مميز
EN عربي

الفتوى رقم #6001

التاريخ: 25/12/2019
المفتي: الشيخ محمد الفحام

ذاك مَحْضُ الإيمان

التصنيف: العقيدة والمذاهب الفكرية

السؤال

 انا برد علي نفسي واقول ربنا موجود فوق سبع سموات وهو اللي خلقنا وخلق كل ده ومقتنع بس يجي حاجه كده تقولي لا مفيش الكلام ده غلط والله الموضوع قلقاني خلاص وتعبت وبصلي وبدعي وبقرأ قرأن واذكار وبتستغفز بس بحس اللي انا يعمله ده كله عادي ساعات احس بخشوع وساعات تفكيري يقول لا انتي اللي بتعمليه ده ولا حاجه انا عاوزه الفكره تمشي من دماغي او حته لما تجيلي اعرف اتعامل معاها واحلها عشان اما عاقله وعمدي مخ افكر فيها وربنا ميزنا بالعقل عن الحيوانات انا عمري ما كنت كده انا اول مره يحصلي كده وساعات ابقئ كويسه وفي ثانيه تيجي حاجه في تفكيري تعكنن عليا عاوزه ابقئ كويسه ويبقئ ربنا راضي عني وعاوزه اعبده عباده صحيحه وادخل جنته وميخدنيش بذنب اي تفكير يجي في بالي او اي سؤال. انا حاليا كويسه بس تفكيري تاعبني ومش عارفه اقول لحد علي ده ولا انا مريضه نفسيه . اسفه علي الاطاله ارجو الرد وشكرا 

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى الأخت الكريمة! بدايةً أُبَشِّرُكِ بِبِشارةِ السيِّد الأَعظم صلى الله عليه وسلم الذي لَمَّا سُئِلَ عمَّا تَسْأَلين عنه قال: (ذاك مَحْضُ الإيمان) والتعليل؛ أنَّ السائلَ ما سألَ إلا لِشدَّةِ حِرْصِه على إيمانِه أولاً, وخوفِه من ذهاب نعمة الإيمانِ ثانياً, وضمانه النجاة يوم المعاد ثالثاً, وتَسْكينِ قلبه من شاغل الوسواس رابعاً.   

أما عن التساؤلات التي تَعْتَريكِ فإنَّما هي وساوسُ شيطانيَّةٌ طارئةٌ وعارضةٌ لا صِلَةَ لها بجوهرِ الداخلِ القَلبي, فلا يؤاخَذُ العبدُ بها لأنها لا تدخل في مَناطِ التَكليف.

ومعلومٌ أنَّ العَرَضَ دائماً إلى زوالٍ لكنْ بِشَرْطِ عَدَمِ الاكتراثِ به, أو الاهتمام بمضامينه.

وهنا يجْدُرُ القولُ بأنَّ على المسلمِ أنْ يُحيطَ عِلْماً بثوابِتِ العقيدة والتي مِنْ أهمِّها ما يَجِبُ في حقِّ اللهِ تعالى وما يَستحيلُ في حقِّه؛

فَمِمَّا يجبُ في حقِّه صِفاتُ الكمالِ ومن أسمائه القدُّوس الْمُنَزَّه عن النقائص , والموصوف بكمالات الألوهية, فهو مُنَزَّهٌ عن الشبيه, والتي منها أنْ يُتَصَوَّرَ لله حَدٌّ مكاني لأنَّه سبحانه مُسْتَغْنٍ عن التَّحَيُّزِ في جهة, أو حدِّ وجوده في زمان لأنَّه خالقُ الزمان والمكانِ ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يشير إلى هذه الحقيقة بقوله: (كان اللهُ ولا شيءَ معه) أي: وهو الآن على ما عليه كان, والمعنى: أنه سبحانه كان قبل خَلْقِ الزمان والمكانِ لأنَّ مِنْ تمامِ مُقَوِّماتِ الأُلوهية استغناءَ الخالقِ عن المخلوقِ وعدمَ احتياجِه إلى ما يَحتاجُهُ المخلوقُ مِنْ حَدِّ الزمان والمكان والجهة والشبيه فهو مُنَزَّهٌ عن الفوقية أو التحتية لأنها أشياءُ مخلوقة, وبناءً عليه تقول القاعدةُ العَقَدِيَّةُ: [كلُّ ما خطَرَ بِبَالِكَ فاللهُ بخلاف ذلك] ذلك أنَّ ذِهْنَ العبدِ مِرآةٌ تَعْكِسُ الصُّوَرَ المخلوقة التي رآها ويراها, والله تعالى خالقٌ لا مَخْلوقٌ, مِنْ هنا كانتِ الآيةُ الْمُحْكَمَةُ هي الميزانَ وهي قولُه تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) وفي رحابِ هذا الكلامِ كان بيانُ اللهِ تعالى واضحاً دالاً على تلك الحقيقةِ الجليلة بقوله تعالى؛ (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).

وعليه؛ فأنَّى لِلْمَخْلوقِ الضعيفِ المحدودِ أنْ يُدْرِكَ كُنْهَ الحقيقةِ الإلهية المطلقة, وكثيراً ما يضرِبُ العلماءُ الأدلةَ العقلية على ذلك منها؛ أنَّ العبدَ المخلوقَ المأسورَ بأسباب الحياة الدنيا والْمُثَقَل بأَعْباءِ التَّكَليفِ لا يملك الطاقةَ أنْ يُمَكِّنَ نَظَره من بعض المخلوقات العظيمة الْمُبْهِرَة كالشمس مثلاً , فكيف بخالقِها؟؟؟ لكنْ ينبغي العلمُ بأنَّ ذلك مُرْتَبِطٌ بدارِ التكليف أي في الدنيا فقط, أما يومَ اللقاء فَمِنْ تمامِ فَضْلِ اللهِ تعالى وحِكْمِته وعدُه عبادَه المؤمنين بأَنَّ مِنْ أَعْلَى نَعيمِ الجِنان رؤيةَ الحنَّان المنَّان بدعوةٍ كريمةٍ منه سبحانه بعد تَقَلُّبِهم في نعيمِ الجَنَّة إلى رؤيَتِه فَيَنْطَلِقُون بأمْرِ اللهِ تعالى في وِفَادَةٍ إلى تحقيقِ ذلك الوَعْدِ وقد هيَّأَهُمُ اللهُ تعالى ومَتَّعَهُم بالقدرةِ على النَّظَرِ إليه سبحانه وتعالى بما يَليقُ بإمداداته وقدرتِه وإرادتِه, فيرون اللهَ تعالى مَعْبَودَهم بعد دخولِهم الجنةَ يرون من عبدوه في دنياهم وذاقوا طعم محبته فاشتاقوا إلى رؤيتِه فَحَقَّقَ لهم مَوْعُودَه بما هو أهلُه وهو القائل سبحانه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) لكنْ بلا كيفٍ ولا انحصار.  

أما عن تصور الكيفية يومَها فلم نُطالَبْ بها, لذا فَلْتُتْرَكْ إلى يومِها, ويكفي أنْ نَسْأَلَ الله تعالى أنْ يجعلَنا مِنْ أهلِها.

ختاماً؛ أُخْتَنا الكريمة اطمئِني بالاً, فإنَّ الشيطانَ لا يُوَسْوِسُ إلا على مَنَ عَمَرَ اللهُ قلبَهُ بالإيمان لِيُخَرِّبَهُ, لكنَّ المؤمنَ مُصانٌ بِلُطْفِ مولاهُ أنْ جعلَه في حِرْزٍ دائمٍ مِنْ نورِ الذكْرِ وتلاوةِ القرآنِ وحِصْنِ آيةِ الكُرسيِّ أعظمِ آيةٍ في كتابِ اللهِ تعالى الطاردة للشيطان مِنْ مكانِ قراءتِها.

نَوَّرَ اللهُ تعالى قلبك, وأصلح بالك وشرح صدرك... مع الرجاء بالدعاء