مميز
EN عربي

الفتوى رقم #43599

التاريخ: 21/11/2013
المفتي: الشيخ محمد الفحام

كلام الإمام الجيلاني لا يتعارض مع القضاء والقدر

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

جزاك الله خير شيخنا محمد الفحام أتوجه إليك بسؤال قال الإمام الشيخ عبد القادرالجيلانى رحمه الله: = ما من مؤمن إلا عند الموت يُكشف عن بصره، فيرى منزله في الجنة، يُشير إليه الحور العين والوِلدان، ويصل إليه من طيب الجنة فيطيب له الموتُ والسكرات. يفعل الحق عز وجل بهم كما فعل بآسية عليها السلام. ومنهم من يعلم بذلك قبل الموت وهم المقربون المفردون المرادون. ويلك يا معترضا على الحق عز وجل! لا تهذِ هذيانا فارغا! القضاء لا يرُّده راد، ولا يصدُّه صادٌّ. سلِّم وقد استرحت!. إذا تحقق لك الإيمان قدِّمت إلى باب الولاية، فحينئذٍ تصير من عباد الله المحققين لعبوديته. علامة الولي أن يكون موافقا لربه عز وجل في جميع أحواله. يصير كله موافقة من غير "لِمَ" و"كيف" مع أداء الأوامر والانتهاء عن المناهي هل هذا الكلام فيه لغط عقائديٌ كبير و ذلك في قولين 1_ ومنهم من يعلم بذلك قبل الموت وهم المقربون المفردون المرادون والأدلة على فساد هذا القول لا تعد ولا تحصى من القرآن و السنة و أثار الصحابة رضوان الله عليهم ومنها قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : حدَّثَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو الصادقُ المصدوقُ : ( إنَّ أحدَكم يُجمَعُ في بطنِ أمِّه أربعينَ يومًا ، ثم يكونُ عَلَقَةً مِثلَ ذلك ، ثم يكونُ مُضغَةً مِثلَ ذلك ، ثم يَبعَثُ اللهُ إليه ملَكًا بأربعِ كلماتٍ ، فيكتُبُ عملَه ، وأجلَه ، ورِزقَه ، وشقِيٌّ أم سعيدٌ ، ثم يُنفَخُ فيه الرُّوحُ ، فإنَّ الرجلَ ليَعمَلُ بعملِ أهلِ النارِ ، حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ ، فيَسبِقُ عليه الكتابُ فيَعمَلُ بعملِ أهلِ الجنةِ فيَدخُلُ الجنةَ . وإنَّ الرجلَ ليَعمَلُ بعملِ أهلِ الجنةِ ، حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ ، فيَسبِقُ عليه الكتابُ ، فيَعمَلُ بعملِ أهلِ النارِ ، فيَدخُلُ النارَ ) . الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3332 خلاصة حكم المحدث: [صحيح] 2_القضاء لا يرُّده راد، ولا يصدُّه صادٌّ وهذا كلام مطلق لا بُدَّ من قيد يقيد المعنى المراد من القضاء ولو قال القدر بدل القضاء لقلت صدق وأمَّا القضاء فهذا قد يأتي بمعناه الذي يعارض النصوص و منها قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يردُّ القضاءَ إلا الدعاءُ، و لا يزيدُ في العمرِ إلا البرُّ الراوي: سلمان الفارسي المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 9968 خلاصة حكم المحدث: صحيح منقول

الجواب

سيدي العزيز من المعلوم لدى أهل الاختصاص والفضل أن سيدي الجيلاني من كبار الأئمة ذوي الرسوخ في العقيدة ومناهج التزكية رحمه الله تعالى, وكلامه فيما ذكرتَ ليس فيه غُلُوٌّ كما ظننت ذلك أنَّ إطلاع المولى سبحانه وتعالى مَن يشاء من عباده على منزلته لا يعني إقحام المطَّلِع على ما قضاه سبحانه وقدَّر, فقد ذُكرت منزلةُ الكثير من الصحابة وغيرهم قبل أوان اللقاء. وتعلم مَن بُشِّروا بدخول الجنة ولما يرحلوا, بل قد أخبر عليه الصلاة والسلام أن منهم مَن تشتاق الجنة إليهم قال عليه الصلاة والسلام: (اشتاقت الجنة إلى ثلاثة إلى علي وعمار وبلال). ثم أنْ يُطلع الله عزَّ وجل مَن يشاء من خاصته على منزلته عبر رؤيا صادقة مثلاً قبل موته بأيام ليس غريباً, وأن يَفرح العبدُ ببشارة ربه قبل لقائه شيءٌ حسنٌ فإنه من الفأل الحسن والخلاصة أنَّ الكلَّ فعلُ الحق لا شريك له. وأما ربطك هذا بالحديث الذي ذكرت فهو بعيد عما ظننتَ والله أعلم, ثم إنَّ قوله صلى الله عليه وسلم: (.. فإنَّ الرجلَ ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ..الخ) ليس على إطلاقه بل كما قال أهل العلم: على البعض القليل أنَّ هذا قد يقع في نادر من الناس لا أنه غالب فيهم, وخذ هذه الرواية فيما أخرجه الشيخان عن سهل بن سعد (..إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس, وهو من أهل النار, وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس, وهو من أهل الجنة) زاد البخاري رواية: (إنما الأعمال بالخواتيم) أما المسألة الثانية؛ فللتوضيح أعرض عليك تعريف القضاء والقدر عند علماء العقيدة قالوا: القضاء: هو علمُ الله عزَّ وجل في الأزل بالأشياء كلِّها على ما ستكون عليها في المستقبل. القدر: وقوع ما قضاه الله في الأزل التي هي في علمه القديم طبقا لعلمه. وعليه؛ فإنَّ كلَّ ما يبرزُ في النهاية في عالم المثال الذي هو عالمنا، مما قضاه الله تعالى في الأزل, وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَردُّ القضاء إلا الدعاء). فهو مِن إشاراتِ اللطف الإلهي فيما يسمى عند العلماء بالقضاء المعلَّق الممحو بقضاء الله المبرم الذي في علم الله الأزلي المقدَّر من الأزل, فهو أيضا يسمى قضاء ولا يُرَدُّ, كإبرام عُمْرِ زيد عند الله ستين سنة قد قدرها المولى لعبده بامتيازِ ما كلّفه به من صلة الأرحام وغيرها، وكان قد كتب للملائكة في اللوح المحفوظ ثلاثين, ثم يطلعهم سبحانه على ذلك الامتياز فيمد في اللوح المحفوظ إلى ستين بعلم الله الأزلي فيما قضاه لعبده وهذا لا يُرَدُّ على الإطلاق وهو تحت ظلِّ الحكم في أم الكتاب قال تعالى: (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ). وعليه؛ فلو تخالف المعنى بين القضاء والقدر لكان خللاً في شأن الألوهية والترابط في صفات المعاني من العلم والإرادة والقدرة, فعلم الله أزليٌّ غير مسبوق بجهلٍ - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً, فمعنى لا رادَّ لقضائه أي لا يتغير المحكم المثبت في علم الله الأزلي, وهي عبارة لم يتفرَّدْ بها السيد الجيلاني رضي الله عنه بل ذكرها علماء العقيدة, فقالوا كلُّ شيء يجري بقدرته ومشيئته, ومشيئتُه تنفذ _أي في العباد_ لا رادَّ لقضائه ولا معقِّب لحكمه, ولا غالب لأمره... إلخ ما توسع في مادته أهل الاختصاص من علماء العقيدة جزاهم الله عنا خير الجزاء. تدبَّر معي الآن ما قاله الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه النافع جامع العلوم والحكم وقد يسلك بأهل الشقاء طريق أهل السعادة حتى يقال: ما أشبههم بهم بل هم منهم, وتدركهم الشقاوة مَن كتبه الله سعيداً في أم الكتاب _أي في علمه الأزلي_ . وتأمل أيضاً هذا الكلام للحافظ المناوي في شرحه لحديث(لا يَردُّ القضاء) أي القضاء المقدَّر(إلا الدعاء) فانظر كيف ربط القضاء بالقدر, ثم قال عند قوله صلى الله عليه وسلم (ولا يزيد في العمر إلا البر) يعني العمر الذي كان يَقْصُر لولا برُّه, أو أراد بزيادته البركة, فعلى الأول يكون الدعاء والبر سببين من أسباب السعادة والشقاوة, ولاريب أنهما مقدران أيضا, ثم قال: القضاء قسمان؛ جازم لا يقبلُ الردَّ والتعويقَ, ومُعَلَّق وهو أن يقضي الله أمراً كان مفعولا مالم يردَّه عائق وذلك العائق لو وجد كان ذلك أيضا قدراً مقضياً, فانظر كيف أنه ربط القدر بالقضاء لأنه لو خالف القدر القضاء لغاير علم الله الأزلي, وهذا مستحيل عقلا. فاللهم؛ بلِّغْنا صفاءَ التوحيد والفهمَ عنك وعن نبيك الأكرم صلى الله عليه وسلم واجعلنا جميعا أهلاً لعطائك وحسن الخواتيم يوم لقائك آمين. . وجزاك الله عنا خيراً ففي صحائف أعمالك ما وُفِّقَ إلى عرضه وتوضيحه إن شاء الله. مع الرجاء بصالح الدعاء.