مميز
EN عربي

الفتوى رقم #42478

التاريخ: 19/10/2013
المفتي: الشيخ محمد الفحام

مشاعر الخوف من الله اعترتني

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

سيدي الشيخ محمد الفحام كنت أقرأ سورة الدخان وأنا أحفظها بفضل الله فليست هذه أول مرة أقرأها بها فأصابني ذعر شديد عندما تذكرت يوم القيامة ووقفي بين يدي الله عزوجل وكأني لم أسمع بيوم القيامة من قبل وارتعش فؤادي وأصابني ما يصيب المرء من الخوف الشديد عندما يعترضه أمر من أمور الدنيا ولم أشعر بمثل هذا الشعور في حياتي وأخشى أن يكون هذا نذير لي من رب العالمين بسب سوء فعالي وقبح أعمالي فأرجو أن تسعفني يا سيدي بما يهدأ روعي

الجواب

سيدي المبارك؛ أنْ يتفاعلَ القارئ بمعاني القرآن فهذا أصلٌ أصيل من أصول الرؤية القلبية الثاقبة لدى القارئ المتدبِّر لكتاب الله تعالى ذلك أن القرآن الكريم رسالة الله تعالى إلى عباده, والمؤمن يتلقى الرسالة بمعرفةِ المرسِل فهو يقِظُ العقلِ سليمُ القلب لأنه مُصغ ٍ بسمعِ البصيرة, وإنَّ مَن يُصغي إلى الخطاب الإلهي بمثل هذا المقام لاشك أنه يرتقي إلى مستوى القصد السامي من رسالة الديّان إلى الإنسان, ولعلّ مااعتراكَ ممّا ذكرتَ نوعٌ من أنواع تلك المعاني المترجِمة لحقيقةِ الخشية الإلهية التي تجعل العبدَ يفقهُ معانيَ العبودية وهو يستعرض خطابَ ربه المعبود الذي جعل من الخشية بريدَ أمان, ومن الخوف مناطَ وصولٍ إلى الرحمن, ومن الوجل مفتاحاً لقرعِ بابِ التعرُّف بتجليَّات الحنَّان المنَّان, فهو القائل (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) (وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ )/آل عمران30/ لقد كان الفاروق رضي الله عنه يقرأ في صلاته من آيات التخويف مايُبكيه حتى يُحمَل بعدها إلى بيته دنِفاً ثم يعاد ثلاثةَ أيام عيادة المريض ومابه من مرض عضوي, بل هو الخوف والخشية مع الرجاء والأمل بصفح المولى وعفوه, وما أدراك مَن عمر؟ هذا؛ وتقديمُ التحذير في دار التكليف نوعُ رحمةٍ من الله للعبد فكأني برب العباد وهو يَعرِض على عبده صورَ الآتي من عالم الحساب يلقِّنه حجتَه بالتذكير والتنبيه, نعم يخوِّفُنا ولكنْ مِنْ أجل أن يؤمِّنَنا أليس هو القائل سبحانه {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} /الذاريات50/ أفيَطلبُ منا اللجوءَ إليه ثم يُشقينا أو يخيُّبنا؟ حاشا ربَّنا, فإنَّه مايدعو أحبابه إليه إلا لرحمته ورياض كرامته, فالرحمةُ الإلهية هي السابقة, غيرَ أنَّ ربَّنا يغضب على مَن يُعرض عنه لذا قال بعدها{وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} /الذاريات51 / فإنَّ الشِّركَ جحودٌ والتوحيدَ تفريدٌ لصاحب الحقِّ سبحانه, أفتخشاه وتَرى بين يدي خشيته تقصيرك وسوءَ فِعالك مُقبلاً عليه نادما, ثم يُعرِضُ عنك حاشا ربَّنا أنْ يخيِّب الآيبين التائبين المقبلين الخائفين من هيبة جلاله؟ اعلم أخي الكريم؛ أنَّ أوَّل عاجلةٍ مباركة للخائف هو فتح باب الرجاء وتجلِّيه عليه بضياء الأمن والإيمان, وخذ هذه العبرة الواعظة الآسرة, يروي الفاروق عمر رضي الله عنه أنه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي, فإذا امرأةٌ من السَّبي تسعى إذ وجَدَتْ صبياً في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته, فقال رسول صلى الله عليه وسلم: ( أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟ ) قلنا: لاوالله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لَلَّهُ أرحمُ بعباده من هذه بولدها ) /متفق عليه/ وعليه؛ فما عليك أيها الأخ الطيِّب إلاّ أن تجدِّد العهد بالتوبة والإنابة, وتُحْسِنَ الظنَّ بربك الذي ماتنزَّل عليك بجلال الخوف إلا ليُثمر عندك بجمال الرجاء ثمرةً يانعة على جوارحك عملا صالحاً, وقولا طيبا ومعراجا راقيا منتهاه جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: ( لايموتَنَّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل )/رواه مسلم/ ويَقيني أنَّ مَن هذا شأنُه يتلقَّى كتابه بيمينه ويحاسَب الحساب اليسير المجسد لمظهر اللطف الإلهي بهذا الذي يحصن بكنف الله تعالى القائل: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( يُدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع كنفه_ ستره ورحمته_ عليه فيقرره بذنوبه, فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: ربِّ أعرف, قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا, وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته) / متفق عليه / فاللهم مَتِّعْنا بنور الفهم عنك, وأعِنَّا على العمل المرضي لديك, وأَسْبِل علينا جلباب سترك نلقاك على ظن أننا لانهلِك وأنت رجاؤنا يارب العالمين مع الرجاء بصالح الدعاء.