مميز
EN عربي

الفتوى رقم #53253

التاريخ: 30/06/2020
المفتي: الشيخ محمد الفحام

التوفيق بين التحدث بنعمة الله والندب إلى الكتمان

التصنيف: علوم الحديث الشريف

السؤال

الرسالة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيدي الشيخ محمد كيف التوفيق بين التحدث بنعم الله والخشية عليها ومداراته من أعين الحاسدين لقوله صلى الله عليه وسلم ( استعينوا على حوائجكم بالكتمان )والحاقدين الذين لا يرجون الخير للغير وما أكثرهم اليوم 

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته, وبعد؛ فإنَّ الحديثَ عن النِّعَمِ في الأصلِ إنما هو أَمْرٌ إلهيٌّ للاقتداءً بسيدِ الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلوات وأتم التسليمات الذي أُمِرَ وحياً بذلك في بيانه الكريم بقوله: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) لكنْ ينبغي إِدْراكُ القصدِ، ومعرفةُ المراد من الأَمْرِ الإلهي أنَّ على المؤمنِ سُرعةَ الشُّكرِ بِرَدِّ النِّعمةِ إلى الْمُنْعِم لا التَّبَجُّح، أو التَّباهي ذلك أنَّ حقيقةَ التحدُّثِ بنعمَةِ اللهِ تعالى إنَّما هو الاعترافُ بالنِّعمِ شكراً وحَمْداً لما فيه مِنَ الأَجْرِ الجَزيل مِنَ الْمُنْعِمِ الجليل، وفي الصحيح مِنْ حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (الطاعِمُ الشاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصائمِ الصابِر) فإذا التزمَ الْمُنْعَمُ عليه بذلك خَفَّتْ حِدَّةُ نَظَرِ الناس مِنْ جِهَةٍ، وذابَ حَسَدُ الحاسِدِ بِذِكْرِ الْمُنْعِمِ من جهة أخرى ذلك أنَّ ذِكْرَ اللهِ تعالى يُبَدِّدُ شُعاعَ العينِ الحاسِدَةِ ويمنع أذاها.

هذا؛ وقد سَنَّ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أذكاراً وأدعية لِمَنْعِ الحَسَدِ وضررِ الحاسدِ منها؛ قراءةُ آيةِ الكرسِيِّ للحِفْظِ، ومنها؛ قراءةُ المعوِّذات لِمَنْعِ طوارقِ الجِنِّ والإِنْسِ يُدْرَكُ هذا مِن قولِه تعالى؛ (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) ومِنْ قوله تعالى: (مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ) ومنها؛ مضمونُ قوله عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه ابنُ السُّني مِنْ حديث أنسِ بنِ مالك رضي الله تعالى عنه: (ما أَنْعَمَ اللهُ عزَّ وجلَّ على عبدٍ نِعمةً في أهلٍ ومالٍ وولدٍ، فقال: ما شاء لا قوَّةَ إلا بالله، فيرى فيها آفة دون الموت).

بعد ذلك أَلْفِتُ النَّظَر في حديث الكتْمان إلى أمرين مُهِمَّيْن الأول؛ أنَّ الحديثَ ضعيف شَدَّدَ ضعفَه العديدُ مِنَ الْمُحَدِّثين كما فَصَّلَ ذلك الحافظُ المناوي في شرحِهِ على الجامعِ الصغير، والمحدثُ العَجْلُوني في كتابِهِ كشفِ الخفَا, وقد قال العجلوني: ويُسْتَأْنَسُ له بما أَخرجَهُ الطبراني عن ابنِ عباسٍ مرفوعاً: (إنَّ لأَهْلِ النِّعَمِ حُسَّاداً, فاحْذروهم) الثاني؛ أنَّ أَمْرَ الكِتْمانِ مُتَعَلِّقٌ بما يُهَيئهُ مِنْ مُقَدِّماتٍ لحوائِجِهِ قَبْلَ ظهورِ نتائِجِها حذَرَ التعويق، وبذا نُدْرِكُ الفرق بين الخوف على نِعْمَةٍ موجودةٍ ظاهرةٍ بين الناسِ عليها مِنَ الحَسَدِ، وبين حاجةٍ نُريدُ قضاءَها ونحن نَجْمَعُ موادَّها ولَمَّا تَظْهرْ صورتُها بعدُ.  

لذلك نَقَلُ المحدثُ العجلوني في كتابِهِ المذكور عن الإمام الزيلعي ما ذكره في سورة الأنبياء من تخريجِهِ جماعةً روى الحديثَ عنهم، والأحاديث الواردةَ في التَّحَدُّثِ بالنِّعَمِ محمولةٌ على ما بعد وقوعِها, فلا تكونُ معارضةً لهذه, نعم! إنْ تَرَتَّبَ على التَّحَدُّثِ بها حَسَدٌ بعدَه فالكِتْمانُ أولى.

اللهم ارزقنا الفقه الدين، والأدب في محراب نِعَمِكَ يارب العالمين. مع الرجاء بصالح الدعاء.