مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 02/08/2013

خطبة الدكتور توفيق: اغتنموا ما بقي من شهر رمضان


خطبة جمعة للدكتور توفيق رمضان البوطي
بتاريخ 2 / 8 / 2013
اغتنموا ما بقي من شهر رمضان
أيها المسلمون يقول الله جل شأنه الكريم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
ويقول سبحانه: )إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ *لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)
وروى الترمذي عن شداد بن الأوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ – الأحمق - مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأَمَاني) ومعنى دان نفسه: حاسب نفسه في الدنيا قبل الآخرة
وقال عمر t: (حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ وَإِنّمَا يَخِفّ الْحسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ في الدّنْيَا)
أيها المسلمون:
أيام قليلة ويرحل الشهر المبارك ليغيب عنا إلى السنة القادمة، والأيام المتبقية من هذا الشهر هي خير أيامه، هي النتيجة هي الثمرة هي الثروة
أيها المسلمون:
نحن في هذا اليوم مدعوون لمراجعة الذات ومحاسبة النفس، فربنا تبارك وتعالى قال كتب عليكم..
وقال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وقد تحدث العلماء الصالحون الربانيون عن ثمرة العبادة وهل قبلت أم، لا فربطوا بين قبول العبادة وبين ظهور ثمرتها على الجوارح، بمعنى أنك إذا أردت أن تعلم أنه هل تقبل الله حجك أم لا فانظر إلى نفسك، هل أنت بعد الحج كما أنت قبله أم أفضل، وإذا أردت أن تعلم أن الله تقبل صيامك لهذا الشهر أم لا، فانظر إلى حالك، هل أنت بعد هذا الشهر خير مما كنت عليه قبله أم الأمر سيان؟ نعم فالأمر يقتضي من أن نعود لذواتنا، انظر إلى نفسك: هل أنت في أول هذا الشهر كما أنت اليوم؟ أم أن قلبك قد غدا أكثر رقة، وأن جوارحك أصبحت أكثر انضباطاً بأوامر الله سبحانه وتعالى واجتناباً لنواهيه، إذا أردت أن تعرف هل حصلت على الثمرة المرجوة من هذا الشهر فنلت القبول بين يدي الله عد إلى نفسك، نحن بحاجة إلى مراجعة ذواتنا أن نحاسب أنفسنا، هل نحن اليوم كما نحن قبل هذا الشهر؟ أم قلوبنا أصبحت أكثر تعلقاً بالله، أكثر محبة لله، أكثر خشية لله، أكثر حياءً من الله، هل تحققت فينا صفة التقوى؟ والتقى التزام بحدود الله وتطبيق أوامر الله واجتناب نواهيه، لذلك إذا كنا قد نلنا تلك المرتبة أو حصلنا على تلك النتيجة، فذلك من فضل الله تبارك وتعالى علينا أن أكرمنا بقلوب تستقبل أنوار عطائه ووفقنا للقيام بعبادته بصيام أيام هذا الشهر وقيام لياليه، وإنفاق ساعاته فيما يرضيه، أما إن كان الأمر على نقيض ذلك أو خلافه، فالأمر يتطلب منا أن نتوب ونجدد العهد ، أن نصحح أنفسنا ونصلح حالنا، أن نعود فننظر لماذا قست قلوبنا؟ أللقمة حرام صارت حجاباً بين قلوبنا وبين الله عزَّ وجل، أم لإصرار على معصية غلبتنا أنفسنا فساقتنا إليها، لماذا يا ترى حالنا اليوم كحالنا بالأمس، وقلوبنا اليوم كقلوبنا في الأمس، إذاً فعلينا أن نبكي لأننا لا نبكي وعلينا أن نتوب لأننا لم نتب، أن نعود إلى الله فهذا الشهر سوف تشهد أيامه ولياليه علينا أو تشهد لنا، فرصة أكرمنا الله عز وجل بها، فلنعد إلى أنفسنا إذا قد وفقنا فنلنا شفافية في القلب والمشاعر، فسمت بنا مشاعرنا إلى الله عز وجل رقة وإقبالاً فلنحمد الله ولنقل: يا رب أنت الذي وفقتنا فلك الحمد و لك الثناء، فيا رب كما وفقتنا نسألك أن تتقبل من وإنما يتقبل الله من المتقين .
أيها الإخوة :
بين أيدينا فرصة إن لم تكن قد مرت، ولا أحسبها قد مرت، ليلة القدر (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) من ألف شهر، خير من ثلاثة وثمانين عاماً تنفقها في العبادة، عمر مديد من الطاعات تناله في ليلة واحدة، والمسألة ليست هي مجرد ليلة وإنما حالك في تلك الليلة، إقبالك على الله في تلك الليلة، ندمك على ما مضى من حياتك في تلك الليلة، فلتعقد عهداً صادقاً بينك وبين الله أن تكون في مستقبل أيامك خيراً منك فيما كان قد مضى من حياتك، عهد تجدد فيه مع الله عزَّ وجل عهد التوبة عهد الإنابة عهد الرجوع إلى جادة الهدى، نعم إن الشياطين تريد أن تتخطفنا، وإن وسائل الإغراء تريد أن تضلنا، وإن مزالق الانحراف قد وضعت تحت أقدامنا، فيا عباد الله اثبتوا، فبين أيديكم بعد هذا اليوم أيام شداد والمحنة قاسية والظروف صعبة، فإما أن نقبل على الله عزَّ وجل، وإما أن نفتن فنشقى في الدنيا ونشقى في الآخرة، فإما أن نقبل على الله سبحانه وتعالى بالصدق والإخلاص فنصنف عند ربنا تبارك وتعالى بدرجة تفوق درجة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألم يقل رسول الله: (أجر القابض فيهن على دينه كأجر خمسين شهيدا، قالوا: منا أم منهم يارسول الله ؟ قال بل منكم) نظراً لشدة وطأة الفتنة في عصرنا هذا لكثرة المزالق ومنعطفات الطرق، وقد رسمت على أبواب تلك الطرق أسباب الإغواء والإغراء تريدنا على أن ننحرف عن جادة الهدى إلى مسالك الضلالة والانحراف
أيها المسلمون:
هذا اليوم اختير أن يكون يوم القدس، بأي حال نريد أن نتحدث عن القدس، بأي صفة نريد أن نتحدث عن القدس؟ أبتفرق والتمزق؟ بالتناكر، بسفك دماء بعضنا؟ بالتنكر لكتاب الله عز وجل وسنة رسوله التي نهتنا عن التفرق والتمزق والتشرذم!! أين نحن من كتاب الله تعالى الذي يقول: ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) أين نحن من كلام النبي الله يوم عرفة في حجة الوداع، إذ قال: (إن دماءكم وأموالكم وأحسبه قال وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، فلا ترجعوا بعدي كفاراً – أو ضلالاً- يضرب بعضكم رقاب بعض) عدّ جريمة القتل الأعمى التي نراها في عصرنا قد شاعت في العالم الإسلامي وفي بلدنا هذا سماه كفراً فلا ترجعوا بعدي كفاراً – أو ضلالاً- يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع. ثم قال: ألا هل بلغت ؟)
في نهاية شهر رمضان.. هل وضعنا هذا الأمر الخطير نصب أعيننا في الأيام المتبقية من هذا الشهر المبارك هل عدنا إلى هدي رسول الله يا أهل الشام يا أهل الشام يا من قال النبي فيها: (الشام صفوة الله من بلاده يسوق إليها صفوة عباده من خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه ومن دخل إليها فبرحمته)، هذه الشام هذه الشام ينبغي أن نكون أهلها، ينبغي أن نكون كما وصف رسول الله صفوة عباده خلاصة الخير في الأرض كلها نمشي على هدي رسول الله، نتقي الله في وحدة أمتنا، نتقي الله في حقوق الناس، في أموال الناس،في دماء الناس، في أعراض الناس، في حق بيوت الله في حق الدعوة إلى الله، أما أن نتخلى عن مساجدنا ومنابرنا ونمضي لنشعل نار الفتنة فما بهذا أمرنا الله ولا رسوله، أما أن نتنكر لحق المسلمين في أعناق المسلمين، في صون دمائهم، في صون أعراضهم، في صون معابدهم، فإن ذلك لا يرضي الله ولا رسوله. نحن في نهاية شهر رمضان، كلنا؛ كل أبناء الأمة مدعوون للعودة إلى ربهم:فاليوم عمل ولا حساب ولكن غداً حساب ولا عمل (رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْت)كلمة لم تلق من الله عزوجل أي جواب بل يقول (كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا) يزجرهم عن مثل هذا الدعاء، لأنهم سنحت لهم الفرصة فضيعوها، ومرت بهم مواسم التوبة والإنابة ففقدوها وأهملوها وضيعوها واستدبروها، وجاء ذي الحجة بعد ذي الحجة ولكن استدبروا مواسم الرحمة وأصروا واستكبروا استكبارا، لقد أصغى الناس لمن وصفهم النبي في حديث صحيح رواه البخاري عن حذيفة ابن اليمان قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: (نَعَمْ) قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: (نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ) قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: (قَوْمٌ تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ) قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: (نَعَمْ؛ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامُهُمْ)، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: (فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ كَذَلِكَ) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: (هُمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا)
هذا ما حدثنا به رسول الله، وهذه أشراط الساعة الصغرى التي ستكون بين يدي ظهور الفتنة الكبرى التي يقول النبي rلأمتنا إذا أتت: يا عباد الله اثبتوا ..
أسأل الله أن يبصرنا بمسالك الهدى ويجنبنا مسالك الغواية وأن يرزقنا حسن الإنابة إليه ، إنه سميع مجيب.


تشغيل

صوتي