مميز
EN عربي

السلسلة: القرآن والحياة

المدرس: العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
التاريخ: 09/04/1978

14- الحلقة الرابعة عشرة: الزهد والفقر

التصنيف: علوم القرآن الكريم

الإنسان الذي لم يعطه الله سبحانه وتعالى المال لا يسمى بمجرَّد ذلك زاهداً، وإنَّما الزهد شيءٌ حدده لنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بحديثٍ واضحٍ صحيحٍ ما رواه الترمذي وأبو داود عندما قال: (ليس الزهد في تحريم الحلال، ولا في إضاعة المال، إنما الزهادة أن تكون بما في يد الله أوثق مما في يدك)


وثمرة الزهد السلوكية تتحقق بأن لا يمنع هذا الإنسانَ وجودُ المال لديه من أن يعود به جميعاً إلى محتاجٍ رآه في الطريق؛ ذلك لأنَّ قلبه متعلِّقٌ بعطاء الله، واثقٌ بوعد الله سبحانه وتعالى.


لو أنَّ إنساناً حُرِم من مُتَع الدنيا وزينتها، ولكنَّهُ لو أُكرِم بما قد أُكرِم به الأغنياءُ فلسوف يعطي المحتاجين، فهذا إنسانٌ يَعدُّهُ اللهُ عزَّ وجلَّ من الزاهدين، وكثيراً ما يُعطَى يومَ القيامة أناسٌ حُرِموا من المال أجرَ المتصدقين بسبب نياتهم.


عامة الناس يتصورون أنَّ الزهد مظهرٌ، هذا خطأٌ؛ فالفقير قد يكون من أكبر الشَّرهين والطامعين، فالطمع تطلعُ النَّفس لا الواقع الذي يعيشه الإنسان، وقد يكون الفقير من الزَّاهدين؛ لأنَّه لو أعطاه الله لآثر بهذا المال غيرَهُ، وقد يكون الإنسان غيِّناً، ولكنَّه عند الله من أكبر الزاهدين؛ ذلك لأنَّه لا يدَّخر عنده شيئاً ممَّا قد أعطاه الله.


الرسول عليه الصلاة والسلام استعاذ بالله من الفقر، وقال: (كاد الفقر أن يكون كفراً) وتصوُّرُ كثيرٍ من الناس أنَّ النبي كان فقيراً تصورٌ خاطئ، لأنَّ الفقر: أن يعدم الإنسان شيئاً مع طلبه له، أما أن يعدم الإنسان متاعاً وهو مترفعٌ عليه، فهذا زهدٌ وليس بفقرٍ، ولذلك لا يوصف رسول الله بالفقر؛ فالله عزَّ وجلَّ جعل الدُّنيا كلها طوعَ يديه، ولكنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم آثر أن يشبع يوماً فيحمد الله، وأن يجوع يوماً فيسأل الله عزَّ وجلَّ.
إذن الفقر بالمعنى الحقيقي ليس ممدوحاً.



تحميل



تشغيل

صوتي