مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 28/06/2013

خطبة الدكتور توفيق: خطورة التكفير

خطبة الدكتور توفيق رمضان البوطي
بعنوان خطورة التكفير
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)
ويقول سبحانه:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
وقال سبحانه:
(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)
أيها المسلمون:
في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ أمتنا والتي ستتمخض عن نتائج لعلها تعتبر منعطفاً في تاريخ البشرية، في هذه المرحلة الخطيرة من حياة هذه الأمة التي غدت أشلاء ومزقا ، أحزاباً تتناحر فيما بينها وتختصم على أمورٍ لم ترسمها هي وإنما رُسمت لها ، وخلافات لم تولدها أفكارهم ، وإنما استوردت لهم ، خلافات مزقت الأمة وأهلكت البلاد والعباد ، أوقعت الفتنة بين الأخ وأخيه والابن وأبيه والزوج وزوجته حتى غدونا في حالة يرثى لها.
نحن نعيش نكبة نحن نعيش كارثة نحن نعيش حالة مأساوية ما مر في تاريخ الأمة مثلها ، مع كل هذه المخاطر يتولد خطر أكبر،هذه المخاطر ناجمة عن الخطر الآخر الكبير و هو إهدار بعضنا دم بعض بتكفير بعضنا لبعض، هذه الفئة كافرة،و إذا كانت كافرة فدمها هدر، وتلك الفئة كافرة، وطبعاً من كفرني ستكون ردة الفعل عندي أيضاً أن أكفره لأنتقم لنفسي، وهكذا نتنابذ صفات التكفير وإهدار الدم وإحداث الوقيعة في الأمة الواحدة، أهل التصوف كفرة، الشيعة كفرة، الفئة الفلانية كفرة ونحن بالمقابل نقول: الفئة المرتمون في أحضان أمريكا وأوروبا كفرة،والمستجدون للسلاح ليقاتلونا ويقاتلوا وطنهم به كفرة، وهكذا كفرنا الأمة برمتها وغدونا أشلاء ممزقة يضرب بعضنا رقاب بعض، وفقاً لما حذر النبي r بقوله: (لا تغدوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) ، الكفر هنا في هذا الحديث كفر سلوكي وليس اعتقادياً.
أيها المسلمون:
إذا عدنا إلى هدي الله ورسوله ونظرنا في ضوابط التكفير واتخاذ الموقف المترتب على التكفير، وفي حياة المصطفى r: جيش يقاتل المسلمين، يفر واحد من جيش من الكفرة المشركين لينأى بنفسه وشياهه وببعض ما لديه ليفر بذلك من سيوف المسلمين، ويلحقُ به حِبُّ رسول الله rوابنُ حِبه: أسامة بن زيد t فلما وصل إليه أسامة بسيفه قال الرجل: السلام عليكم أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، المتبادر إلى ذهن كل فرد منا أنه أنما قالها لينجو بنفسه، لم تنطلِ الخدعةُ على أسامة بن زيد فقتله، فلما سمع رسول الله ما جرى قال لأسامة: (أقتلته بعد أن قالها، قال: إنما قالها متعوذا، قال أقتلته بعد أن قالها ؟ هلا شققت على قلبه)
اليوم يضرب بعضنا رقاب بعض وهم يعلنون لا إله إلا الله محمد رسول الله، نكفرهم لخلافات مذهبية بيننا. على أن لا يجوز أن نحكم على فئة بالكفر بعد أن أعلنت أنها تؤمن بالله، والإيمان مسألة فردية وليست مسألة جماعية، أنا اليوم أقول هذه أمة إسلامية ولكني لا أقول فلان وفلان وفلان مسلمون إلا إذا كنت أعلم أنهم مسلمون، كما أني أقول: أوربة بلاد كافرة ولكني لا أحكم أفرادها ولا أحكم على خاتمة أي فرد منهم حتى أعلم أنه مات كافراً، أو أنه كفر فعلاً، فلو جاءني من تلك الأمة من يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله أرحب به وأقول: أهلا بك أنت أخ لنا على أنه قد يكون منافقاً، هلا شققتُ على قلبه، هلا فتشتُ عن خبيأته، ما في قلبه أمر انفرد رب العزة جل شأنه، ليس من شأننا أن ننظر في خفايا قلوب الناس، وليس بوسعنا ذلك. حتى إن النبي r كان يحكم على الناس من خلال ظواهر أحوالهم.
عبد الله ابن أبي بن سلول رأس النفاق في المدينة بغير منازع، مواقفه أسوأ وأقذر مما يُتصور وقف إلى جانب يهود بني قينقاع ضد المسلمين وضد النبي r، بل وأمسك بتلابيب النبي r وهو يقول: أحسن في مواليّ، ثم عندما غدر بنو النضير ونقضوا العهد مع رسول الله وقف عبد الله بن أبي بن سلول مع بني النضير ضد المسلمين وضد النبي r، ثم بعد ذلك وقف عبد الله بن أبي بن سلول يؤجج فتنة بين المسلمين ويقول عن النبي وأصحابه المهاجرين أصحاب رسول الله r،: ما نحن وجلابيب قريش إلا كما قالوا: سمن كلبك يأكلك. والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، عبارة واضحة في مراميها، قام عمر فقال: مرني يا رسول الله أو مر عبّاد بن بشر فليضرب عنقه، فقال له النبي r أتريد يا عمر أن يقال محمد يقتل أصحابه بل نترفق به، المسألة بالنسبة للنبي الذي يتلقى الوحي من عند الله قلب عبد الله بن أبي كظاهره وظاهره كقلبه، الأمور مكشوفة للنبي لأن الله عز وجل أطلعه على حقيقته، ومع ذلك لم يأمر بقتله ولم يأذن بقتله، وجاء عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول يستأذن رسول الله في قتل أبيه فقال له r: (بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي بيننا)
هل وصل قومنا المكفرون إلى درجة علم رسول الله r بحقائق الرجال؟ وهل بلغ من هم في مواجهتهم أي هل نحن بلغنا من الانحراف والشذوذ درجة عبد الله بن أبي بن سلول! على أي أساس يكفرون الأمة، يكفرون مخالفيهم ويهدرون دمهم ويغتالوهم ويقتلونهم، إن شريعتنا تنهى عن أن يقتل المتعبد من النصارى في صومعته، فضلاً عن المسلم العالم في مسجده، وهل تركوا أحداً من إهدار الدم ونشر الفساد في الأرض؟
يا قومنا:
ترى على أي أساس نبني المواقف على أي أساس نبني التصرفات، إن الله تعالى يقول: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) نفى الإيمان عنهم كتاب الله عز وجل، ومع ذلك نحن لا نقول إن فلان كافر، كتاب الله نفى الإيمان عمن لا يحتكم في المواقف الأقوال والتصرفات إلى هدي الله وهدي رسوله، نفى عنه الإيمان وفي الوقت ذاته، يقول النبي r (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) أي إن لم إن لم يكن في واقع الأمر كافراً فالآخر المكفر هو الكافر.
تحكم على فريق وفي هذا الفريق من هو ممعن في الكفر وفيهم من قد يكون مؤمناً. على أي أساس تبني موقفك؟ على أي أساس تبني التعميم في الأحكام؟ على أي أساس تقول الفئة الفلانية كافرة ؟ هذه مواقف يجب أن ننأى بأنفسنا عن أن نخالف هدي الله وهدي رسوله بها، نحن بحاجة إلى أن نعود ونستعيد وحدة الأمة لا أن نُعمل معول التحطيم في وحدة الأمة.
عد إلى تاريخنا، تاريخنا فيه الجهمية والشيعة والخوارج وغيرهم ممن هم خالفونا مخالفات كثيرة جداً، ومع ذلك هل سمعتم أننا كفّرنا فقاتلنا فريقا من هؤلاء؟، قوتل الخوارج لأنهم خرجوا على الأمة خرجوا على الخلافة، نشروا الفتنة، لا لموقف اعتقادي أو لكلمات قالوها، بل قتلوا الخلفاء خرجوا على الأمة يضربون برها وفاجرها، كفروا من لا يجوز تكفيره من الناس، ذلك كان سبب قتالهم، ولم يكن سبب قتالهم خلافاً اعتقادياً أو خلافاً اجتهادياً.
أما الخوارج الجدد فهم قد صح فيهم كلام رسول الله r وكثيرا ما كررناه: (سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان يقولون بقول خير البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) استباحوا دماء الناس.
أيها المسلمون :
علينا أن نراجع أنفسنا علينا أن نصحح مسارنا، المشكلة ليست بيني وبينك يا أخي المشكلة بينك وبين الله أنا سوف ألقى وجهه وأنت سوف تلقى وجهه، وبين يدي ديان السموات والأرض يجتمع الخصوم، هناك تبدو السريرة علانية هناك سوف تحاسب أول ما تحاسب عن دماء المسلمون، أول ما يحاسب الإنسان يوم القيامة يحاسب عن دماء الأمة عن دم أي فرد من أفرادها، فكيف بدماء أمة يسفك بعضها دماء بعض!! أما آن لنا أن نرعوي ونعود إلى صوابنا، نستجدي السلاح من أعدائنا لنقتل إخواننا، نستعين بأمم الكفر بأعداء الأمة لكي نقتل أبناء أمتنا، على الرغم من الخلافات والتباينات التي فيما بيننا يبقى ابنُ أمتنا ابنَ أمتنا ويبقى العدو عدواً يحمي أوغاد الأرض في فلسطين، مغتصبي المسجد الأقصى، ثم نتحالف معهم على إخواننا، ونكفر إخواننا ونهدر دماءهم!! فلنتق الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
أيها المسلمون:
لنستيقظ ولنعد إلى رشدنا ولننبذ مشاعر الكراهية التي شاعت فيما بيننا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا) لا تفسدوا قال أصلحوا بين أخويكم
الله تعالى يقول (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) نحن اليوم نطبق العكس نقول: تنازعوا، (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)، نحن نقول تفرقوا ولا تعتصموا.
أيها المسلمون:
الخلافات الفكرية والعقدية يمكن أن نعالجها في ندوات حوارية، جرى ذلك في تاريخنا، حوارات جرت بين المعتزلة وأهل السنة بين الكثير والمخالفين وأهل السنة والجماعة جرت حوارات تفيض بها كتبنا ولله الحمد، ليس بالسيف سبيل الإصلاح ولا هو طريقة إزالة خلاف، سبيل إزالة الخلاف هو أن أجلس وإياك محتكمين لكتاب الله ولسنة رسوله، ثم يطلبون منا أن نوافق منهجهم في تكفير بعضنا لبعض ويتولون أعداءهم، ويكون أمريهم من مخالفيهم، يعيبون أن يكون أميرنا مخالفا لنا فيما يدعون ويتخذون كافرا لهم أميراً!! ألم يفعلوا ذلك؟ عودوا فانظروا
لماذا تعيب على غيرك أمراً ترتكب أضعافه؟ اتقوا الله في حق أنفسكم.
نحن اليوم بحاجة إلى إعادة التدبر في كتاب الله، وفي استعادة وحدة الكلمة لا تمزيق الصف وتشتيت الكلمة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم
فيا فوز المستغفرين


تشغيل

صوتي