مميز
EN عربي

السلسلة: القرآن والحياة

المدرس: العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
التاريخ: 12/03/1978

11- الحلقة الحادية عشرة: مقياس إنصاف المرأة

التصنيف: علوم القرآن الكريم

لا إشكال في أنَّ المرأة نصف المجتمع، بل هذا ما يؤكده الواقعُ والتشريعُ والتاريخُ والفطرةُ، وما من إنسانٍ إلا وتترتب عليه حقوقٌ لمجتمعه كما تترتب له حقوقٌ على مجتمعه، وهذا يصدق على الرجل كما يصدق على المرأة.


إنصاف المرأة ينظر فيه إلى التالي: المقياس الأول: حقوقها الفطرية والإنسانية التي ينبغي أن تنالها، المقياس الثاني: الواجبات الاجتماعية التي ينبغي أن تخضع لها.


ولابدَّ من تنسيقٍ بين هذه الواجبات وتلك الحقوق، فبمقدار ما تعامل المرأة بطريقةٍ تتحقق بها حقوقها وتنهض في الوقت ذاته بواجباتها يتحقق الإنصاف، وبمقدار ما تنأى معاملاتها عن هذا المقياس يتقاصر الإنصاف.


كل الحقوق التي أعطاها الإسلام للرجل بناءً على حاجاته الفطرية والإنسانية والاجتماعية هي ذاتها أيضاً التي أعطاها الإسلام للمرأة، لكنَّ الأمر يختلف لدى التنسيق بين هذه الحقوق التي للرجل وللمرأة والواجبات التي ينبغي أن ينهض بها الرجل والمرأة.


نحن نقول إنَّ كل رجلٍ من الناس له حقوقه في المجتمع وعليه واجباته، لكن لا تطبق عليهم هذه القاعدة تطبيقاً واحداً طبعاً فهنالك رجالٌ لهم قدراتٌ إبداعيةٌ، وهنالك رجالٌ لهم قدراتٌ عضليةٌ، فيكلَّف كلُّ فريقٍ بأداء الواجبات الاجتماعية بما يناسبه، ولا شك أنَّ أصحاب هذه القدرات العضلية يحرمون من بعض التصرفات التي ينهض بها أولئك، والعكس صحيحٌ، وليس في الناس من يقول إنَّ الإسلام هضم حقوق الرجال؛ لأنَّ المسألة بالنَّظر إلى تنوع الرجال في قدراتهم وإمكاناتهم.


الأمر ذاته ينظر به إلى المرأة، فالنساء كالرجال يختلفن في القدرات والاستعدادات والرغبات، فإذن إنصاف الرجل مقياسه نفس مقياس إنصاف المرأة، المرأة التي أوتيت القدرة على العمل العلمي الهامِّ الذي يحتاج إليه المجتمع، في حين أنَّ النخبة التي لدينا من الرجال لم يؤتَ واحدٌ منهم القدرة على هذا الجانب، لا شكَّ أنَّنا نصطفي المرأة لهذا العمل، ونترك الرجل لما هو مستعدٌّ له فهكذا تلاحظ أنَّ الفوارق ما بين الرجل والمرأة تسقط لدى النظر إلى حاجة المجتمع، وإلى استعداد كلٍّ من الرجل والمرأة.


تاريخنا الإسلامي انعكاسٌ لحكم الشريعة الإسلامية، وسنلتقط ما يتفق مع أحكام الشريعة، ولا شأنَ لي بالشذوذات، فما من امرأةٍ أوتيت قدرةً على أن تخدم المجتمع في نطاق العلوم، أياً كانت هذه العلوم، إلا ورحب المجتمع بها لتتبوأ هذا المركز، فتاريخنا الإسلاميُّ شهد نساءً محدِّثاتٍ، ونساءً مارسنَ الفتيا، وخروجَ المرأة للاشتراك مع الرجال في القتال، واشتراكَ المرأة مع الرجل في مجالس الشورى.
هذا لم يكن عبارةً عن تجميل المجتمع بمنظر المرأة في أماكن الفتيا وحلقات العلم وساحات القتال، ولكنَّ المسألة تتبع حاجة المجتمع، إضافةً إلى قدرة المرأة، وهذا المبدأ لو اتُّبع في أيِّ وقتٍ من الأوقات لكنَّا بهذا مطبِّقين أحكام الشريعة أدقَّ تطبيقٍ.



تحميل



تشغيل

صوتي