مميز
EN عربي

الفتوى رقم #44620

التاريخ: 04/03/2014
المفتي: الشيخ محمد الفحام

ضوابط نبوية في النكت والطرائف التي يتداولها العامة

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما هو حكم الشرع في النكت والطرائف التي تدور على ألسنة الناس (بعضها فيه كذب وبعضها فيه غيبة وبعضها فيع انتقاص من أجناس أو قوميات وبعضها العياذ بالله فيه استهزاء بالدين ومنها ما يذكر الحشاشين والسكرانين والشرار من الناس) وبعضهاليس فيه شيء من ذلك فهل يدخل في لهو الحديث المنهي عته في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)سورة لقمان جزاكم الله خيراًوبارك بكم

الجواب

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ مشكلةُ المجتمع المسلم اليوم في بعدِه عن واقع ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه الكرام رضي الله عنهم بعدمِ فِقْهِهِم السيرةَ النبويةَ المطهَّرة, والمنهج الذي كان عليه صاحبُ الرسالة عليه الصلاة والسلام, وبذلك كثيراً ما نجد شرائحَ متناقضة بين مهاوي الإفراط والتفريط. أقول: إنَّ في جداولِ المكارم النبوية غُنية, وأيُّ غُنية؟ فدينُنا الحنيف دينُ الجمال واللطف مع الشفافية السامية كما أنه دينُ الحزم والعقلانية, دينُ الرحمةِ وجَبْرِ الخاطر مع حفظِ الكراماتِ كما أنه دينُ السَّدادِ والرَّشادِ والفكرِ السليم. فما نحن بصدَدِه يندَرِجُ تحت مُسمَّى الاسترواح وإدخالِ السرور على قلب السامع, فلقد فتح الإسلامُ بابَه ولكنْ ضِمْنَ ضوابطَ موزونةٍ وخطٍّ سليم, ومنهجٍ قويم, فقد أجاز المزاح ولكن بشروطٍ إنْ لم يلتزم بها المازحُ أَثِمَ وخاب وخَسِرَ, فَإِثْمُه بفعلِ الذنب, والخيبةُ بالبُعْد عن الربِّ, والخُسران بعدم القَبولِ وحملِ الأوزار والتبعات يوم الحساب, لذا وبالاستقراء قال العلماء في شروط جواز المزاح: أوَّلا؛ أنْ لا يكون فيه كذب . ثانياً؛ أن لا يُروِّع به أخاه المسلم ففي الحديث الشريف: (لا تروِّعوا المسلمَ فإنَّ روعةَ المسلم ظُلْمٌ عظيم) ثالثاً؛ أنْ لا يكون كثيراً بل على قاعدة؛ " اجعلوا مِزاحَكم كمِلْحِكُم في طعامكم إنْ زادَ نَقَصَ" ولأن كثرة المزاح تُذهب المهابةَ, وقد نُهينا عن أن يكون الرجلُ منا ضُحَكَة أي مصدر إضحاك دائم للناس, وذلك لعِلَّة ذهاب الجديَّة التي لا غناء عنها للمرء في معترك الحياة, وقد حُمِّل شؤوناً مختلفة, وأعمالاً رتيبة, وأحوالاً متنوعة, لا يصلح معها أن يكون مزَّاحاً. هذا ولأنَّ كثرةَ المزاح تورث الضحك المميت للقلب فقد ورد؛ (...ولا تكثر الضحك فإنَّ كثرةَ الضحك تُميتُ القلب). رابعاً؛ أن لا يكون فيه قَدْحٌ لعبدٍ من عباد الله تعالى. خامساً؛ أن لا يكون فيه فضيحةٌ لأحد. سادساً؛ أن لا يكون فيه غيبةٌ لأحد. سابعاً؛ أن لا يكون فيه فتحٌ لباب فتنة. ثامناً؛ أن لا يكون فيه تَشَفٍّ من أحد. تاسعاً؛ أن لا يكون فيه أذى لأحد يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يأخذ أحدكم متاعَ أخيه لاعباً ولا جادّاً ومَن أخَذَ عصا أخيه فَلْيَردَّها), ولنعلم أنَّ ذلكم التفصيل لا يَعني إلغاءَ المزاح, لا؛ أبداً, فإنَّ في إلغائه إلغاءً لسنةٍ نبويةٍ هادفة, ولكنْه للإشارة إلى تلك الحكمة الهادفة بأن يكون منهجياً مضبوطاً بتلك الضوابط فهو الأصل والمنطلق, وذلك من أجل توليد طاقات الإِلْف بين الناس, لذا لما قيل لابن عُيينة: المزاحُ سُبَّة؟ قال: بل سُنَّة ولكنْ مَن يُحسِنُه. وعليه؛ فمغايرة تلك الضوابط هو الباطل واللهو واللعِبُ المحرم لما يتولَّد به من آثام هي من الكبائر لاسيما الضغائن والأحقاد, يقول عليه الصلاة والسلام: (..ولستُ من الباطل ولا الباطل مني) وكلُّ ما يخالف الشرع فهو باطل. ثم إنَّ ضمانَ التطبيق كامِنٌ في معرفة الطريقة النبوية التي كان عليها صلى الله عليه وسلم مع أصحابه, والشواهد كثيرة ألا فلنكتفِ بهذين الشاهدين؛ الأول؛ عن زيد بن أسلم أنَّ امرأةً يقال لها أمُّ أيمن الحبشية, جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: إنَّ زوجي يدعوكَ, فقال صلى الله عليه وسلم: (من هو؟ أهو الذي بِعَيْنَيْهِ بياض؟) فقالت: ما بعينيه بياض, فقال صلى الله عليه وسلم: (بلى بعينيه بياض؟) فقالت: لا والله فقال عليه الصلاة والسلام: (ما من أحد إلا بعينيه بياض) أي البياض المحيط بالحدقة. الثاني؛ كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن أهل البادية رجلٌ يُدعى زاهراً, وكان رجلا دميماً, وكان صلى الله عليه وسلم يحبُّه, وكان يُباسطه بقوله: (زاهر باديتنا ونحن حاضروه) فأتاه يوماً وهو يبيع متاعَه فاحتَضنه مِن خَلْفِهِ وهو لا يُبصره, فقال زاهر: مَن هذا؟ أرسلني, فالتفتَ زاهر فعرفَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألصَقَ ظهرَه بِصَدْرِ النبيِّ صلى اله عليه وسلم حين عَرفَه تبركاً به صلى الله عليه وسلم. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يشتري هذا العبد؟) فقال يا رسول الله؛ إذاً تجدني كاسداً, فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (لكن عند الله لست بكاسد, أنت عند الله غال) لعلَّنا نُلاحظ عَبْرَ هذا الشاهدِ أنَّ الغايةَ من المزاح المشروع إنما هي فتحُ باب التناغُم القلبي لتنامي الحبِّ الخالص ووُسعة دائرة الإِلْفِ بين الناس دعوةً إلى الله سبحانه وحباً فيه. ختاماً؛ أرجو أن يكون هذا التفصيل كافياً لمنهجٍ أساس في تعاملنا على الإلف واللطف وإدخال السرور على القلوب. مع الرجاء بدعوة صالحة.