مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 31/01/2020

خطبة الدكتور توفيق البوطي بتاريخ 31 / 1 / 2020

خطبة الجمعة للدكتور محمد توفيق رمضان البوطي


في جامع بني أمية الكبير بدمشق بتاريخ 31 /  1/ 2020


أمّا بعد فيا أيّها المسلمون؛ يقول ربنا جلّ شأنه في كتابه الكريم: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ويقول سبحانه: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).


أيها المسلمون؛ أن يمارس اللصّ لصوصيته ويبحث هنا وهناك عن مالٍ يختلسه ويسرقه، فهذا شأنه.. وعلى الناس أن يكونوا على حذرٍ منه، وأن يحافظوا على بيوتهم وخزائنهم ومتاجرهم من هذا اللصّ الخطير؛ أما أن يفتح إنسانٌ بيته ويستضيف هذا اللصّ ويكرمه ويجزل له العطاء، ثم يطلع على خزائنه وما لديه، فأمرٌ يثير العجب!


لقد ابتلي العالم اليوم بطاغيةٍ استخفّ بحقوق الشعوب، وسخر من القوانين الدولية والمواثيق والاتفاقيات، واستهزأ بحقوق الشعوب وشرعن العدوان والاغتصاب. ابتلي العالم بهذا الأخرق.. وصاح ونادى منذ فترة بصفقةٍ يعقدها لحلّ القضية الفلسطينية. وأخيراً، تمخّض الجبل فولد فأراً! ما هذه الصفقة؟! ومن الذي خوله أن يعقد صفقةً يبيع فيها حقّ أمة، ومقدسات أمة، وبيوت أناسٍ يملكونها، وأرض شعبٍ يسكنها؛ يجليهم بموجب هذه الصفقة ويأتي بشذّاذ الآفاق ليحلوا محلّهم؟! من الذي خوّله أن يعقد هذه الصفقة؟! وبأي حق؟!


طبعاً، عندما يكون هذا الطاغية لا يأبه للاتفاقيات الدولية ولا للشرعية الدولية ولا لمواثيق الأمم المتحدة ولا لحقّ الشعوب في تقرير مصيرها ولا لحقوق الإنسان؛ عندما يكون طاغيةٌ من هذا النوع، ينتظر منه مثل هذا وأكثر.. اسمعه وهو يسخر من زعماء الأرض ومن ملوك العرب، يسخر منهم، ويعلن أنه سيعلن هذه الصفقة. نعم؛ عندما ينام صاحب الحق عن حقه، تُسوّل للصوص والمعتدين نفوسُهم أن يتجرأوا على حقوق هؤلاء الناس.


 أصحاب الحق في أرض فلسطين هم شعب فلسطين. نعم؛ أصحاب الحق في أرض فلسطين هم الفلسطينيون والمقادسة وأهل الخليل وأهل غزة. أهل فلسطين هم أصحاب الحق، وليس أولئك الذين صفقوا له نفاقاً له ورحبوا بصفقته وكأنهم يملكون.. هم مجرد سدنة.. سدنةٌ لهذا الطاغية يتقربون إليه بتقبيل نعله.. هؤلاء الذين رحبوا بهذا الصفقة هم عبيده.. هم سدنته.. هم أجراؤه.


أجل؛ أما أصحاب الحق فهم أولئك الذين وضعوا أرواحهم فداءً للمسجد الأقصى.. أما أصحاب الحق - والذين إذا تكلموا سكت السدنة وسكت العملاء - فهم الفلسطينيون المجاهدون في سبيل حقهم.. في سبيل أرضهم.. في سبيل مقدساتهم.. وأزيد على ذلك.. أصحاب الحق في المسجد الأقصى والخليل وفلسطين هم الأمة الإسلامية برمتها. ولئن نامت الأمة الإسلامية ردحاً من الزمن، فلقد استيقظت اليوم، وستقرر قرارها وسوف تتخذ موقفها.


أجل؛ أقول إن سدنة هذا الطاغية لا يمكن أن يُؤتمنوا على حقٍّ.. لا يمكن أن يؤتمنوا على مواثيق.. ولا على ترابٍ مقدس.. ولا على المسجد الأقصى. إن من يسمح أو يعهد إلى يهوديٍّ ليترجم معاني كتاب الله فيشوهها ويحرّفها، لا يمكن أن يُؤتمن على المسجد الأقصى.


 وإن الذي يقدم التنازل عن دينه لا يُؤتمن على المسجد الأقصى ولا على أرض فلسطين. إن من ينشر الفسق والفجور بين الحرمين منتهكاً قدسيتهما، لا يمكن أن يُؤتمن على المسجد الأقصى والخليل وبيت لحم، ولا على ذرةٍ من تراب فلسطين. من ينتهك حرمات الخُلُق والدين، كيف يُؤتمن على أرض فلسطين؟! إن ما يجري اليوم من انتهاكٍ لحقوق الإنسان وتمزيقٍ للشرعية الدولية واستخفافٍ بالمواثيق الدولية، لن يوقف هذا الانتهاك كله إلا قرارٌ من الأمة.. قرارٌ من أصحاب الحق في أرض فلسطين.. قرارُ من أصحاب الحق في مقدسات فلسطين، وهم الأمة الإسلامية.


الأمة الإسلامية نامت ردحاً من الزمن، ولكن آن الأوان أن تستيقظ هذه الأمة، فتقرر قراراها بأن يجتمع شملها، وتنبذ أسباب الخلاف مما بينها وأن تحشد قواها. فالقرار قرار الشعوب وليس قرار سدنة الطاغية.. قرار الشعوب القرار الحرّ الذي يستمدّ من الغيرة على المقدسات.. الذي يستمد من إيمانهم بهذه المقدسات.. الذي يستمد من قوله سبحانه وتعالى: (فمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) والذي يستمد من قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) والذي يستمد من قوله تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).


أجل؛ إن قرار أو صفقة هذا الطاغية سوف تداس بالنعال وستمزّق. وإن طغيانه سوف يبوء به إلى هلاكه وإلى دمار كل قوى البغي والعدوان في الأرض.


أسأل الله أن يجمع كلمتنا على الحق والتقوى.. وأن يوفق هذه الأمة أن تجمع شملها وتطور نفسها وتتجاوز ضعفها، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ). أجل؛ ينبغي أن نرهب عدو الله وعدونا ما دام يتجرأ على حقوق أمتنا وعلى حقوق شعب فلسطين.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.

تحميل



تشغيل

صوتي
مشاهدة