الفتوى رقم #54422
التاريخ: 29/01/2016
المفتي: الشيخ محمد الفحام
ما المقصود بالنساء في حديث (حبب إلي من دنياكم)
التصنيف:
السنة النبوية وعلومها
السؤال
ارجو الافادة. حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حبب الي من دنياكم ثلاث الطيب النساء وجعلت قرة عيني في الصلاة ما المقصود ب النساء جزى الله القائمين على هذا الموقع خير جزاء
الجواب
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد؛ ففي البدايةِ لا بد من ضبط المتن مع التخريج ؛ أوَّلاً؛ نَصُّ الحديث على الضبط التالي: (حُبِّبَ إليَّ من دنياكم النساء والطِّيب, وجعلت قرَّةُ عيني في الصلاة) فليس في نص الحديث كلمة ثلاث على الإطلاق, فقد قال الحافظ المناوي في فيض القدير: .. ومن زاد كالزمخشري والقاضي لفظ ثلاث فقد وَهِمَ. قال الحافظ العراقي في أماليه: لفظُ ثلاثٍ ليست في شيء مِن كتب الحديث وهي تُفْسِدُ المعنى كذا قال الحافظ ابنُ حجر في تخريجِ الكشَّاف لم يقع في شيء من طرقه وهي تُفْسِدُ المعنى إذْ لم يذكر بعدَها إلا الطيب والنساء, ثم إنه لم يضعْها لنفسه فما قال: أُحِبُّ... الخ ثانياً؛ التخريج؛ الحديث أخرجه النسائي في السنن, والطبراني في الأوسط, والحاكم وصحَّحه وقال: على شرط مسلم. قال الحافظ العراقي: إسنادُه جيد. ثالثاً؛ المعنى؛ إنَّ الله تعالى حَبَّبَ إلى نبيِّه في دنيا البشر النساء لاعتباراتٍ دينيَّة أهمُها؛ جَعْلُهُنَّ مصدر النقل للأحكام المتعلِّقة بشؤونهنَّ مما يُسْتَحْيا عرضُه بين الرجال لذا كانت أمَّهاتُ المؤمنين أوفى مَصْدَرٍ لأحكام النساء لاسيما السيِّدة عائشة رضي الله تعالى عنهن. ومنها؛ أنهن مصدر كثرةِ سوادِ المسلمين, فمعلوم أنَّ أكثرَهنَّ بركةً الودود الولود. ومنها: أنهن مصدرُ مباهاتِه بالأمة يوم القيامة. وأما الطِّيب؛ فهو مصدرُ الجمالِ المألوف عند ذوي الذوق والمعروف, وهو حظُّ الملائكةِ من المؤمنين والنبيُّ الأعظم صلى الله عليه وسلم أسوتُهم فكأنَّه يقول: حُبِّي لهاتين الخصلتين إنما هو لأجل غيري, كما يوضِّحُهُ قول الطيبي قال: جيء بالفعل مجهولاً. أي فقد جُبِلَ على هذا الحُبِّ رحمةً للعباد ورفقاً بِهِم بخلاف أَمْرِ الصلاة فإنَّها محبوبةٌ له بذاتها, ومنه قوله صلى اله عليه وسلم: (أرحنا بها يا بلال) أي بالصلاة أي إنما شُغْلُنا عما سواها بها فلذلك قال: ...وجُعِلَتْ قرةُ عيني في الصلاة) وذلك لكونها محَلَّ المناجاة ومعدِنَ المصافاة. هذا؛ وقد أَفردَ الصلاةَ بما يميِّزُها عنهما _أي عن الطيب والنساء_ بحسب المعنى إذ ليس فيها تقاضي شهوةٍ نفسانيَّة كما فيهما, ثم إنَّ إضافتها للدنيا من حيث كونُها ظرفاً للوقوع. أما قرَّةُ عينِه فيها _أي في الدنيا_ بمناجاتِه ربَّه, ومِن ثمَّ خصَّها دون سائر العبادات. ختاماً؛ لنعلم أنَّ في الحديث من الحكمة النبوية ما هو ظاهرُ المعالمِ أنه لما ذكر ما حُبِّبَ إليه من الدنيا ذكر النساء لأنَّهن من متاع الدنيا, والصالحةُ منهنَّ خيرُ متاعِها كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم, وعليه فقد ناسبَ أنْ يَضُمَّ إليه بيانَ أفضلِ الأمورِ الدينية وهو الصلاة فالحديثُ على أسلوبِ البلاغة من جمعه بين أفضلِ أمور الدنيا وأفضلِ أمور الدين وفيه ضمُّ الشيء إلى نظيرِه كما أشار بعضُهم, وعبَّر عن أمر الدين بعبارةٍ أبلغ مما عبَّر به في أمر الدنيا, فقد اقتصر في أمر الدنيا على مجرَّد التَّحَبُّبِ, وقال في أمر الدين: (..جعلت قرة عيني في الصلاة) فإنَّ قُرَّةَ العينِ مِنَ التَّعظيم ما لا يخفى. وقرة العين من العبد مصدرُ سعادته الحقيقية, وفي القاموس؛ أَقَرَّ الله عينه أي أعطاه حتى تَقَرَّ فلا تطمح إلى ما هو فوقه. فاللهم قُرَّ عيننا بأُنس قربِك في مَعيَّةٍ دائمةٍ مع حبيبك صلى الله عليه وسلم القائل (أقربُ ما يكونُ العبدُ مِن ربِّه وهو ساجدٌ فأكثروا الدعاء) مع الرجاء بصالح الدعاء.