوقاحة تحدث عبد الله بن أبي بن سلول، سمع كلامه زيد بن الأرقم، روى البخاري عن زيد بن أرقم قال: كنت في غزاة، فسمعت عبد الله بن أبي يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فذكرت ذلك لعمي أو لعمر، فذكره للنبي r، فدعاني فحدثته، فأرسل رسول الله r إلى عبد الله بن أبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا- والنبي r يتعامل مع القضية بصفته قاضياً، والقاضي يأخذ بظواهر الأدلة – قال: فكذبني رسول الله r وصدقه، فأصابني هم لم يصبني مثله قط، فجلست في البيت، فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله r ومقتك؟ فأنزل الله تعالى: {إذا جاءك المنافقون}. فبعث إليَّ النبي r فقرأ فقال: (إن الله قد صدقك يا زيد). نصر الله الحق على لسان زيد ، ونصر زيداً بالحق ، وأيده بالوحي من عند الله عزَّ وجل، ولكن كشَفَ صفةً لهم ينبغي أن نكون اليوم وفي كل عصر على حذر شديد من هذه الفئة الضالة المضلة المفسدة في المجتمع، إنها صفة قذرة هي الكذب، ولكن الكذب هنا ليس مجرد كذب، بل كذب يضع في الأمة نار الفتنة )يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ( أي ليخرجنَّ عبد الله بن أبي وجماعته رسول الله والمهاجرين من المدينة المنورة، وصلت بهم الصفاقة والوقاحة إلى هذه الدرجة القذرة التي تحدث بها زيد بن الأرقم إلى رسول الله r وجاء الوحي يصدق كلام زيد t .
الصفة الثانية: التي تتجلى في كل عصر وتتجلى في عصرنا هذا أوضح ما تكون من الجلاء )لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ( الإرجاف: نشر الشائعات المُخذلة، نشر الأكاذيب التي من شأنها أن تثبط همة المسلمين وأن توقع في قلوبهم حالة من الضعف والمهانة وعدم الثقة. يريدون أن يفتوا في عزيمة المسلمين ويضعفوا من ثقتهم بدينهم، ومن ثقتهم برسول الله r، هنا يأتي البيان الإلهي ليحذر من هذه الفئة المجرمة التي تندس فيما بيننا وهي في الحقيقة إنما هي أدوات للعدو الخارجي كما سنرى ن هي أدوات رخيصة تنفذ ورقة أجنبية في بلادنا يقول: )لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ( هذا تهديد بالعقاب لمن يروج الشائعات كذباً وزوراً .
نعم هناك إرجاف يفت في عضد الأمة ويوقع فيها نوعاً من ضعف الثقة والإساءة، وترويج الشائعات الكاذبة التي من شأنها أن تنشر حالة من الفتنة وحالة من الاضطراب بين أبناء الأمة خدمة لبرنامج خارجي يراد به أن يضعفوا أمتنا في مواجهتها لعدوها، يريدوا به أن يضعفوا هذه الأمة في ثقة أبنائها ببعضهم، ويروجوا لورقة خارجية تخدم أعداء الأمة ن أقول أعداء الأمة اليوم وأمس وفي كل عصر، اسمعوا ما يقوله الله عزَّ وجل ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ( هذا التحالف بين الروم وبين رأس النفاق في المدينة المنورة، هذا التحالف بين الغرب وبين عملائهم في بلادنا هذا التحالف ليس ظاهرة جديدة هو ظاهرة تعكس حقيقة طائفة النفاق التي تندس في الأمة لتوقع الفتنة فيها ولتربك أبنائها، ولكي توقع الفتنة بين المواطن والمواطن، وبين المسلم والمسلم. بين أبناء الأمة فيما بينهم؛ لكي تكون بذلك تسويغاً لتدخل أجنبي يدمر هذه الأمة ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ # فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ – في قلوبهم نفاق - يُسَارِعُونَ فِيهِمْ- يسارعون في الالتجاء إليهم يسارعون في النصرة لهم يسارعون في الإنتصار بهم، يسارعون فيهم - يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ – يسوغون انتصارهم بهم واستمدادهم للعون منهم - فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ( فعسى الله أن يأتي بالنصر على ظاهرة النفاق، ويعري حقيقتهم ويكشف كذبهم ونفاقهم ويكشف عمالتهم، فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين.
هذا الدرس كان في عصر النبوة، ونراه يتكرر في التاريخ، تكرر في الحرب على الصلبيين، تكرر في الحرب الصليبية الثانية عندما جاء الغرب ليحتل بلادنا في مشروع تقسيمٍ قذر في اتفاقية سايكس بيكو وفي غيرها، وتكرر في عصرنا هذا على أيد حفنة من صنائع النفاق، وأدوات العدو في بلادنا، ينشر الشائعات لينشر الخوف والهلع، ولكي يجعلنا نرتمي في أحضان العدو وننفذ برنامجه.
المشكلة أيها المسلمون أننا لا نتعامل مع النص القرآني بوعي، ولا نتعامل مع الحدث بيقظة ووعي، وهذه الظاهرة موجودة في صفوف المسلمين، وقد حذر القرآن الكريم منها.
إن حرب الشائعات تستعمل وللأسف بساطتنا وسذاجتنا، نحن كلما سمعنا خبر نشرناه وأذعناه، نحن أدوات إذاعة الشائعات والإرجاف والتخويف والتخوين، أدواتنا نحن، لأننا لم نتربّ تربية القرآن، إذا ما سمعنا بخبر بدأنا نذيعه ونشيعه، مع أن هذا الخبر لا تعرف مدى صحته، ولا تدرك مدى مصداقيته، ولست أنت المخول بذلك، هناك جهة تحلل الأخبار تحليلاً دقيقاً وتعيد الخبر إلى عقول تكشف مدى صدق الخبر فيه، يقول الله تعالى في كتابه الكريم :) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ( لا تنشر خبرا لم تستوثق من صحته، سواء كان خبر انتصار أو خبر هزيمة، سواء كان خبراً لصالحنا أو ضدنا ) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ – العلماء المطلعون الذين هم متصلون بطبيعة الحدث وبمجريات الأحداث - لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (
أيها المسلمون:


تشغيل

صوتي