مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 01/06/2020

خطبة الدكتور محمد توفيق رمضان البوطي بتاريخ 29 / 5 / 2020

خطبة الجمعة للدكتور محمد توفيق رمضان البوطي


في جامع بني أمية الكبير بدمشق بتاريخ 92 /  5 / 2020


أمّا بعد فيا أيّها المسلمون، يقول ربنا جلّ شأنه في كتابه الكريم: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}. ويقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}.  ثم يقول سبحانه: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}. ويقول النبي ﷺ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)).


أيها المسلمون، مضى شهر رمضان المبارك بعد أن أحيا المسلمون لياليه بالقيام ونهاره بالصيام، وبذل الأسخياء من أبناء وطننا الكثير الكثير في مواساة إخوانهم الفقراء ليمسحوا عنهم ألم الفاقة، ولكي يخفّفوا عنهم العوز والحاجة. ولقد أغاثوا اللهفان، والله يحب إغاثة اللهفان.


لا شك أن الدور الذي قام به كثيرٌ من الأسخياء الكرام قد أدى إلى آثارٍ مباركةٍ طيبةٍ في التخفيف عن كثيرٍ من المعوزين من أبناء مجتمعنا في البيئات الفقيرة. لذلك نقول: جزاهم الله تعالى عن هذه الأمة خيراً، وأجزل لهم المثوبة وعوضهم أضعافاً مضاعفة.  إلا أن أمراً لا بد من الإشارة إليه.


أيها المسلمون، إن الزكاة ركنٌ عظيمٌ من أعظم أركان الإسلام. ولقد قرنه كتاب الله بالإيمان والصلاة فقال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقال سبحانه: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} قرن بين الأمرين للتلازم الشديد فيما بين هذين الأمرين وبين الإيمان.


 أيها المسلمون ينبغي أن ندرك أمراً أريد الإشارة إليه في موقفي هذا! وأرجو من الجميع، أغنياءَ ومؤسساتٍ مالية وأصحاب عملٍ خيريّ بل وجهاتٍ رسميةٍ أيضاً؛ إلى أن الزكاة ليست مجرد سدّ حاجةٍ آنية. الزكاة مشروعٌ متكاملٌ، يهدف إلى إعادة التوازن الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع، وتحويل اليد الدنيا إلى يدٍ عليا؛ إلى استثمار الموارد البشرية التي عطلها الفقر فجعلها مجرد يدٍ مستهلكةٍ عالةٍ على المجتمع. الزكاة تهدف إلى جعلها يداً عليا منتجة.


وهذا يستدعي دراسة الواقع الاجتماعي والبيئي لمجتمعنا هذا، في محاولةٍ لتحديد أسباب حالة العوز والفاقة في كثيرٍ من بيئات مجتمعنا ودراستها لمعالجتها معالجةً فعّالة. إذ لدينا أيها المسلمون طاقاتٍ منتجةً متوثبةً أضاعها الفقر، وحولها إلى عبءٍ على المجتمع. بينما هي طاقاتٌ منتجةٌ إذا ما أحسن توظيفها واستثمارها واستغلالها بشكلٍ صحيح وتأهيلها وإعدادها وإعداد البيئة التي تعيش فيها.


وهذا يتطلب تضافر الجهود الوطنية بشتى أنواعها من فعالياتٍ اقتصاديةٍ. إلى جهاتٍ رسميةٍ. إلى مؤسساتٍ صناعيةٍ. إلى مؤسساتٍ زراعيةٍ؛ لتحويل البيئة إلى بيئةٍ منتجةٍ منتعشةٍ وتحويل هذه الأيدي إلى أيدٍ منتجةٍ معطاءةٍ تقدم لمجتمعنا الكثير.


وتحت هذه الإشارة كلامٌ طويلٌ وبيانٌ لا يتسع المقام له في هذه الساعة الوجيزة.


أيها المسلمون، نحن في حربٍ شرسة مع أقذر عدوٍّ عرفه التاريخ وأحقر عدوٍّ وجد على صفحة الزمن. نحن في حربٍ مع مثل هذا العدو؛ لذلك فإننا ينبغي أن نعدّ العدّة لمواجهته، ولا ينبغي أن نستسلم له. ولن نكون قادرين على مواجهته إلا بتضافر جهود هذا الوطن وتعاون أبنائه بشتى قطاعاته، ووضع برامج عمل تؤهل البيئة الفقيرة لتغدو بيئةً منتجةً معطاءةً بكرامةٍ وسخاء.


 إن الجندي الذي يقف في مواجهة العدو يقاتله ويقدم روحه ودمه في سبيل حماية هذه الأمة وحماية هذا الوطن، لن يكون قادراً على أداء دوره بقوةٍ وفاعليةٍ إلا إذا كان من ورائه مزارع تعطي ومصانع تنتج. وهذا هو الدور الذي ينبغي أن نبحث عن تفعيله وتحويله إلى واقعٍ منتجٍ مدروسٍ بشكلٍ صحيح.


أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لتحقيق هذا المعنى والإخلاص فيه.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.

تحميل



تشغيل

صوتي
مشاهدة