مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 26/06/2020

خطبة الدكتور محمد توفيق رمضان البوطي بتاريخ 26 / 6 / 2020

خطبة الجمعة للدكتور محمد توفيق رمضان البوطي


في جامع بني أمية الكبير بدمشق بتاريخ 26 /  6 / 2020


أما بعد فيا أيها المسلمون؛ يقول ربنا جل شأنه في كتابه الكريم في وصف المؤمنين الذين استقبلوا المهاجرين في المدينة: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ). وروى البخاري عن النعمان بن بشير أن النبي ﷺ قال: (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا).


أيها المسلمون، نحن جميعاً في سفينة هذا الوطن، وكلنا متضامنون متكافلون على مصالحنا ضمن هذا الوطن. وكلام النبي ﷺ دقيقٌ في وصف المجتمع الإسلامي، وتضامن أبنائه وتكافلهم، وتصوير ما يمكن أن يكون تجاوزاً على ذلك من آثارٍ سلبيةٍ ضارةٍ. إذ يقول: إن مَثلَ هذا المجتمع كمثلِ قومٍ ركبوا سفينة، فكان نصيب بعضهم في الطابق السفلي منها ونصيب آخرين في الطابق العلوي منها، وكان الماء الذي يحتاجون إليه في الطابق العلوي. فإذا لزم الذين هم في الطابق السفلي شيءٌ من الماء صعدوا إلى الطابق العلوي فاستقوا منه؛ فوجدوا باقتراحٍ أخرق أن يخرقوا في نصيبهم في الطابق السفلي خرقاً ليستقوا من ماء البحر. يقول النبي ﷺ: (إِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا). هذا تصرفٌ أخرق من شأنه أن يغرق السفينة بمن فيها. (وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا).


إن بعض الممارسات التي يرتكبها البعض من أبناء مجتمعنا من ذوي النظر القاصر والذين يتوهمون أن مصالحهم تتحقق في ذلك، مثل التهريب بأنواعه والاحتكار بأنواعه؛ هذه التصرفات من شأنها أن تخرق سفينة الوطن وتقوض اقتصاده. ومن ثم فإن الضرر سيعود على هذا الوطن بكل أبناءه، بمن فيهم الذين مارسوا تلك الممارسات الخاطئة فخرقوا في أسفل السفينة ذلك الخرق، مما يؤدي إلى غرق السفينة بمن فيها.


أيها المسلمون، هذا الوصف الدقيق الذي ذكرته من بيان النبوة يوضحه أننا اليوم في حربٍ شرسة تستهدفنا جميعاً، وهدفها تجويع هذا الشعب بالدرجة الأولى. فالضرر ينال هذا الشعب بكل مكوناته. نعم، هو المتضرر الأول من هذه الحرب الشرسة القذرة التي نعاني منها، والتي مضى على ممارسة أعدائنا لها ضدنا أكثر من عشر سنوات. هي ليست وليدة هذا الشهر أو ما قبله؛ هي حربٌ قديمةٌ ضد هذا الوطن تهدف إلى إركاعه وإخضاعه لمخططات العدو، لكي نقدم التنازلات عن الحقوق الثابتة وعن المقدسات، فإذا خضعنا لابتزاز ولحربه فلا الحقوق ستبقى ولا الوطن سيبقى.


على أننا نقول: إن هذه الحرب حربٌ فاشلة، لن تحقق أهدافها بإذن الله، إذا ما كنا متضامنين متعاونين، نقتسم موارد الوطن بعدالةٍ وإنصافٍ وتعاونٍ وتراحمٍ؛ إذا ما حررنا أنفسنا من التبعية الاقتصادية.


أيها المسلمون، إن الخطر إنما يكمن في أن يفكر البعض فيما يتوهمه من مصالح له مصلحةً عاجلةً، كاحتكار سلعة أو بتهريب بأنواعه، لا أريد أن أفصل. هذه المصلحة الآنية تؤدي بالنتيجة إلى خرقٍ في سفينة هذا الوطن وغرق هذه السفينة بكل من فيها، بالذين خرقوا وبالآخرين.


المسؤولية على الجميع؛ على المسؤولين وعلى رجال الأعمال وعلى الفعاليات الاقتصادية بشتى أشكالها وعلى المواطنين مستهلكين ومنتجين؛ كلنا أبناء هذا الوطن وكلنا ركاب سفينته. أيها المسلمون، شتان بين مواطنٍ يؤثر مصلحة الآخرين فيعينهم ويساعدهم فيَسعَدُ ويُسعدهم، فتعم السعادة هذا الوطن، ومواطنٍ آخر يعاني من مرض الأنانية والأثرة، فيعيش على آلام الآخرين فيشقي الآخرين ويشقى بشقائهم.


على أننا نقول أيضاً: شتان بين ينتمي إلى الوطن فيؤدي واجباته وحقوقَه أو يقصّر في تلك الواجبات والحقوق، وبين آخر يكيد لسفينة الوطن، ويتآمر عليها ويسعى لإغراقها خدمةً للعدو وتحقيقاً لأهدافه في تمزيق هذا الوطن وتفتيت هذه الأمة وإيقاع حالةٍ من الاضطراب في هذه الأمة.


أقول: خسئوا فلن يحققوا أهدافهم، هؤلاء سقطوا في الماضي القريب، وسيسقطون ومصيرهم السقوط دائماً بإذن الله تبارك وتعالى. ومصيرهم كما يقول ربنا جل شأنه في كتابه الكريم: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ۝ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ۝ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ).


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.

تحميل



تشغيل

صوتي
مشاهدة