مميز
EN عربي

الفتوى رقم #54873

التاريخ: 13/04/2016
المفتي:

حول تفسير مشبوه صدر حديثاً في أمريكا

التصنيف: القرآن الكريم وعلومه

السؤال

إلي العلماء الأفاضل—أدام الله بركاتكم—السلام عليكم و رحمة الله و بركاته صُدرت حديثا ترجمة إنكليزية للقرآن الكريم و تفسيره بعنوان "القرآن الدراسي" ، قام به عدد من الأكادميين الغربيين. يحتوي الكتاب على التفسير السني والشيعي والصوفي بالإضافة إلى بعض البحوث الملحقة.و للأسف، رغم وجود بعض الفوائد في الكتاب،قدّم المترجمون خلال تفسيرهم لبعض الآيات تأويلات حسب فكرة وحدة الأديان. وكمثال على هذا قالوا حول تفسير آية: إن الدين عند الله الإسلام [آل عمران:٢٠]: "يزعم كثيرمن المسلمين أن هذه الآية تدل على أن الدين الوحيد المقبول عند الله هو الذي أنزل على نبي الإسلام، ولكن معناه الأعم الذي أكّده كثير من أئمة الإسلام عبر العصور هو أن الإسلام في هذه الآية يراد به الإستسلام إلى الله وإن لم يكن عن طريق الإسلام كالدين المخصوص الذي تم نزوله بالقرآن." ثم يرجع الكاتب المفسّر لهذه الآية إلى بحثه في آخر الكتاب المعنون ب "النظر القرآني للتأريخ القدسي والأديان الأخرى" حيث يزعم إن الكتب السماوية والأديان السابقة غير منسوخة بالإسلام؛ فيقول: " فكرة كون الكتب السابقة منسوخة بمعنى أنها بُطّلت أو حُرّفت إلى حد أن الرسالة فيها لا تمثل خصائص التعاليم الأصلية كما يقول به بعض المسلمين تبدو مناقضة بالآيات مثل آية٤٣ من سورة المائدة : "وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين" يوجد في القرآن تناقض أن يتكلم عن فعالية التحكيم بالتوراة والإنجيل إن زعم أن هذه الكتب قد نسخت أو حرفت إلى غاية مفرطة ... لو كانت الأديان السابقة قد نسخت بإنزال القرآن فلم يعقل أن يقال للنبي محمد أن يستنصحها حيث يقول "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ." و يقول حول آية : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ: " لكن الفكرة أن الآية ٨٥ من سورة آل عمران تنسخ آية ٦٢من سورة البقرة تتعلق بتأويل بعض المفسرين بأن هذه الآية ترفض "قبول" أي نوع من الدين غير الذي جاء به النبي محمد. ولكن هذا القول لا يخلو عن تناقضات إذ لا تأخذ بعين الاعتبار إستعمال الأشمل والأعم ل [كلمة] الإسلام و المسلم في القرآن في إطلاقه على كل دين توحيدي و حق." وقال في تفسير آية حول عقيدة التثليث المسيحية: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ... [المائدة :٧٣]: "لكن الآية إنما يتوعد بالعذاب للذين كفروا منهم إشارة إلى أنه ليس لجميع النصارى. ثم أي تفسيريقول أن جميع النصارى يُمنعون من دخول الجنة في الآخرة يعارض صراحة آية٦٩ و ٦٢ من سورة البقرة حيث النصارى و مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِم وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون، ولا يتفق مع وصف الفضيلة النصرانية في آيات ٨٢-٨٥ [من السورة المائدة]" وقال عن فكرة التثليث المنتقدة في القرآن: "وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاثَةٌ انتَهُواْ... [سورة النساء:١٧١] ، لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ... [سورة المائدة :٧٣] .لكن هذا ليس إنكارا موجها مباشرا إلى عقيدة المسيحية لأن عقيدة التثليث لا تجعل الإله واحد الثلاث بل يتحدث عن الإله الثالوث الذي يكون واحدا وثلاثا بطريقة تتعالى عن الإدراك الإنساني. على ضوء هذا، الآية المذكورة لا تعارض الأنواع المختلفة لمذهب التثليث الأرثوذكسي التي ساد أغلب التأريخ المسيحي . بل يظهر أن الآية إنما تعارض سوء أفهام فاحشة لها التي تؤدي إلى أن يعتقد أن هناك ثلاثة آلهة بدلا عن واحد". و أمثال هذه الأفكار موجودة بكثرة من بداية الكتاب الى آخرها. و في بحث آخر، كذلك ملحق بالكتاب، في موضوع نار جهنم يقول مؤلفه حول مسألة دوام النار: " في صدر الإسلام، اختلف العلماء حول مدة دوام نار جهنم . قال الجمهور منهم إن جهنم مؤبد وحالة متحققة غير متناه ولكن بعض الطوائف قالوا خلاف ذلك و نقلوا آيات تشير إلى إنتهاء عذاب النار و احتجوا بأن هذا أوفق بقول الله تعالى "رحمتي سبقت غضبي." فالعلماء انقسموا إلى ثلاثة فئات . الأول اعتقدوا أن جهنم وإن لم تنته عذابها سينتهي، ودليلهم على ذلك آية (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا. لِلطَّاغِينَ مَآبًا. لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) و هذا هو رأي أحمد ابن تيمية وابن قيم و ابن العربي . و يبدو أن الإمام الغزالي يقول بقول شبيه بهذا وهو أن غالبية أصحاب جهنم يخلصون في النهاية كما هو ظاهر في كتابه فيصل التفرقة ". ولعل هذا الكتاب لم يكن ليشتهر لولم يقرظوه ويمدحوه بعض الدعاة المشهورين بالغرب مطلقا بدون أي تحذير من هذه التأويلات السخيفة والعقائد الباطلة، حتى إن أحدهم وصف الكتاب ب " أنه فتح عظيم و هبة من الله"، وقال آخر "لعله أهم مؤلف في الديانة الإسلامية باللغة الإنكليزية حتى الحين "، و"هذا رحمة ونعمة من الله"، وهم على علم بمشرب المترجمين لهذا الكتاب. ثم هذا الأخير زاد في الطين بلة عندما استضاف في معهده الإسلامي بأمريكا أحد مترجمي الكتاب لإلقاء الكلمة حول الكتاب بدون أي تحدي أو رد من قبل لجنة الاستضافة لدعاويه الباطلة، بالعكس هم شجعوا على الحاضرين اقتناء الكتاب والحصول على التوقيع من المترجم على نسخهم عند اختتام الجلسة. فصارالكتاب مروجا عند عامة الناس وانتشر اقتناؤه و نحن نخاف من إفساده أذهان القراء لذا نطلب منكم الإرشاد والفتوى على الأسئلة التالية: 1. ما حكم من يدّعي الإسلام، وهو يعتقد صحة الأديان غير الإسلام بزعم أن الإسلام لم ينسخ الأديان السابقة؛ هل يخرجه هذا الاعتقاد من الملة ولو كان له تأويل؟ 2. ما حكم اعتقاد فناء النار أو فناء عذابه؟ هل في المسألة خلاف معتبر؟ 3. ما حكم ترويج الكتاب المذكور وتقريظه و التشجيع على الناس اقتناءه وقراءته بدون تحذير من التأويلات المشكلة ؟ 4. ما حكم قراءة عوام المسلمين هذا الكتاب ؟ جماعة من طلبة بريطانيا برمنغهام١٦ /٢/ ٢٠١٦
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم على نهج الحق إلى يوم الدين وبعد فقد اطلعت على تفسير لآيات من كتاب الله يجافي ما عليه أهل الحق، ويخالف النص القرآني بتاويلاته المنافية للصواب. وأعتقد ان القائل بها على ضلالة في عقيدته. ومن أخذ به يجب عليه أن يعود على طريق الحق ، وإلا فهو ممن قال فيهم الله جل شأنه: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) إن كتاب الله تعالى قد أمرنا أن نحسن مجادلة أهل الكتاب الذين نختلف معهم فيما يعتقدون بشأن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام أو عزير عليه الصلاة والسلام. كتاب الله تعالى يدعو أهل الكتاب للإيمان بسيدنا محمد e ولا يعد من أهل النجاة من كفر بسيدنا محمد ، ولا يعد من أهل النجاة من اعتقد أن الله ثالث ثلاثة أو قال إن المسيح ابن الله. وعقيدتنا لا تؤخذ من مشبوهين في عقيدتهم ولا ممن يتملقون المخالفين استرضاء وتوخياً لمصالح أو نحوها. إن مثل هذا التفسير يهدف إلى إضاعة المسلمين وإبعادهم عن مسالك المعرفة الصحيحة لدينهم وعقيدتهم. إن حسن معاملة أهل الكتاب شيء وتقديم التنازلات إليهم بمخالفة عقيدتنا وشريعتنا شيء آخر. ووجوب أن لا نجادل أهل الكتب إلا بالتي هي أحسن شيء ومخالفة صريح كتاب الله استرضاء لهم شيء آخر. إن اعتقاد ان أهل الكتاب في معتقداتهم الحالية غير كفرة يناقض صريح كتاب الله. وإن ترويج مثل هذه الإصدارات موجة من موجات التضليل التي يتعرض لها المسلمون فوق مصائبهم. كما أن اعتقاد عدم خلود أهل النار فيها يتنافى مع قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء56 وغيرها مما يدل دلالة صريحة على خلود أهل النار فيها وخلود أهل الجنة فيها، فضلاً عن ان ما ورد في هذا التفسير يتجاهل الأحاديث النبوية الصريحة الصحيحة في ذلك. وهذا يدل على ان واضعي هذا التفسير يعرضون عن قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فقد روى البخاري عن أبي سعيد الخدري t قال قال رسول الله e: "يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: وهل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ: وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة، وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا وهم لا يؤمنون. إن ترويج مثل هذا الكتاب مساهمة في التضليل وخدمة لمخطط تشتيت أفكار الأمة عن النهج السديد. والله أعلم. خادم العلم: محمد توفيق رمضان