العبودية: هي الاصطباغ العام لسلوك الإنسان في مختلف تقلُّباته من منطلق تحقيق هويته عبداً لله عزَّ وجلَّ.
والعبودة درجةٌ أسمى وهي: أن يكون الإنسان في حالةٍ يغيب فيها عن مراداته، ويغيب فيها عن رغباته، وإنَّما يصبح منتظراً لأمر الله سبحانه وتعالى وإرادته.
للعبادات ثمراتٌ تربويةٌ تعود إلى الفرد والمجتمع، ولكنَّ هذه النتائج لا تتحقَّق إلا إذا انصاع لها الإنسان لمجرَّد أن الله سبحانه وتعالى أمر بها.
الإنسان لديه كبرياء، ولا يمكن أن يتحرَّر منه إلَّا إذا تلقَّى أوامر الله عزَّ وجلَّ، قائلاً: لبيك، لا لشيءٍ، إلا لأنَّ الله عزَّ وجلَّ أمر، فإن هو ثبت على هذا، فإنَّ سيره في هذا الطريق يذيب كبريائه، ومن ثم يتهيَّأ للتعاون مع إخوانه من مستوى التواضع والمساواة.
على المسلم أن يدرك أنَّ العبادات لمصلحته، لا على أنَّها تعاقدٌ بينه وبين الله عزَّ وجلَّ. فلو ظلَّ يسأل، لماذا الصلاة؟ ما الفائدة من الصوم؟ وأجبناه جواباً يشفي غليله فقد فقدت العبادة أسرارَها وحِكمها؛ ذلك لأنَّ هذه الرعونة ستبقى عنده؛ إذ إنَّه يغذي أنانيته وقناعته ولا يغذي عبوديته لله سبحانه وتعالى.
من يقول: المهم أن يكون القلب سليماً والضمير حياً وألَّا أؤذي الآخرين وإن قصرت في العبادات، شأنه كشأن من يحاول أن يطبب نفسه وليست له خبرةٌ بالطب أبداً، فالضمير وعاء فارغ، ولو كان يمتلئ بالخير دونَ أن يربي الباري عبادَهُ بالطاعاتِ لما كلَّفهم بها قط، والواقع أنَّ الذي سينعكس على ضميره لو لم يشتغل بالعبادة حبُّه لذاته ولمصالحه ولشهواته وأهوائه، فيصبح الضمير مجنَّداً لرغائبه الشخصية.
وما ينبغي أيضاً أن نتصور أنَّ العبادة لا تحقِّق آثارها إذا وجدنا شخصاً يمارسها وكيانُهُ ينطوي على كثيرٍ من الرعونات، لأنَّ للعبادةِ ظاهرٌ لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الاتصال بسرٍ باطني موصولٍ بالقصد السليم، العبادة حياتها النية، ومن يتجمل بالعبادات ليجعل منها أسباباً ليحبب الناس إليه، فهو ممثل.