مميز
EN عربي

الفتوى رقم #44417

التاريخ: 30/01/2014
المفتي: الشيخ محمد الفحام

الخوف من الله مقام من مقامات الارتقاء

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى ءاله وصحبه أجمعين أما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيدي كيف أكون عبدا صالحا وبارا بوالدي إني أخاف من الله عزوجل أن لايتقبل مني صلاتي ولا صدقاتي ولا عملي إني والله اللذي لاإله إلا هو قبل أن أقوم بالعمل أنويه لوجه الله وأحرص على أكل الحلال والبعد عن الحرام وحزبه وبعيد عن الفتن والشبهات وقريب من أبواب الخير ولكن أنا أسأل كيف اكون قريبا منه عزوجل ولماذا هذا الخوف وبماذا تنصحوني والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ولاتنسونا من دعائكم

الجواب

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على معلِّم الناس الخيرَ رسول الله وبعد؛ عزيزي الطيِّب إنَّ خوفَ العبد من خالقِه مدخلٌ جليل من مداخل الرجاء, فإنَّ الحق سبحانه يحبُّ العبدَ الخائف الوجل الخاشع الواجف, ولكن لا يرضيه أن يكون خوفَ اليائس البائس وهو يخشى أرحمَ الراحمين, فممّا يرضيه جلَّ في علاه عن الخائف أن يرجوه باللجوء إليه فهو سبحانه الداعي إلى دخول ذلك المحراب بقوله المبين: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) أخي الكريم؛ صلاحُك بتقواك وتقوى الله حقَّ التقوى كما أمر سبحانه هو أن يُطاعَ فلا يُعصى, وأن يُذكر فلا يُنسى, وأنْ يُشكر فلا يكفر. وما تضمَّنه سؤالُك من أعمال داخلٌ في ذلك إن شاء الله تعالى ما صدقَتْ نيَّتُك, وأرجو الله تعالى أن يكون خوفك دليلَ صدقك, وصدقُك دليلَ القبولِ والقبولُ دليلَ نجاتِك يوم الفزع الأكبر, فإنه من تمام عدله سبحانه وعظيمِ فضله أنه لا يجمع للعبد خوفين فمَن خاف ربَّه في الدنيا أمَّنَه سبحانه في الآخرة ... أما سؤالك عن برِّك فميزانُه تقواكَ لأنَّ التقوى كما أشرنا إنما هو تطبيقُ شرع المولى سبحانه, والبرُّ من أحكامِه عزَّ وجلَّ وقضائه, والكيفيةُ إنما تكون بالفهم عنه جل جلاله لما نهى عن أخفِّ كلمةٍ في حقهما دون التعويل على الحقِّ الشخصي وهي (أُفّ) في قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) فبرُّهما في كلِّ ما يسرُّهما, وعقوقُهما في كل ما يُحزنُهما _وإنْ كان عبادة_ اللهمَّ إلا الفروضَ العينيّة, وهل أعظمُ لهما, وأرفعُ لقدرهما من ردِّ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لمن جاءه مبايعاً على الهجرة وهو يقول: وتركتُ أبويَّ يبكيان يحسب أنه على جليل من العمل المرضي قال صلى الله عليه وسلم: (ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما) أي أدخل السرور عليهما بالاستجابة لهما, وتلبية رغبتهما. واحفظ عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هذا التوجيه الراشد فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: أقبل رجلٌ إلى نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة, والجهاد أبتغي الأجر من الله, فقال صلى الله عليه وسلم: (فهل لك من والديك أحدٌ حي؟) قال: نعم! قال صلى الله عليه وسلم: (فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما) أخي الحبيب؛ قابل ما ذكرتَ من أعمال بطلب الرحمة الإلهية كما عَلَّمَنا السيِّد الأعظم عليه الصلاة والسلام بقوله الكريم: (إنه لن يدخل أحدكم بعمله الجنة) قيل ولا أنت يا رسول الله, قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدَّني الله برحمته) إشارة إلى أنَّ رحمة الله أوسعُ للعبد من عمله, وأضمنُ لقبوله لأن في ذلك عينَ التوكل على الموفِّق إلى العمل لا على العمل ذلك أنَّ المعتمِد على العمل مُرْهِقٌ نفسَه برؤيته, بعيد عن مُعْتَصَمِه, والمعتمد على خالق العمل متوكِّل عليه طامعٌ بفضله. كنْ بين يدي جلال المعبود القائل: (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) عبداً خالص العبودية فلا تَشْغَلْ نفسك بسواه لأنَّ هذا هو الأصل في حكمة العبادة للمعبود وارتباط العبد بالربِّ جل في علاه, فالعابد الحق منتهى غايته معرفةُ معبوده, ومطمعه عفوُ ربِّه وعافيتُه وسِترُه, وبذلك يضمن العبد دوام قُربه مِن ربِّه ومعبوده لأنه يطلب منه لا من نفسه. وأقول: أخي الطيِّب لا تخشَ على نفسك وربُّك الله تعالى وأنت تخافُه ذلك أن مقام الخوف مقامٌ يرقي العبد إلى رجاء يُثمر سكينةً في القلب وراحةً في الفؤاد, غيرَ أنك بحاجة إلى أوراد دائمة من أذكار الصباح والمساء وقِسْطٍ يومي من تلاوة القرآن مع دوام الاستغفار والصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وسلم وتوحيد الملك الغفار بلا إله إلا الله, فالوِردُ من الأذكار سببُ الوارد من العليِّ السَّتَّار. وفقك الله تعالى وأسعدك بما يرضيه عنك مع تمام العفو والعافية. ولا تنس أن تخصني في محراب قُرْبِك بدعوة صالحة جزاك الله عني خيراً.