مميز
EN عربي

الفتوى رقم #44258

التاريخ: 26/01/2014
المفتي: الشيخ محمد الفحام

حول منهج العلامة الشهيد مع من يخالفهم

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليم و رحمة الله و بركاته. قرأت للشيخ البوطى رحمه الله رحمة واسعة و جمعنا به عند حوض رسول الله كثيرا من مغالطات ابن تيمية و الألبانى خالفا بها علماء الأمة كلها مثل تحريم ابن تيمية لزيارة القبر النبوى الشريف وغيرها من فتاوى و قد علمت أن ابن تيمية لم يكن عنده سند متصل كما ذكر الإمام السبكى على ما أتذكر (أى أنه ليس له شيخ و من لا شيخ له فشيخه الشيطان) و هنا تأتى أسئلتى: 1) أجد الشيخ البوطى رحمه الله تعالى عندما يتكلم عنهما، يتكلم عنهما برفق و لين فكيف لى أن أتخلق بمثل هذه الأخلاق؟ 2) لماذا دائما يذكر كثير من علمائنا الأجلاء أقوال ابن تيمية علما بأنهم يعرفون أنه جاهل (ماعدا الشيخ البوطى رحمه الله فقد كان يذكر أقوالهم ليرد عليهم) و قد علمت أن الجاهل يقال فيه "أخطأ و إن أصاب"؟ هل هذا محاولة لترقيق قلوب أباعه؟ و أرجو من فضيلتكم أن تدعو لى بالهداية و أن يزكى نفسى و كل عام و الأمة الإسلامية بخير بمناسبة المولد النبوى الشريف و فرج الله عن الشام و سائر بلاد المسلمين.

الجواب

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي المبارك؛ لم يكنِ الشهيدُ السعيد إلا كالطبيب المعالج لمن اعتراه لُوثات التشويش في فهم الدليل, وكان من أخلاقه رحمه الله تعالى أن لا يجعل من المخالف خصماً وكأنه معه في جبهة حرب, بل كان يفتح آفاقَ باب الحوار إلى مستوىً أقصاه حمايةُ الطرف المحاور من الزلَّة, وهذا من أدب الإسلام, وأخلاق العلماء. أما حسابُهم فلا يملك العالمُ الربانيُّ أن يحاور ثم يحاكم فداعيةٌ وقاضٍ معاً لا يجتمعان, جُلُّ أمانته أن يُظهر حكمَ الله تعالى في المسألة عبرَ دليلها لهداية العباد لاسيما من ضُلِّلَ أو تاه, ولله الحمد والمِنَّة أنَّ هنالك الكثيرَ ممَّن كان يتبنى تلك الأفكار الخاطئة ثم رجع إلى الله تعالى, وهجر ما كان عليه من الحَوَر, بل وهَجَر أهلَه ببركة مراجع السيد الشهيد السعيد. أما استغرابُك من ترحُّمِه عليهم إذا ذكرهم, فاعلم أخي الطيِّب؛ أنَّ ذلك شأنُ المتمَكِّنين من كلمة الحق, فإنه لدى أهل الاختصاص وكذا العقلاء أنَّ التصغيرَ والتحقيرَ, أو الشتم والصُّراخ إنما هي طريقةُ المبطلين والضعفاء المهزومين, وأنَّ طلبَ الرحمة والشفقة للمُعارض سبيلُ الربانيين, وهذا ما دَرَجَ عليه الشهيد السعيد رحمه الله تعالى رحمةً واسعة. وعليه أيها الأخُ الحبيب؛ فَقُدْوَتُنا بعدَ السيِّد الأعظم صلى الله عليه وسلم أولئك العلماءُ بالله الربانيون الذين خطُّوا بحروفٍ من نورٍ منهجَ الفهم عن الله تعالى ورسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم لمسلك السعادة الأبدية إن شاء الله تعالى. أما أنْ نَعُدَّ من ذكرتَ من الجاهلين فليس هذا من الإنصاف ذلك أنَّ علمَه ظاهر غير أنه غاير باجتهاده وفهمه للعديد من الأدلة جموعاً كثيرة من أهل العلم والاجتهاد فلم يُسَلِّمُوا له وردُّوا عليه بالحُجَّة لا بالتجهيل, وهذا من أدب العلم كما أشرنا, ثم إنه لا يَعْنينا الأشخاصُ بِقَدْرِ ما يَعْنينا حكمُ الله تعالى بالدليل والحُجَّة والبرهان, وهذا كافٍ لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. سيدي المبارك؛ احْمَدِ الله تعالى أنْ عافاكَ مما ابتلى به غيرَك وسَلْهُ الهدايةَ لكلِّ مَن شَرَدَ عن نورها, واشغَلْ قلبَك بما خُلِقَ مِن أجلِه, وتذكَّر أنَّ مَن ذكرتَ قد أفضَوا إلى ما أفضَوا إليه فحسابهم على الله تعالى. لقد كان من شأن الشهيد السعيد في نظام عمله وطاعته لخالقه أن يسأل ربه الرضى عنه دون تلفُّت إلى السوى على الإطلاق, وكأني به هو صاحبُها ما قاله الشاعر؛ أيامَن له الأشواقُ مني كثيرةٌ ومِني دُموعي يومَ بانَ غزيرةٌ ويامَن لِقَلبي في هواهُ سَريرةٌ فليتك تحلو والحياة مريرةٌ وليتَكَ تَرضَى والأنامُ غِضابُ انهج نهجَ العلامة الشهيد رحمه واسلك سبيل الربانيين تغِبْ فيما يُرضيه عنك سبحانه, وتَبْرُزْ فطرتُك وتفتحْ لك آفاقُ الفهمِ عن الله تعالى والعُروج إلى مقاماتٍ التزكية المرجُوَّة بإذنه تعالى, وتقطفْ ثمراتِ العملِ اليانعة. وفقكَ اللهُ تعالى لأرجى الأعمال قَبولاً مع تمام العفو والعافية ودوامها آمين. ولا تنسَ أنْ تخُصَّني بدعوة في ظهر الغيب بارك الله بك.