مميز
EN عربي

الفتوى رقم #57111

التاريخ: 09/08/2017
المفتي: الشيخ محمد الفحام

مشكلة التناقض بين ذكر الله والانشغال بالدنيا

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ساداتي إن من اكثر ما اتلوه في كتاب الله تعالى هو ذكر الله سبحانه وتعالى.واكثر ما كان سيدي الشهيد -محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله -حريصا عليه في دروسه وخطبه هو مسألة ذكر الله تعالى .فانا ارجوا ان اكثر من ذكر الله وبذكر الله يصفو القلوب .لكنني اعاني من مشكلة الا وهو انني في السابق كنت عامل ويتطلب عملي ان اشغل عقلي ولساني بالعمل والان انا اداوم في مركز دورات لتعليم اللغة ولا استطيع ان اذكر الله واستمع الى الدرس في آن واحد فكيف لي ان اذكر الله وانا انشغل بدرس او عمل ؟كيف لي ان اجمع بين هذا التناقض؟؟ وكيف هنالك "رجال لا تلهيهم بيع ولا تجارة عن ذكر الله...." والحمد الله رب العالمين.

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته؛ أقول ياسيدي! إنَّ القصدَ من المطالبة جعلُ اللسانِ رطباً بذكر الله تعالى بنبع القلب الحاضر, ولكنْ عَبْرَ منهجٍ نبويٍّ سديدٍ وهو أنه لما كان عملُ المرءِ في الحياة تكليفياً كان له ذكره المتعلِّق به بدءاً بالكسب وانتهاءً بالنوم لعافية الجسد, فعند الاستيقاظ أذكارٌ يبتدرها العبد وهو متوجِّهٌ إلى صلاةِ الفجر وبعدَه أدعيةُ الفجر وأذكارُه, ثم قبل الخروج للعمل أدعية الصباح, دعاء الخروج من البيت, ثم دعاء الركوب, فإذا ما وصل إلى مكانِ العمل دعا بطلبِ الرزق الحلال واستعان بذي الجلال على ذلك شاهدا اسمه الرزاق سبحانه مراقباً إياه بأنَّه ناظرُه والشاهدُ له أو عليه يومَ الحساب وبذلك يغدو بين ذكر الله واستحضار عظمته, فما دام على ذلك فهو من أهل الذكر بكونه أعطى المطلب التكليفيَّ حقَّه, فلكل مقامٍ مقالُه وذكرُه ووِرْدُه ودعاؤه فالمؤمنُ ابنُ وقتِه, وأَبْسَطُ مثالٍ على ذلك المنهجيةُ في حضور درس العلم فحقُّ اللهِ تعالى فيه الاستذكار من المدرِّس والدارس, فالأول؛ يصدقُ اللهَ تعالى وهو يُعَلِّمُ ولايَغْفُلُ عن أنه سبحانه غير غافل عنه, والثاني؛ حقُّ الله عليه في تمامِ الإصغاء والاستيعاب فلو شَغَلَ المتلقي نفسَه وهو في الدرس بنوعٍ من الذكر غيرَ ما أقيمَ عليه من واجبِ السماع والاستيعاب لكان مكروهاً لكونه استبدل عبادة بعبادة في غير موضعها, وعليه؛ فكلُّ عمل كُلِّفَ به العبدُ يترتَّبُ على فعله ثواب وكل ما ترتَّب عليه ثواب عُدَّ شرعا من العبادات المقرِّبة من المذكور سبحانه وما كان كذلك كان ذكراً متناغِماً مع ما كُلِّفَ به ولكن مِنْ نوعٍ آخر. وهنا تظهر الحكمة من توازن العبد في شؤونِه الحياتية. ففي كسبك الدنيوي ذكرُك له هو مراقبتُك إياه وصدقُك ونصحُك فيما تعملُ بادئاً بالدعاء خاتماً به, وبذلك تكون آمنا من الغفلة بين طرفي ذكره ودعائه, وفي الأوقات الشريفة في رحاب مناجاته وورودِ روضة الأوراد وهذا إلى أنْ تُسلِمَ نفسَكَ لبارئها عند النوم فتنام على ذكره ورجائه والطلب منه سبحانه كما هو شأنه صلى الله عليه وسلم. والخلاصة؛ أنَّ مَن يَعِشْ منهجَ سنة الحبيب الأكرم عليه الصلاة والسلام يكنْ من الذاكرين الله كثيراً, فلا تَناقض على الإطلاق ما أَعْطَيْتَ العملَ التكليفيَّ حقَّه الشرعيَّ فأنت على ذلك بين ذكرٍ ومذاكرة في مسار القبول إن شاء الله تعالى. ثم اعلم أنَّ كلَّ الأدعية والأذكار بأنواعها يُطْلَقُ عليه توصيف الذكر, فَذِكْرُ اللهِ تعالى بأسمائِه وصفاته ذكرٌ, وتلاوة القرآن ذكرٌ, والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر, والدعاء ذكرٌ. هذا؛ وإنك واجدٌ مجموعَ تلك الأدعية والأذكار بمنهجيَّتها مِن غير عناء في كتاب الأذكار للإمام النووي رحمه الله تعالى. ختاماً لاتنسَ أنْ تذكرني بالدعاء كلَّما عِشْت أُنْسَ ذكرك للمذكور سبحانه. وفقك الله تعالى ورعاك وجعل لسانك لاهجاً بذكره آمين.