مميز
EN عربي

الفتوى رقم #42676

التاريخ: 28/09/2013
المفتي: الشيخ محمد الفحام

تكفير وقتال من يدعي بأن القرآن الكريم محرف

التصنيف: العقيدة والمذاهب الفكرية

السؤال

يا مشايخنا الكرام السلام عليكم ورحمه الله وبركاته...سؤالي هل يجوز تكفير وقتال من يقولون بان القران محرف أو الذين يشتمون أحداً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم اجمعين ونفعنا الله ببركاتهم ارجو الرد بشكل تفصيلي وجزاكم الله خير

الجواب

أخا الإيمان؛ جزاك الله عنا خير الجزاء, إن أهمَّ ما يعنينا _ونحن دعاة إلى الله تعالى_ تبيين الحقائق وسياق الأدلة الواضحة لمنهج الحق لأننا لو فتحنا باب العنف وتوجَّهنا إلى بعضنا بالشتم والقدح لضاع الحقُّ وغُيِّب أهلُه في زَحام فتنة لا يُدْرى أوَّلُها من آخرها لذا فعلى الداعية إذا حارب أن يحارب الباطل بعينه فيبدد ظلماته بنور الدليل وقوة الحجة ومقارعتها للباطل, ثم قراءتها على الناس بكل سبيل دون التعويل على الأشخاص, فقوة المحجة تُغيِّب ظلامية العمى عن الدليل بإذن الله, فلنحرص على دعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة, وحفظ الدليل من كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, والوقوف عند الجوانب العقلية. فمثلاً ربك يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). كيف أن الله تعالى تكفل بحفظ كتابه وقد صور ذلك في صيغة تضمنت التحدي والتأكيد والجلال, في (إِنَّا) و(نَزَّلْنَا) صيغة تعظيم, وربك لا يعظِّم ذاته إلاّ حيال عظيم و(إنَّ) من صيغ التأكيد وكذا لام الابتداء والتي هي المزحلقة هنا في قوله تعالى (لَحَافِظُونَ) وكيف أن الله سبحانه جعل صيغة التنزيل الذي تكفل بحفظه صيغة مبالغة أي على وزن فعَّلْنا (نزَّلنا) وصيغة ما أوكل حفظه للسابقين من الكتب الماضية على خلاف ذلك بصيغة (أنزلنا) فتعرض هذا الأخير للتحريف. والقول هنا: أفيُعْقلُ أن يساق الأمر من قبل الله بهذا التصوير البلاغي البديع ثم يقال بالتحريف ؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وعليه؛ فالتوضيح للناس جميعاً وبالحجة أنه ما قال بتحريف القرآن عاقل هو ما عليه المعوَّل, وأنَّ كلَّ حرف منه هو كلام الله بلا ريب هو الأساس في التأسيس أن هذا الكتاب العظيم إنما هو بيان الله تعالى لعباده لا يدَ للخلق في حرف من حروفه وأن التحدي من الله قائم إلى قيام الساعة (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ). ولن تفعلوا على التأبيد كما قال المفسرون. إذن فلا يكون ردُّ الباطل إلا ببيان إلهيٍّ (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ). هذا البيان الذي ما تجرَّدَ بين يديه مضطرب إلاّ هَدأَ ولا تائه إلا عرف السبيل, ولا ضالٌّ إلا اهتدى ولا جاهل إلا عَلِم. قُلْ للحائر اقرأ كتاب الله تعالى متدبراً قوله سبحانه (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا). ثم ارتع في ساحة التبيان تُدركْ حكمةَ الله تعالى من مدلول ذلك البيان. ففي التوبة مثلا قوله تعالى:(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). أفيعقل أن يكون السابقون من المهاجرين الذين في مقدمتهم الشيخان أبوبكر وعمر غيرَ هؤلاء ؟ وهل يعقل الحكم عليهم بغير ما يُرضي, وربنا هو الذي رضي عنهم جميعاً ودون استثناء ؟ وفي الحشر يقول سبحانه عنهم جميعاً وعلى لسانهم شاهد صدق لا يُرَدُّ (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ). أفيُعْقَلُأنْ يشمل اللهُ السابقين واللاحقين منهم جميعاً بالتعديل والعفو ثم نُقحم أنفسنا فنخالف تقرير ربنا سبحانه فنُجَرِّحُ ونُكَفِّرُ؟؟ وفي النور يقول سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ..) يسمي ربنا الفرية في حق أم المؤمنين أمِّنا السيدة عائشة رضي الله عنها إفكاً وهو أقبح الكذب ثم نُقحم أنفسنا في تمييع الدليل باجتهاد أخرق رغم وضوح الدليل وفي النور أيضاً قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). أفيُعْقَلُ أن نغاير هذا التوجيه والتحذير إلى جرأة على الله نعلن بها صراحةً رضانا الدخولَ في دائرة العذاب في الدارين, وأننا نحن الذين نعلم...؟؟ وفي الأحزاب يقول جلَّ في علاه (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) أفيُعْقَلُ أن يقرر الله أحقيَّتَهُنَّ بذلك الشرف ثم نقحم أنفسنا بإلغاء ذلك فنعقَّ أشرف أمهات نُسِبْنا إليهنَّ؟ يرفعنا الله ونضع أنفسنا؟ إن هذا لأمر عجاب!؟؟! بل أقول تُرى هل من العقل رَدُّ تزكية الله تعالى لقلوبنا بأشرف مَن خَلَقَ بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بحبهم وإجلالهم والتعريف بقدرهم ثم نجعل من ذلك عِلْماً نتباهى به بين الناس. لو تأمَّلنا شأن الدفاع الإلهي عن السيدة عائشة رضي الله عنها لدهش منا العقل؛ أيها العقلاء؛ اتُّهِمَ موسى ويوسف ومريم وعائشة, فبرَّأَ موسى بالحجر كما في "صحيح البخاري", وبرَّأَ يوسف بشاهد من أهلها كما في "سورة يوسف", وبرَّأَ مريم بإنطاق ولدها كما في "سورة مريم", وبرأ أمَّ المؤمنين عائشة هو بكلامه المبين وبيانه العظيم في آيات كريمات تتلى ويُتَعَبَّدُ بها إلى قيام الساعة كما في "سورة النور". ختاماً؛ ألا فلنتدبر أمرنا وحالنا ولنستدرك على أنفسنا في دنيا التكليف قبل فوات الأوان, ولنعلم أنه لا سبيل لنا إلا بالأدب القرآني والهدي النبوي والتخلق بأخلاق الحبيب صلى الله عليه وسلم, وتفويض شأن أمة جليلة رفع الله قدرها قد خَلَتْ إلى خالقها راضية مرضية. فَلأَنْ نَلْقَى الجميع على الحبِّ المرضي والأدب الخيِّر خيرٌ بكثير من أن نلقاهم وقائلهم يقول: يا ربِّ خُذْ لي مَظلِمَتي من هذا الذي طعن بي وأنا في ذمَّتِك, أنكر صحبتي لنبيِّكَ وقد أثْبتَّها في كتابك, وكَفَّرَني وقد أعلَنْتَ صحةَ إيماني. أسأل الله تعالى العياذ من عاقبة السوء وفتنة القول والعمل, وأن يجعلنا مستمسكين بهدي النبي الأمين صلى الله عليه وسلم متحَصِّنين بحُبِّ أصحابه الأكرمين وآل بيته الطاهرين آمين.