مميز
EN عربي

الفتوى رقم #43793

التاريخ: 14/12/2013
المفتي: الشيخ محمد الفحام

هل يجب شكر العامل علاوة عن أخذه للأجر

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته قد يكون سؤالي غريبا و لكن تعرضت له أثناء مناقشة و هو هل يجب شكر إنسان على عمل خير قدمه لي و قد نال مقابل عمله أجره الذي طلب. هل عدم شكره مشروع أم انه يندرج تحت حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم من لا يشكر الناس لا يشكر الله

الجواب

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ أخي الكريم من المعلوم أنَّ شُكْرَ العباد عُرْفاً لا يكون إلا على معروف أسدَوْه, ومشهورٌ في الحديث الشريف: (من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه..) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله) فكلٌّ اعتاد على أنْ لا يشكر إلا مقابل نعمة, وصحيحٌ أنه لا مكان للوجوب على ما ذكرت ولكن هناك قاسمٌ مشترك بين الجميع ينتظمون في حكم وجوبه جميعا ودون استثناء, ألا وهو حُسْنُ الخلق في التعامل بالكلِم الطيِّب, ولين القول في كل الشؤون الحياتية, تأمَّلْ معي قولَ السيِّد الأكرم صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (رحم الله عبداً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا قضى سمحاً إذا اقتضى) فهو حديث تضمَّن بشارة لمن حَسُن خلقُه بالسماحة. هذا ولما كان حُسْنُ الخلق أصلا دعوياً أصيلا عُدَّ من جذور الإيمان التي لا تتفرع أغصان الأعمال صالحةً باسقةً مقبولةً إلا بها, ولئن كان أمْرُ الوجوب فيما ذكرت غيرَ لازم, فإنَّ أمْرَ الوجوب في حسن الخلق واجب شرعيٌّ أساس لارتباطه بالإيمان, ومعلوم أن الكراهة الشرعية جِدُّ شديدة في حقِّ مَن يسوء خُلُقه بلؤم الفعل, أو فُحْشِ القول, أو عدمِ النصح, أو الكذب, أو الاستخفاف, أو حتى بالابتسامة لأنه لابد من البرِّ عموماً ألم يقل معلِّمُ الناس الخير صلى الله عليه وسلم: ( البرُّ حسنُ الخلُق) وهو القائل أيضاً عليه الصلاة والسلام:(ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وإن الله يُبغض الفاحشَ البذيء) وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً..) وقد دعا صلى الله عليه وسلم إلى الرِّفْقِ في الأمر كلِّه فقال؛ (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) أي إنه سبحانه لطيف بعباده, ويرضيه أن يكونوا كذلك في أمورهم كلها, من أجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ يحرمِ الخيرَ كلَّه) والعلماء يقولون: الرفق هو لين الجانب بالقول والفعل, والأخذ بالأسهل, وهو ضد العنف. فبقليل من الاستقراء والتدبر لعموم التوجيهات التربوية النبوية نُدْرِكُ أنَّ القضيةَ أوسعُ مِن أنْ نحصُر الكلمة في تلك النظرة الضيِّقة التي قد تثمر لؤما اجتماعياً باسم الدين تعود بالوبال على الناس جميعا لأنه ربما يقتصر الأمر في النهاية على فئة دون فئة, فأَنْ لا أشكر ولا أطيِّب القول إلا لفئة من الناس أمرٌ غير سديد, بل الكمال في كمال العمل, وما أجملَها من عبارة نبوية وربِّك تكتب بماء الذهب بل وتميز عن الذهب (ليس الواصل بالمكافئ) أقول يا سيدي؛ إنه مِن الفهم بمكان أن نستقيَ تعاليمَ الإسلام بالنظرة الشاملة تبصُّراً في صورته الكاملة, فذلك هو الجوهر الذي دعا إليه مَن عظَّمَ الله تعالى خُلُقَهُ في بيانه الجليل بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) بقوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم لا تسعون الناسَ بأموالكم, ولكنْ ليَسَعْهُمْ منكم بَسْطُ الوجهِ وحُسنُ الخُلق) ولعلك تسأل أو تتساءل فهل يحتاج مثلُ هذا السؤال لمثل ذلك الجوابِ؟ أقول وربِّك نعم! لأنَّنا لو أطلقنا فتوى عدم الوجوب جواباً على ما سألتَ لسارت بها الركبان مفهوماً خاطئاً يُنَفِّرُ الناس ويُبْعِدُهُمْ عن روح المقاصد الشرعية ولا يقرِّبُهم, ويفرِّقهم ولا يجمعهم. فصلى الله على معلم الناس الخير الذي استحوذ على قلوب الخلق أجمعين بحسن خلقه حتى كان لهم مفتاحَ الفلاح والنجاح. وفقنا الله تعالى جميعا لما فيه صالحنا والرشاد والسداد بهدي سيد العباد عليه الصلاة والسلام آمين.