مميز
EN عربي

الفتوى رقم #44579

التاريخ: 04/03/2014
المفتي: الشيخ محمد الفحام

توبة المريض الذي لا يرجى شفاؤه

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل يقبل الله عز وجل توبة المريض بمرض مزمن لا يرجى شفاؤه؟

الجواب

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ في البداية أسأل الله تعالى للمريض الشفاءَ والعافية مع الصبر والاحتساب, وتمام الرحمة من ربه التوّاب. وبعد؛ فأقول سيدي العزيز؛ لا أدري تُرى هل يَطوي السؤالُ مأساةً جارحةً مؤرِّقة؟, لأن الأصل أنه ما مِن عبد مبتلى إلا وبلاؤه مضمونُ عافيةٍ من ربه إذا أقبل عليه, وفوَّض الأمر إليه, وألقى القِيادَ لديه, وسألَه عفوَه بعد مطويِّ زمنٍ غاربٍ حمل من البعد والغفلة ما حمل...أقول ومع كلِّ الاحتمالات, فمكسورُ القلب باللّجاء مجبورُ القلب من ربِّ السموات, ولا يأسَ وربُّك الله تعالى, ولا بُعْدَ والمقرِّبُ الله, ولا خُسرانَ إذا كانت التجارةُ مع الله, ولا ضياعَ والمستودَعُ الله الذي لا تضيع عنده الودائع. لذا, فثِق يا سيدي بأنَّ إنابتك دليلُ عفوه عنك, وإقبالَك عليه دليلُ عنايتِه وسبقِ لطفه بك وإقبالِه عليك, وحبُّك له سبحانه _نَعمْ على عِلّاتِكَ_ دليلُ حبِّه لك, كن على يقين أنَّ ربَّكَ غفَّارٌ لمن تاب, _وإنْ كان المرضُ مفرزَ معصية_ وفي محكم التنزيل: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) وفيه أيضاً: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) هذا؛ فإن كنت تظنُّ أنَّ ما أنت عليه من المرض عقوبة فهي عاجلة وإذا أحبَّ الله عبداً عجَّل له العقوبة, ومن رحمته تعالى أنه لا يجمع على عبده عذابين ما صبر العبد واحتسب, ولجأ إليه, وفُسْحَةُ الوقت بالأمل المرجوِّ مازالتْ قائمة, يقولُ الحبيبُ الرؤوفُ الرحيم صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله يقبل توبةَ العبد مالم يُغَرْغِرْ) فرحمةُ الله واسعةٌ يقول سبحانه في بيانه: (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) ومعنى (إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ) أي؛ تُبْنا, لذلك فاقرِنْ توبتَك بتقوى الله حقَّ التقوى أمراً ونهياً, وأكثرْ من الصدقات والمبرات تكنْ صادقاً في توبتك مقبولاً عند ربك, مرحوماً به محبوباً لديه في الدارين. فاطمئنَّ بالاً بفرارك إلى حصنِك الآمن, واعلم أن من خاف شيئاً فرَّ منه إلا إذا خاف ربَّه فرَّ منه إليه لأنه الداعي بحقِّ, فهو القائل سبحانه: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ). أما إن كان مقدور المرض على عكس ما ذكر فهو زيادة في رفع الدرجات ومضاعفة الأجر وتحقيق المقامات ففي كلام الله تعالى أجلى بيان؛ قال سبحانه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) وفي الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل) وفي رواية؛ يبتلى الرجل على حسب دينه, فإن كان في دينه صلباً اشتدَّ بلاؤه, وإن كان في دينه رِقَّةٌ ابتلي على قدر دينه, فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) أسأل الله تعالى أن يتمِّمَ لك العافية, ويَلْحَظَك بالعناية, وأنْ لا يحرمَك أنوارَ معرفتِه وأنْ يجعل من بلائك باباً من أبواب المجالي النورانية المثمرة عيشاً هانئاً ويقيناً سامياً برجاء عفوه ودوام رحمته, وبقاء جِلباب ستره. آمين ولا تنسني من دعوة صالحة مباركة فدعاء المريض مجاب بيقين.