مميز
EN عربي

الفتوى رقم #43618

التاريخ: 22/11/2013
المفتي: الشيخ محمد الفحام

معصية تأسرني ولا تدوم التوبة منها

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

كيف يستطيع المسلم ان يدوم في توبته خاصة إذا ارتكب معصية واصبحت هده المعصية عادة لصيقة بسلوكه وما دور الاحسان في محاربتها.

الجواب

أخي الكريم؛ قبل كلِّ شيء لا يأس مع رحمة الله فلو جئت ربَّك بقُراب الأرض ذنوباً وأنت تائب آيب إليه لقابلك جلَّ في علاه بأضعافٍ مضاعفة مغفرة وعفواً. واعلم أخا الإيمان؛ أنَّ الأخطر على العبد أن يستكبر في العلاقة مع خالقه الذي قدَّر فهدى وأرشد فعلَّم, وكرَّم فأنعَم, فالوفاء من العبد أن يعبده كأنه يراه لحقيقة وجوده جلَّ في علاه ذلك أن الإحسان في أصل شمول معناه عبادةٌ ربانية وجدانية تُترجم عظيمَ الاعتراف المطلق من العبد بعجزه بين يدي مراقبته لعظمة الرب سبحانه, وفي دليل الفالحين: أنَّ (أل) في قوله صلى الله عليه وسلم: ( الإحسان ) للعهد الذهني وهو الذي قال فيه تعالى: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)(وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). فلما تكرر الإحسان في القرآن وترتب عليه هذا الثواب العظيم سأل عنه جبريل ليعلمهم بعظيم ثوابه وكمال رفعته. والإحسان: مصدر أحسنت ُكذا إذا أحسنته وكمَّلْتَهُ, وحاصله راجع إلى اتقان العبادة بأدائها على وجهها المأمور به مع رعاية حقوق الله تعالى ومراقبته واستحضار عظمتِه وجلالِه ابتداءً واستمراراً. لذا قال الربانيون: "لا تنظر إلى صغر المعصية ولكنِ انظرْ إلى عِظَمِ مَن عَصَيْتَ". أقول سيدي؛ وربِّك إنْ صدقْتَ مع رجوعك إليه بالأدب نِلْتَ الطَّلَب, وبَلَغْتَ الأرَب, وعشت هناءة التجلِّيات والإمدادات, وعندها تغرق في بحر من أنوار المعاني تحجزك عن المخالفة بشهودك إياه عما سواه. وعلى الرغم من هذا فلا يمكن أن نغفُل عن ضعف العبد في واقع بشريته, ونفسه الأمارة فتغلبه بين الحين والآخر, ألا فلنعلم أن باب الإنابة والتوبة مفتوح لا يُغلق حتى تشرق الشمس من مغربها, وأنَّ بلاء المعصية مع الندم وحبِّ الرجوع إليه لا يَسْلُبُ الإيمان برحمة الرحيم الرحمن القائل:( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ). فتوبتك السريعة بعد المعصية مؤشِّرُ خير, ومع توفر شروط التوبة لا تفكر فيما هو آت, بل عِشْ أنسَ صفاء الرجوع إليه سبحانه بضياء القبول, ودعْ عنك الشاغل الوهمي, وسلِ المولى جل في علاه الثبات والتوفيق بدعاء سيد الأنام عليه الصلاة والسلام(اللهم إني أعوذ بك من جَهدِ البلاءِ, وسوءِ القضاءِ, ودَرْكِ الشقاء, وشماتة الأعداء)(أعوذ بك من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ ومِنَ السَّلْبِ بعد العطاء)(اللهم حَبِّبْ إلينا الإيمانَ وزيِّنْه في قلوبنا, وكَرِّهْ إلينا الكُفْرَ والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين) أكثرْ من الدعاء والرجاء مع اليقين بالإجابة. أسأل الله تعالى أن يثبِّتَ قلبك, ويحييَه بحياة الإيمان, ويجعلك من أحبابه المصانين من كلِّ سوء, والمعاذين من كل بلاء مع الرجاء بصالح الدعاء.