مميز
EN عربي

الفتوى رقم #43668

التاريخ: 26/11/2013
المفتي: الشيخ محمد الفحام

من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

سم الله الرحمان الرحيم السلام عليكم ورحمة الله و بركاته تحية خالصة الى علماء الشام الجريح والى طاقم الموقع جميعا الحق يا مشايخي ان الله فتح علي بدعاء ضارع واجف خاشع لكن طال بي البلاء وطالت الاجابة من الله غير انني لم اترك الدعاء لكن النفس و الشيطان يلعبان دورا جيدا في الوسوسة و اتهام الله عزوجل والحث بقوة على ترك الدعاء ثم انني لا انكر ان لي ذنوبا ربما كانت هي السبب لكنني لم اقدر الا ان اعلق رجائي به سبحانه فقد ياست من الاسباب ومن نفسي وهل سؤال الناس ان يتوسطوا لي في الحوائج مناف للدعاء و التوكل على الله مع انني لا احب سؤالهم واتضايق منه مع الشعور بشيئ من الذلة او الهوان فالاسباب العادية لا نقضي بها بحكم الظلم و الفساد الاداري الذي نعانيه في اكثر البلاد الاسلامية فبماذا تنصحني ياشيخ فانني حائر بين سؤال الناس لما فيه من الذل وبين دعائي الذي طالت استجابته لانني المذنب الخطاء بارك الله فيكم وشكر سعيكم الحائر و-ب من الجزائر

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه ومن والاه, ؛ فإلى الأخ الحائر أقول: فرَّج الله همَّك, وقضى حاجتك, وأعاذك من مهاوي الأعمال, ورفعك إلى سُدَّة الكمال في صلة قلبك بذي الجلال, وبعد؛ فإنَّ أسمى ما تضمَّنه السؤال مطلعُه في قولك: "إن الله فتح عليَّ بدعاء ضارع واجف خاشع" ذلك أن التجرُّد في تلك العبادة هو أجلُّ مدخل لقطاف ثمر ما ندبنا الله إليه سبحانه حيث يقول: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فـ (الدعاء مخُّ العبادة, بل هو العبادة) كما أشار صلى الله عليه وسلم, وهذا ما ينبغي أنْ يُعَوِّلَ عليه المؤمنُ الداعي بدءاً واختتاماً. أما أمْرُ إطالةِ أمدِ البلاء فإنَّ فيه حكمةَ المجُيب جلَّ في علاه, فإنه سبحانه يُرَقِّي العبدَ في حال الاضطرار إلى جلالٍ يَنْفُذُ منه إلى واقع الجمال ليعيش أنسَ القرب الإلهي كما تمَّ هذا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام, ابتُلِيَ سيدنا يونس عليه السلام في بطن الحوت فجعل قبل دعائه يوحِّد ربه ويتهم نفسه قائلاً: (لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فبكمال توحيده وعظيم شهوده للواحد الأحد عمَّ نورُ ذكره الأرجاء من قاع البحر إلى العلياء ليستأنس به حيتان البحر, ويستعذب دندنةَ صوته ملائكة السماء. وعليه فقد يبلغ المضطر بدعائه مَبْلَغَ الولاية بصبره واحتسابه ولما يُسْتَجَبْ له بعد, وقد يستغرق في أنوار ذلك العطاء فينسى مطلبه ليدرك بعدها سرَّ شهوده بين يدي مقام الربوبية, حتى إذا ما استجيب له تلقى مطلبه على أعلى مستوى من الفهم عن الله تعالى, وهذا الشأن مما يحبه المولى سبحانه ويجلُّ صاحبه جعلني الله وإياك من أهله. أما عن طول مدة البلاء, فما ينبغي أن تفوتنا الحكمة من ذلك, فإنه سبحانه ما طلب منا الدعاء إلا وقد ضمن لنا الإجابة مِنَّةً وفضلاً, لكن قضى بحكمته أن يستجيب في الوقت الذي يريد سبحانه, لافي الوقت الذي يريده العبد لعلمه سبحانه بمصلحة العبد, والمتعلق بصلاحه, ومع هذا فلم يضع ربي أجر الصابر على بلائه مِن رفعِ درجاته وتكفير سيئاته ومضاعفة حسناته مادام صابراً, وكلما طال الأمدُ كلما عظُم الأجرُ حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة كما ورد عن الحبيب الأكرم صلى الله عليه وسلم: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة) لذا كان انتظار الفرج عبادة كما أخبر صلى الله عليه وسلم, وهذا وحده ثمرة من ثمرات الدعاء أيضاً, فإياك أن تترك الدعاء فإنَّ ما أنت عليه من لذة القرب وانتظار الفرج مفتاحُ فتحٍ إلهي يحسُدك عليه أهلُ الحجاب. وبقولك: النفس والشيطان يلعبان, أقول فلا تلعب معهما فإنهما عدوان يَوَدَّانِ هلاكَك, وهما محارَبان ومقهوران بالانشغال عنهما فيما خُلِقَ العبدُ من أجله من الارتباط بخالقه كحصن لا يُخرق إلا إذا فك العبد ذلك الارتباط, وهنا أقول: أمِن العقل اتهامُ المدعو وهو الذي دعاك أمِن الأدب اتهامُه وقد ارتضاك في محراب الطلب, أمِن الفهم عنه تغييبُ القلب عن مفاتيح الفتح والمعرفة بمغاليقَ وهمية يحسبها الظمآن ماءً ؟؟ عزيزي الحائر؛ غيِّب عن نفسك المطلب ثقةً بربك وتفويضاً, وأكثرْ من هذا الدعاء (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) ودع عنك اليأس فإنه يَقْطَعُ بصاحبه ويحرمُه الكثير من التجليات ويبعده عن فهم الدلالات, فإن صِدْقَ التفويض في جَعْلِ العبدِ أمرَه تبعاً لأمر ربه سبحانه وتعالى. أما الطلبُ من العباد فهو مجرَّدُ سبب يُعمل به ولكنْ لا يُعتمد عليه بل على خالقِ الأسباب ربِّ الأرباب جل في علاه, أي على قاعدة "العمل بالسبب واجبٌ شرعي, وعدم الاعتماد على السبب _قلباً_ واجبٌ شرعي آخر" وعليه فلا مانع من طرق باب الأسباب لكن بشرط غسل القلب عن النظر إلى أصحابها لحقيقة أنه (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) وأنه سبحانه المالك الحق فهو (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ). نعم؛ (فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) كمظهر لقضاء الحاجات التي لا تُقضى إلا إذا شاءها المولى سبحانه بمضمون مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم (..إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك..) أي فقد نسب النبي صلى الله عليه وسلم, النفع إلى العباد ولكن على سبيل المجاز تسبباً, ففي الظاهر تَعْرَضُ حاجتَكَ على من جعله الله تعالى مظهراً لقضاء الحاجات, وباطناً تسأل المولى قضاءها موقناً أنه لا تقضى إلا بخلقه ومشيئته, وفي ذلك ذروة الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, وجَذْرُ العقيدة السليمة في مقام التوحيد الخالص, ثم اعلم أنه لا هوان مع قصد تطبيق حكم الشرع بتلك العقيدة السليمة, فادع الله تعالى وسَلْهُ الثباتَ على ما يُرْضيه, فإنه ما أخَّر عنك الإجابة, إلا لما خبَّأهُ لك مِن الخير, اذكر الله ذكراً كثيراً وسبحه بكرةً أصيلا, وصلِّ على حبيبه وأشرف خلقه صلى الله عليه وسلم ففي ذلك قضاء الحاجات, ثم اجعل لنفسك شغلا خاصا بذكره سبحانه ففي الحديث القدسي(من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) ختاما؛ لا تيأسنَّ فإنَّ الفارجَ اللهُ, فرَّجَ الله كُرْبَتَكَ ويسَّرَ عليك جميع أمرك, وفرَّح قلبك آمين يا رب العالمين, ولا تنسني من دعوة صالحة.