مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 24/07/2020

خطبة الدكتور محمد توفيق رمضان البوطي بتاريخ 24 / 7 / 2020

خطبة الجمعة للدكتور محمد توفيق رمضان البوطي


في جامع بني أمية الكبير بدمشق بتاريخ 24 /  7 / 2020


أما بعد فيا أيها المسلمون؛ يقول ربنا جل شأنه في كتابه الكريم: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ۝ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ۝ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ). وصح عن النبي ﷺ أن قال: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ" يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَال: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ". وعن سيدتنا فاطمة رضي الله تعالى عنها فيما رواه عمران بن حصين أن النبي ﷺ قال:


"يا فاطِمةُ‍ !قومي إلى أُضحِيتِكِ فاشهَديها، فإنَّه يُغفَرُ لكِ عندَ أوَّلِ قطرةٍ من دمِها كلُّ ذنبٍ عمِلتيه، قال عمرانُ بنُ حُصَينٍ: قلتُ يا رسولَ اللهِ! هذا لكَ و لأهلِ بيتِك خاصَّةً و أهلُ ذاك أنتُم - أم للمُسلِمينَ عامَّةً ؟ قال: لا بل للمُسلمينَ عامَّةً".


وسبق أن روينا حديثاً عن النبي ﷺ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أفضَلُ عِندَ اللهِ مِنْ عَشرِ ذِي الحِجِّة". وقد ورد أن اليوم فيه بألف ويوم عرفة بعشرة آلاف.


لهذه الأيام شأنٌ عظيمٌ ومنزلةٌ كبيرةٌ، ونحن لا زلنا في مطلعها. نعم، نحن الآن في اليوم الثالث منها ولا تزال لدينا فرصةٌ متاحة، للذين يريدون أن يغتنموا الفرصة التي أتاحها الله تعالى للمقبلين على طاعته الراغبين في التقرب إليه.


أيها المسلمون، لا زلنا في أوائل هذا العشر، ولكن العمر قصير، والأيام تمضي سريعاً. فما على الإنسان إلا أن يغتنم كما قال النبي ﷺ: ((إنَّ لربِّكُمْ في أيامِ دهرِكُمْ نفحاتٌ ألا فتعرَّضوا لها)). هذه النفحات.. هذه الهدايا.. هذا الإكرام الإلهي العظيم الذي يغدقه الله U على المقبلين عليه في هذه الأيام، ما ينبغي أن نزهد فيها ما ينبغي أن تفوت الفرصة. ترى هل سأعيش إلى يوم عرفة القادم؟ هل سأحيى إلى عشر ذي الحجة القادم؟ إنها فرصة لا أدري هل ستكرر أم لا. كلنا يعلم أن كثيرين ممن عرفنا وممن أحببنا من أصدقاءٍ أو أقرباءٍ كانوا السنة الماضية بيننا واليوم يتمنون لو أنهم حظوا بمثل ما حظينا به! لو أنهم نالوا الفرصة التي أتيحت لنا! فلا نضيعنّها ولا نفوتنّها!


أيها المسلمون، إن باب فضل الله قد فتح وموسم عطاء الله U قد بدأ، فلنشد المئزر، ولنبدأ بهمةٍ قعساء وإرادةٍ مقبلةٍ على الله أن يضاعف الله لنا الأجر، أن يكرمنا الله بالقبول. هذه الأيام العبادات فيها متنوعة، لعل ذروتها الحج إلى بيت الله الحرام. ولئن حيل بيننا وبين الحج في هذه السنة وسنواتٍ مضت، فإن ذلك لا يعني أن كرم الله U منحصرٌ في الزمان والمكان. ولكن المأمول أن تزول هذه العوائق سواء أكانت عوائقَ مرَضيّة أو كانت عوائقَ سياسية، أن تزول هذه العوائق ويتاح للمشتاقين الراغبين أن يكحلوا مآقيهم برؤية الكعبة المشرفة، والطواف حول البيت وهم يقولون: (اللهم إن البيت بيتك والحرم حرمك وهذا مقام العائذ بك من النار).


نعم هؤلاء الذين قد اشتاقوا لكي يطوفوا حول بيت الله U ويمرغوا وجوههم على أعتاب الله سبحانه وتعالى ساجدين راكعين طائفين باكين متضرعين، أقول: يمكنك أن تتضرع في بيتك، ولعل حرماناً في ظاهره هو عطاء في حقيقته. فمن صدقت منه الرغبة ومن صح منه الشوق ومن كان عنده إقبالٌ على الله بصدق، فالله لن يضيع أجره، وسيعوضه الله تعالى إن شاء الله بفضله وكرمه وإحسانه أضعاف ما يكرم به الذين هم جسدياً هناك. رب إنسانٍ طاف جسده حول الكعبة وقلبه في بلده، ورب إنسانٍ هو في بلده والكعبة تطوف حول قلبه.


أسأل الله تعالى أن يكرمنا بالقبول وبالفرج وبالعافية والسلامة بفضله ومنه وكرمه.


أما ينبغي لنا في هذه الأيام أن نرفع الأكف إلى الله ضارعين إليه أن يكشف عنا من الغم والهم والكرب ما لا يعد؟ إن قلنا الوباء، فهو وباءٌ قد استشرى؛ وإن قلنا العدوان، فلقد تجرأ أعداؤنا علينا كما لم يتجرأوا من قبل؛ وإن قلنا الفتنة، فلقد أوقعوا بين الأخ وأخيه؛ وإن قلنا الغلاء، فلقد عانى الناس من الغلاء ما عانوا. لذلك هذه الليالي ليالي رفع الأكف إلى الله والتضرع إليه أن يغفر لنا.. أن يرحمنا.. أن يفرج عنا.. أن يكشف عنا من البلاء والضر والشدة والمحنة والوباء ما لا يكشفه عنا غيره.


اللهم إليك التجأنا وبك اعتصمنا وإليك أنبنا وعليك توكلنا، ففرج اللهم عنا ما أهمنا وأغمنا.


من عبادات هذه العشر كما تعلمون الأضحية، ولقد سمعتم حديث النبي ﷺ إذ قال لفاطمة: "يا فاطِمةُ‍ !قومي إلى أُضحِيتِكِ فاشهَديها، فإنَّه يُغفَرُ لكِ عندَ أوَّلِ قطرةٍ من دمِها كلُّ ذنبٍ عمِلتيه، قال عمرانُ بنُ حُصَينٍ: قلتُ يا رسولَ اللهِ! هذا لكَ ولأهلِ بيتِك خاصَّةً وأهلُ ذاك أنتُم - أم للمُسلِمينَ عامَّةً؟ قال: لا بل للمُسلمينَ عامَّةً".


نحن نعلم أن شدة وطأة الغلاء قد جعلت من الصعب على كثيرين أن يحققوا سنة هذه الأضحية، أو واجبها كما يرى السادة الحنفية عندما يتحقق النصاب وزيادة؛ ولكن أقول: إن كثيراً من الإخوة الذين بارك الله لهم في رزقهم، ووسع عليهم في أموالهم، ربنا تبارك وتعالى أكرمهم ففاضت قلوبهم عطفاً على الفقراء، فهم في الحقيقة لا يضحون مرةً بل مرات ويبذلون. وكثير من العوائل التي قد لا تتوقع أنها ترزق في مثل هذا الموسم، تجد أنها تعيش في بحبوحةٍ بفضل هؤلاء المحسنين. بارك الله بهذه البلاد وبارك الله بالمحسنين فيها. أسأل الله أن يزيدهم من فضله وأن يزيد في هذا البلد من البركة، مصداق حديث رسول الله ﷺ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا". ومصداق حديث المصطفى ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ".


أيها المسلمون، إن مزايا هذه الأيام لا تنحصر في ضيوف الرحمن الذين أكرمهم الله بالطواف حول بيته وبالوقوف في صعيد عرفة. ولا شك أنه إكرام عظيمٌ أن يقف الإنسان في صعيد عرفة، ولكن كما ذكرت إن كرم الله U لا يحده زمان ولا يحده مكان، لذلك قال النبي e لنا جميعاً، لمن أكرمهم الله بالوقوف في عرفة ولغيرهم: "أفضلُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ".


فلا تنس أن أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، فأكثر فيه من الدعاء والتضرع إلى الله أن يكشف الله عن الأمة ما قد ألمّ بها من بلاءٍ ووباءٍ وعدوانٍ وغلاءٍ. وأكثر من ذكر (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) عملاً بما ورد في حديث النبي ﷺ :((خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير((.


أسأل الله سبحانه وتعالى أن يفرج عنها فرجاً قريباً وأن يكرمنا بالقبول في هذا العشر وأن يجعلنا ممن تغمدهم بواسع رحمته وأحسن إليهم بقبوله ووفقهم لذكره طاعته.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.

تحميل



تشغيل

صوتي
مشاهدة