مميز
EN عربي

الفتوى رقم #51457

التاريخ: 06/11/2014
المفتي: الشيخ محمد الفحام

ضوابط شرعية في العلاقة بين الشيخ والمريد

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

سيدى الشيخ محمد تعودت من فضيلتكم على سعة الصدر واود ان اطلب منك النصيحة فى امر ينغص على صفو السلوك والسير الى الله . سيدى احرص كل جمعة على الصلاة فى مسجد يرتاده احد الصالحين ولكنى اجد فى صدرى عدم ارتياح وتقبل لمنظر المريدين الذين يقفون بالطابور لمجرد تقبيل يده و كثيرا ما اجد للشيطان مدخلا على نفسى من هذا الباب فلماذا المبالغة فى الاحتفاء بالمشايخ الى هذا الحد الا يمكن ان يصيبهم مثل هذا بشئ من الغرور لماذا لا تكون علاقة الشيخ بالمريد كتلك التى كان يصفها سيدى الدكتور الشهيد . بالامس يا سيدى كنت فى الاحتفال السنوى بالعام الهجرى الجديد و حينما دخل الشيخ وقفنا جميعا احتراما له وانشدنا طلع البدر علينا ثم انتابتنى بعد ذلك نوبة من البكاء الشديد فهذه الكلمات قيلت فى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فكيف تقال اليوم فى سواه . سيدى اعرف ان فى قولى هذا اساءة ادب بالغة واعلم ان مثل هذه الخطرات من اكثر ما يعوق السير الى الله ولكن ماذا افعل يا سيدى . ادعو لى يا سيدى بالثبات على طريقه فانا اشعر باضطراب شديد

الجواب

مما لاشكَّ فيه أنَّ إفراطَ الناس في التعامل مرفوضٌ شرعاً وعقلاً وذوقاً لأننا جميعاً بحاجةٍ دائمةٍ للتوجُّه إلى الله تعالى بالعبودية والافتقار مهما بلغنا من مبالغ الارتقاء لأنَّ المرءَ بعنصر ضعفه قاصرٌ في حقِّ نفسه, وهو محتاجٌ للرعاية الإلهية إلى آخر نَفَس, فإنْ لم يكنْ في زيادة فهو في نُقصان, ولايزالُ العبدُ مطالباً بالتزكية والمراقبة ما دام متلبِّساً بمطالب التكليف, وهذا المنهج هو سبيل أصحابِ القدوة من الربانيين, وظني بهذا الرجل الصالح حفظه الله تعالى وأدام نفعه أنَّ ذلك الأمر خارجٌ عن مشاغِل نفسه على الإطلاق, ولن يفوتَه إن شاء الله التنبيه بحكمته المعهودة غير أنَّ الإشكال يكمُنُ في طرفين, الأول؛ في العامَّة الذين لو منعناهم من مرادهم لصاروا مدخلاً سلبياً يعودُ بالضَّرَرِ على جوهر الدعوة ورموزِها. الثاني؛ في عدمِ لَفْتِ النظر إلى ذلك, فإنَّ الشيخ غالباً لا يملِك الإحاطةَ بكلِّ شيءٍ أو مَنْعَ أحد أو دفْعَ أحد, ولكنه يملك أن ينصح ويُذَكِّرَ, بل ويُعَلِّلَ كلَّ حُكْمٍ, فلابد من جُرأة أدبية من أحدهم يذْكُرُ الصورةَ للشيخ واستشكالَ بعضِهم فلعل كلاماً من نورِ إلهاماته حفظه الله تزيل كلَّ مشوِّشٍ ومعوِّق. من جانب آخر؛ أنْ يقومَ الناس إكراماً للقادم الصالح فهو أمر مشروع لا إشكال فيه إذا توفرت شروطه والتي من أهمها عدم رغبة المقام له وعدم رؤيته الاستحقاق لنفسه . أما استقبالُ أهلِ العلمِ بطلع البدر علينا فلعل القصدَ هو الإشارة إلى فضلِ الحبيبِ الأعظم صلى الله عليه وسلم بحضور أثرٍ مِن آثارِه المباركة وهم وُرّاثُهُ الكرام, فللتابع ما للمتبوع من التكريم. نعم؛ هذا إذا صَحَّتِ النية واستحضرتْ أنوارَ الحبيب صلى الله عليه وسلم بكثرةِ الصلاةِ عليه صلى الله عليه وسلم فهو صاحبُ المجلس على الحقيقة في أهله المحبين المجتَمِعِين على الله تعالى وذكرِ رسولِه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم, وإلا فإنْ غَفَلَ الناسُ عن المقصِد ذاك كان الأمرُ جدُّ خطير, ومعلومٌ أنَّ المجالسَ لا تتكامل إلا بعلمائها الربانيين وذلك للعلم والذكر والموعظة والمكارم, وهنا بيتُ القصيد في أنَّ أهلَ العلم العاملين متجرِّدُون كلَّ التجرُّد عن الحظِّ والادِّعاء, وعليه؛ فمِن السَّهْلِ عليهم إزالةُ أيِّ إشكالٍ يقعُ في شَرَكِه العامة. ثم إني أقول: ولعلَّ الأسلمَ إزالةُ الإشكال عامةً وصراحةً بتحويل الناس إلى صاحب المجلس صلى الله عليه وسلم عبر التذكير ولفتِ النظر دائما في الحال فمثلاً إذا استقبلوا مَن يُحِبُّون من أهل العلم بطلع البدر علينا أنْ يقول لهم نَرُدُّها سوياً إلى صاحبها صلى الله عليه وسلم الذي بفضله اهتدينا. ألا فلنتوجَّه بها معاً إليه عليه الصلاة والسلام, ولتبق وقفاً على صاحبها روحي فداه صلى الله عليه وسلم. أما أنت أختي المباركة؛ فاجعلي من نفسك لنفسك مصدرَ عظةٍ وتذكير وهداية واجعلي مما تَرَيْن مصدرَ فائدةٍ ومعالجةٍ بالحُسنى من جهة, ومنطلقَ حُسْنِ ظنٍّ بعباد الله من جهة أخرى, وتذكَّري أنَّ الخلْقَ بين سابق ولاحقٍ ومقصِّرٍ فالسابقُ مَن يَقِفُ مِن المخالفات الظاهرة موقفَ النُّصح في وعاء الإِعْذارِ والدعاء, وبأمَلِ المتفائل أنَّ ربي سبحانه رحيمٌ بعبادِه يُحِبُّ أنْ يَرْحَمَ ويَعفو, واللاحقُ هو المؤتَسي بالسابق, وأما المقصِّر فهو الغافل عن أداء الكثير من الحقوق مِن أوامرِ الله ونواهيه وشأنُه بين يدي الناصح الحقِّ كشأنِ المتعامل مع المريض الذي يحتاج إلى رحمة واعتناء أكثرَ من غيره. وأنصحُ بأن لا تجعلي من نفسك جُزأً من المشكلة فإنَّ ذلك من المعوِّقات, وابقَيْ على تلقي الفائدة وأنوارِ السلوك من نبْعِه مع تذكُّرِ أنَّ الكمالَ المطلقَ لله تعالى مع العلمِ بأنَّ الخلاف مع الغير لا يضرُّك ما دُمتِ قائمةً على أصل المنهج. أكثري من دعوةِ السيدة رابعة العدوية رضي الله عنها "اللهم إني أعوذ بك من كل ما يشغلني عنك ويحول بيني وبينك" فلا تتلفَّتِي لأنَّ ما أنت عليه من شفافية الفَهْمِ, ومسالكِ التزكية أهمُّ وأجدرُ بالاهتمام. ختاماً؛ أسأل الله تعالى أنْ يجمع قلبَكِ عليه بنور رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولطائف التيسير وثمراتِ الوصول. آمين, ولا تنسيني من دعوة صالحة.