مميز
EN عربي

الفتوى رقم #44276

التاريخ: 25/01/2014
المفتي: الشيخ محمد الفحام

دقائق في آفة الرياء

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته تبت توبة نصوحا عن معصية بذائة اللسان و لكننى عدت إليها. المشكلة أن كثير ممن يختلطون بى لا يعلمون أننى لست بذئ اللسان و أنا أحاول قدر الإمكان ألا أسب أمامهم بدعوى أننى أحفظ ستر الله على فهل هذا صحيح أم أن هذا رياء؟ و كيف معالجته؟

الجواب

عليكم السلام ورحمته الله وبركاته؛ اعلم أخي الكريم؛ أنَّ العبدَ في الكفِّ عما لا يُرضي هو أحدُ رجلين, إما أنه يفعل ذلك لأجل الخلق رغبةً في السُّمعة الحسنة, أو طلباً للشُّهرة المحمودة عندهم وهذا من أمراض القلوب وهو عينُ التسويل من النفس الأمّارة. وإما أنه يأتي على العمل لأجل الخالق طلباً لمرضاته, وسعياً في تزكية النفس لفلاحها في الدنيا وفوزها يوم المعاد, هذا؛ ومن نفائس القول للفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: "تركُ العملِ من أجلِ الناس رياءٌ, والعملُ من أجل الناس شركٌ, والإخلاص أن يعافيك الله منهما" فالمنجى أنْ تضعَ مَطلب الرضى نُصْبَ عينيك, وأنْ تجعل من عملك الصالح منهجَ حياة دائماً, قد تركتَ بَذاءةَ اللسان أي أنك كفَفْتَ لسانك عن إيذاء الخلق به, فذكِّر نفسك بتوجيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الآتية, أولاً؛ قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ يُبْغِضُ الفاحشَ والمتَفَحِّشَ)وقل لها يا نفسُ أَتحبِّين أنْ تكوني مكروهةً عند الله محرومةً حُبَّه, ومعلومٌ مما ورد في الحديث الصحيح أنَّ مَن يُبغضه الله يبغضه جبريل, ومَن يبغضه جبريل يبغضه أهلُ الملأ الأعلى, ومَن يُبغضه أهلُ الملأ الأعلى يُلقى له البُغضُ في الأرض, فهل يرضيكِ يا نفسُ هذا؟؟ الحديث الثاني؛ قوله عليه الصلاة والسلام: (المسلمُ مَن سَلِمَ المسلمون مِن لسانِه ويدِه) فقل لها يا نفسُ أتدرين ماذا تعني (أل) في (المسلم) إنها تعني الكمال المرتبط بما بعدها من الشَّرط أي أنَّ كمالَ المسلم مرهون بحُسن الخلق, ألا فليسلَمِ الناسُ من لسانك يا نفسُ كي تحظَيْ بكمالِ الإيمانِ المنيرِ لجوارحِك المظهرة لكمالِ الإسلام. الحديث الثالث؛ قوله صلى الله عليه وسلم:(إنَّ أقربَكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً..) قل لها يا نفسُ كَفُّ اللسان من أهمِّ محاسن الأخلاق لأنه وكيل الجوارح وتَرجُمان القلب يُفصح عن مكنونه كما يقول الشاعر: إنَّ الكلامَ لفي الفؤاد وإنما جُعِلَ اللسانُ على الفؤادِ دليلا ثم خبرني بربك هل أكرم من أنْ يكون المرءُ قريباً من جناب صاحب المقام المحمود يوم الفزع الأكبر؟؟ الحديث الرابع؛ (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) أنَّ خيرَ العبد الصالح إنما هو الشاملُ في الخاصة والعامة, فلو كان لِجِهَةٍ دون غيرها لكان وصوليا صاحبَ غايات كما هو شأنُ البعض من أصحاب الدنيا تجدُ منهم الكلام معسولاً والأسلوب مدروساً مع ذوي الشأن الدنيوي للمادة وللمادة فقط حتى إذا ما تغيَّرتِ الأجواءُ والأحوالُ إلى السلب تنكَّروا وأعرضوا وساءَ منهم الخُلُقُ لذا جُعِلَتْ علامةُ الصدق في حُسن الخلق أمرَ الداخل الطبيعي فلذلك أعلنها صراحةً صلى الله عليه وسلم أنَّ خيرَ الناس الذي يعود به أولاً إلى داخله الأُسَري فإنَّ أحداً لا يستطيع التقنعَ بين أسرته, فإذا كان معهم دمِث الخُلُق كان أهونَ عليه ذلك بين الناس لأن المصداقية إنما خرجت من مكان سُلْطتِه فكان الأسوةَ بحق لذا قال بعدها صلى الله عليه وسلم: (وأنا خيركم لأهلي) لأنه أسوةُ الخلق أجمعين. هذا؛ وقد أشار أهلُ العلم إلى الحكمة النبوية في ذلك أنَّ سريرةَ العبد هي ما عليه المعوَّل فمَن كانت سريرته خيراً من عَلانِيَتِهِ فهو مؤمن, وعليه؛ فما عليك أخي الكريم إلا تشمَل بأخلاقك الحسنة كلَّ مَن تُواجه من الخلق قريباً أو غريباً. حرِّرِ النيةَ لحظاتِ العمل عبر رؤية المنهج بنور الحكمة النبوية تهتدِ وتُشغل بالجوهر عن المظهر, وباللب عن القشر بارك الله تعالى بك وأيَّدك بأسباب القبول والتوفيق آمين.