مميز
EN عربي

الفتوى رقم #46754

التاريخ: 17/06/2014
المفتي: الشيخ محمد الفحام

رأي الشرع في قول: جمعة طيبة ، جمعة مباركة

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

سيدي وشيخي الجليل محمد فحام أطال الله بعمركم ونفعنا بعلمكم .. بعد التحية .. أود أن أعرف لماذا هذا الهجوم العنيف من قِبل كثير من المشايخ والناس العامة ، في رفض فكرة أن يقول أحدنا للآخر " جمعة طيبة" أو "جمعة مباركة" ؟؟ أنا أفهمها على أنها دعاء ، ولكن هذا أسلوب لغوي ، الإيجاز بالحذف ، ومعنى الكلام : أسأل الله أن يبارك جمعتك .. فهو دعاء بالبركة ، والخير .. فما المشكلة من هذا ؟ حبذا جوابا وافيا شافيا أطال الله بعمركم وبارك فيكم .. أنتم من مشايخنا الثقات الذين نثق برأيهم ، فتح الله عليكم ... نحبكم في الله ، نرجو أن تدعو لصاحب هذه الرسالة بأن يسدد الله بصيرته ويرزقه الحكمة ..

الجواب

أخي الطيب المبارك, وأنت أطال الله عمرك وبارك عملك ونفع بك, وجعلني عند حسن ظن عباده, وأحبك الذي أحببتني فيه, كما أسأله تعالى أن يظلك بنور بيانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيم) أقول: لا يكاد يقف استغرابي وأنا أسمع وأقرأ مثل ذلك الإنكار مع بساطة المسألة ويُسرها, وأعجب كلَّ العجب من أناس ينيحون باللائمة على من يتخذ لنفسه أسلوبا دعوياً رقيقاً لطيفاً يتناغم مع شرائح مختلفة من الناس ترغيباً وتحبُّباً في نظامٍ يندرج تحت قاعدة من قواعد شرعنا السَّمْح, ثم يغيب عقلهم عن طامات معضلة من أمراض ذلك المجتمع, التي فتكَتْ بالأمة, وأفتنت شبابها, ومزقت جموعها, وشتَّتَتْ عقولها ؟؟؟ قل لهذا المنكر على رسلك فالأمر جدُّ يسير, دُلَّ التائهين على الله تعالى, وأرشد الحائرين إليه, واهدِ الضالين, وعلِّم الجاهلين, ثم إنْ بقي من الوقت أو العمر بقية فاستنفذه في الخلاف. قل لهذا الذي يهاجم على رسلك الأمر أهون من ذلك, فإن جماليات الإسلام في سماحته, واستنهاضه القلوب, وشَحْنِه النفوس بالكلم الطيب والخلق الحسن. قُلْ لهذا الذي يعنِّف لقد كان من جماليات الإسلام تحبيبُ الصحابة وتحببهم, واستجلابهم, وتأثرهم بذوي الصفاء من أهل القلوب, لقد كان السابقون أبعدَ نظراً وأعظم فهماً, وألطف دعوةً. والعجب العجاب أنَّ بعض الناس يختصرون الدين في كلمة لا تخرج عن إطار اليسر والتخريج العلمي السليم, ويدَعون طاماتٍ ابتُليت بها الأمة, فلا نصح ولا بيان!!؟ أيها الأخ الطيب؛ دع عنك الانشغال بهؤلاء المعوِّقين, وانطلق في آفاق ما جمَّلك الله تعالى به من الدعوة إليه سبحانه, وعوِّد نفسك على عدمِ التلفُّتِ وعدم الاكتراث بكل من ضاق أُفُقُهُ وقَدَّس فكره, فإنَّ للوقتِ جلالَه وللأعمال ثمارَها, ولتجلياتِ الحق ضياءَها, ثم دعني أثلج صدرك بهذا الشاهد يبين لطف الأقدمين في إقرارهم كلَّ ما فيه ضياء القلوب دون تعصُّب, أخرج ابن عساكر عن زيد بن أسلم قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة يحرس فرأى مصباحا في بيت فدنا منه فإذا عجوز تطرق شَعراً من صوف _تنشفه_ وهي تقول: على محمد صلاة الأبرار صلى عليكَ المصطفَوْنَ الأخيار قد كنت قوَّاما بكَّى الأسحار يا ليتَ شعري والمنايا أطوار هل تجمعني وحبيبي الدار تعني النبيَّ الأعظم صلى الله عليه وسلم, فجلس عمر رضي الله عنه يبكي, ومازال بيكي حتى قرع الباب عليها, فقالت: من هذا؟ قال: عمر بن الخطاب, قالت: مالي ولعمر؟ وما يأتي بعُمَرَ هذه الساعةَ؟ فقال: افتحي رحمك الله, فلابأس عليك, ففتحت له فدخل فقال لها: ردِّدي علي الكلمات التي قلتِ آنفاً, فردَّدت عليه فلما بلغت آخِرَها قال: أسألك أنْ تدخليني معكما _أي في رجائها ودعائها أن تجمعها وحبيبها رسول الله صلى الله عليه وسلم الدار الآخرة_ فقالت: " وعمر فاغفر له يا غفار " فرضي ورجع تسألني ما القاسم المشترك ههنا؟ أقول لك: في موافقته, بل ومشاركته, ولم يكن من موقفه التعنيف على ما نطقت ورجت بل طلب المزيد فلبَّتْه على طريقتها فقبِلها لعِلْمِهِ بصدقها. فقل لذاك المعوِّق: قد حجرت واسعًا. وفقك الله تعالى ورعاك, وجعلني أهلاً لما دكرتَ, ومَنَّ عليَّ وعليك بتمام العافية.